بعد أسبوع من الجدل الذى دار داخل الأوساط السياسية والأمنية اليابانية حول الحاجة لتغيير العقيدة العسكرية، بما يسمح لليابان بأن تكون لها أذرع عسكرية خارج حدودها، بما يخالف المادة التاسعة من الدستور اليابانى الذى يمنع هذا التمدد، دخلت روسيا على خط الدول الساعية إلى تغيير عقيدتها العسكرية، بما يتوافق مع التهديدات والمخاطر الجديدة.
لكن روسيا ركزت جهدها هذه الأيام على تغيير أو تعديل عقيدتها العسكرية البحرية، لمواجهة ما تراه أنه «توسع غير مقبول» لحلف الناتو على حدودها، وعملت موسكو من خلال التعديل على وضع إجراءات معينة، من بينها تعزيز المواقع الاستراتيجية فى البحر الأسود، والمحافظة على وجود دائم فى المحيط الأطلسى والبحر المتوسط.
الغريب أن روسيا تعلن عن هذا التغيير فى وقت اطمأنت فيه إلى مسار الأمور والأحداث فى الأزمة الأوكرانية، فأوروبا ومن خلفها الولايات المتحدة فشلا فى مواجهة الدب الروسى عسكريًا وسياسيًا، بل بات واضحًا القوة والتأثير الروسى، بما مكن موسكو من فرض كلمتها على الوضع وبقية الملفات الأخرى التى تتداخل فيها روسيا، مثل الوضع فى سوريا على سبيل المثال.. لكن رغم ذلك، فإن الروس لا يريدون الارتكان إلى حالة الهدوء التى تسيطر على الوضع حاليًا، بل إنهم يفكرون دومًا فى المخاطر المستقبلية حتى لا يفاجأوا بها.
التغيير فى العقيدة البحرية الروسية كشفت عنها وثيقة للكرملين نشرت الأحد الماضى، وجاءت بعد أشهر قليلة على إعلان الروس عن عقيدة عسكرية جديدة تتصدى لتعزيز الناتو قدراته فى أوروبا الوسطى، بعد التوتر الذى شاب العلاقات الروسية الغربية فى أعقاب الأزمة الأوكرانية، بما هدد للمرة الأولى بعد الحرب الباردة بنشوب حرب توقع كثيرون أن تكون حربًا عالمية ثالثة.
الوثيقة المنشورة فى 48 صفحة تضع هدف «تطوير البنى التحتية» فى مقدمة الأهداف، خاصة لأسطول البحر الأسود فى القرم، شبه الجزيرة الأوكرانية التى ضمتها موسكو فى 2014، كما تنص على إعادة إرساء سريعة وشاملة للمواقع الاستراتيجية لروسيا، ودعم السلام والاستقرار، فهى تركز بشكل أساسى على المحيط الأطلسى، والقطب المتجمد الشمالى، والتى تحولت إلى نقطة اهتمام من الجانب الروسى بعد توسع الناتو شرقًا. وتؤكد العقيدة الجديدة ضمان وجود عسكرى بحرى كافٍ لروسيا فى المنطقة، وهو ما ينطبق أيضًا على البحر المتوسط، حيث سيكون وجود البحرية الروسية «بصورة دائمة»، وفقًا لما نصت عليه الوثيقة الروسية.. الحاصل الآن أننا أمام دول كبرى تعمل على مراجعة أفكارها مرة أخرى، فهى تؤمن بأن لكل وقت صياغة واستراتيجية، وأنه من المهم أن تعمل كل دولة على إعادة صياغة استراتيجياتها وعقائدها السياسية والعسكرية بما يتوافق مع ما تواجهه من أخطار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة