مع كل ذكرى لثورة 23 يوليو 1952 يتجدد سؤال: ماذا تبقى من هذه الثورة العظيمة؟! السؤال مطروح هذه الأيام فى الذكرى الـ63 للثورة، وبين من يدافعون عن الثورة ومن يهاجمونها تأتى الإجابات على السؤال، غير أن الحقيقة الدامغة التى لا يمكن إغفالها تتمثل فى أن مصر لم تعش ثورة مكتملة كما عاشتها مع ثورة يوليو من حيث الرؤية والانحياز الاجتماعى الحقيقى للفقراء، مما أدى إلى تغيير وجه الحياة الاجتماعية فى مصر، عظمة هذه الثورة فى أنها جعلت أبناء الفقراء والبسطاء والعمال والفلاحين طرفا اجتماعيا وسياسيا أصيلا فى مستقبل مصر، وتلك الحقيقة لم يعد من الممكن الرجوع عنها بأى حال من الأحوال، وبالتالى فإننا أمام حالة تتخطى الحديث عن المشروعات العملاقة التى أنجزتها الثورة.
وفى هذا السياق ونحن نبحث عن آفاق للمستقبل، علينا أن نعى حجم الكوارث التى صنعها هؤلاء الذين صفوا حساباتهم مع الثورة وزعيمها منذ بدء حملة الهجوم على جمال عبدالناصر فى سبعينيات القرن الماضى، بإطلاق الأكاذيب والضغط بها على الأجيال التى لم تعاصر المرحلة، وبالطبع فإن القصد من كل هذا هو عدم السماح للمنطقة العربية مرة ثانية بأن تبحث عن ذاتها وتتوحد تحت راية القومية.
كانت جماعة الإخوان هى الأداة الرئيسية فى معركة تصفية الحسابات مع عبدالناصر، بإطلاق أكاذيبها، منذ أن أفرج الرئيس السادات عن قادتها فى صفقة ندفع ثمنها حتى الآن، فهى التى حاولت اغتيال عبدالناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية عام 1954، لكنها أطلقت أكبر كذبة بأن الحادث مدبر، ومع اعتقال سيد قطب والذين معه عام 1965 والذين خططوا لاغتيال قيادات، وتفجير كبارى وطرق والقناطر، أطلقت الجماعة فيما بعد بكائية طويلة حول إعدام قطب، وتعذيب زينب الغزالى، فى محاولة منها للتغطية على الجريمة التى كان يخطط لها، وأمام الإلحاح الإعلامى المتعمد لتشويه تجربة الثورة كلها، قلب الإخوان الحقائق فجعلوا من الإرهابيين ضحايا، وكان ذلك أكبر عملية تزييف تتم فى حق مصر كلها.
مضى مخطط الهجوم على عبدالناصر بإنفاق سخى من أطراف دولية وإقليمية، حتى وصل إلى مبتغاه بتولى جماعة الإخوان حكم مصر، ليكتشف الناس أن مشروعها هو وجه آخر للرأسمالية المستغلة بكل ما تحمله من سوء والتى تحكم مصر منذ سبعينيات القرن الماضى، هذا بالإضافة إلى إرهابها، وكان ذلك أكبر فضح لها، وإنصاف لجمال عبدالناصر.