د. آمال يوسف خليفة غراب تكتب: القيم الجمالية عند الأطفال وكلمة لابد منها

الأربعاء، 19 أغسطس 2015 02:00 م
د. آمال يوسف خليفة غراب تكتب: القيم الجمالية عند الأطفال وكلمة لابد منها صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تشكل القيم الجمالية أهمية كبيرة فى مرحلة الطفولة، فمن خلالها تتكون معايير الجمال لدى الطفل وتتوافر لديه سبل الحكم والمفاضلة والانتقاء، وتنمى لديه الإدراك والوعى بخصائص المدركات، وتزداد سعة الطفل المعرفية والإدراكية باكتسابه مهارات وخبرات جديدة لم يكن يعرفها أو يدركها دون إكسابه تلك الخبرات القيمية، فالطفل بطبيعته يدفعه حب الفضول والبحث عن كنه الأشياء غير المألوفة بالنسبة له، من ثم فإن إعطاءه الخبرات المرتبطة بالتساؤلات والبحث بشكل صحيح يرسخ لديه المفاهيم والمعلومات وتجعله مدركًا أن وراء كل مدرك سببًا ومعلومة وخبرة، من ثم تزداد سعة الحياة لديه فى مداركها وخبراتها. وتتشكل لديه قيم تساعده فى التكيف السريع مع الواقع المعاش ويتلاءم معه.

وتسهم القيم الجمالية فى صقل إحساس ووجدان الطفل ومشاعره، بل وتجعله يعتز بتراثه وأصوله من خلال مدلولات الرموز والأشكال من ثم توثق العلاقة بين الطفل والبيئة من خلال تنمية قيم الولاء والانتماء للتراث الثقافى والمجتمعى بشكل غير مباشر.
وتشكيل القيم الجمالية (Aesthetical Values Formation) للطفل تعنى تشكيل الطفل من خلال إخصابه بقيم جمالية عقليًا ووجدانيًا ليكون قادرًا على تذوق وإدراك الجمال، مما يمكنه من إضافة ما اكتسبه من خبرة على جماليات المدركات أو المفاهيم أو المعلومات، وكذلك الصياغة الجمالية وفق مقومات جمالية لقيم الطفولة من خلال نظم التفاعل والاتصال الإنسانى والمجتمعى.

وتسهم القيم الجمالية من خلال تفاعل الطفولة ضمن الممارسات الجمالية عن أنماط متعددة من الطفولة، أهمها الطفل الموهوب الذى هو ثروة ورأس مال لابد من استثماره والتخطيط له ورعايته، فهو طفل يتمتع بقدرات ومهارات فى مجال ما معتمدًا على أساسيات الإبداع والابتكار وخاصة الطلاقة، المرونة، الأصالة، الفرادة، فى تدفق الرموز والأشكال، فمن الضرورى الاهتمام بهذا الطفل ورعايته ووضع البرامج الخاصة بقدراته، ومن ثم يصبح من الضرورى توافر مؤسسات للطفولة دائمة الرعاية للأطفال الموهوبين وتتبعه خلال مراحل حياتهم، والتخطيط لإنمائه من خلال:

- تنمية الذكاء اللغوى للطفل.
- الارتقاء بذكاء المنطق الرياضى للطفل.
- تنمية القدرة على التفكير الابتكارى.
- رفع درجة الذكاء الإبداعى للطفل وخاصة التمييز.
- تأكيد قيم ذكاء العلاقات (الفهم، الذكاء الاجتماعى، الإدراك، المعرفة، التخطيط).
- تنمية قيم الذكاء الحركى للجسد.
- الاهتمام بالإدراك الذاتى جماليًا.
- بُعد الطفل عن التصلب (التعصب).

حيث تتطلب تنمية الموهبة نوعًا من المرونة ويتطلب من مؤسسات الطفولة تشكيل قيم الطفل جمالياً وإعداده لحياة يدرك معناها وأهميتها وقيمتها على أن تكون تلك المؤسسات المعنية بالطفل متميزة بالآتى:
- الفهم والإدراك الواعى بقيم ومقومات الطفولة.
- الإدراك التام بطبيعة المرحلة وخصائصها ومميزاتها.
- فهم الأبعاد العقلية والوجدانية للطفل.
- قادرة على رصد مشكلات الطفولة والعمل على كيفية حلها.
- إختيار للمهارات والخبرات التى تتفق وخصائص الطفل.
- فهم وإدراك القيم الجمالية المتصلة بالطفولة.
- إدراك الأبعاد المنعكسة من خلال تقديم بعض الخبرات والمهارات القيمية مع ضرورة ربط ما يقدم ببيئة الطفل بعيداً عن الخيال الجامح.

إن إنماء القيم الجمالية للطفولة، يتوقف على مهارات تحصيله الإدراكي، وعلى المعلومات التى تحقق التواصل الجيد بين الطفل وعالمه المرئي، ومن ثم يدعم إتجاه الطفل نحو التواصل الجمالى مع عالمه المعاش وإدراك الحقائق. فالمدخل الإنمائى للقيم الجمالية يستند إلى حقيقة المعرفة (Factual Knowledge)، ويوجد بعض المجالات التى تتصل إتصالاً وثيقاً بإنماء القيم الجمالية لدى الطفل والتى ترتبط بخبرات التحصيل، ومثال ذلك إنماء القدرات الأدبية للطفل وبخاصة مهارات جماليات الكتابة والرياضيات بشكل جمالي، وإدراك الأشكال الهندسية، وإكساب الطفل المهارات ذات الخبرة الجمالية التى تستند إلى المعلومات القيمية بما يسهم فى تنمية القدرة على التفسير والتحليل بما ينعكس آثاره الجمالية على الطفل، وهو ما يجب أن تتيحه برامج وموضوعات مؤسسات الطفولة المساهمة فى تشكيل قيم الطفولة وفق متغيرات عصر العولمة.

إن القيم الجمالية التى يكتسبها الطفل هى الجسر المؤدى للإنماء الجمالى لديه، من ثم يصبح من الضرورة إكساب الطفل الخبرات التحصيلية العالمية، والتطبيقية، وإدراك المغزى الكامن خلف الأشياء، مما يسهم بكفاءة فى إكساب الطفل مهارات الإتصال والتفاعل الجمالى.

كما أن إثراء القيم الجمالية لدى الطفل تتحقق من خلال التنافس والتحفيز على كسب الخبرة والعمل من خلالها وبها، ويوثق ذلك كلاً من البرامج الإتحادية والدعم المالي، ووضع الخرائط الجمالية الخاصة بتلك المرحلة، وبالتالى الإسهام فى تطوير وبناء شخصية الطفل الجمالية التى تستند إلى العديد من الخبرات التى يجب تزويد الطفل بها من خلال مؤسسات الأسرة والطفولة حيث يتمثل ذلك فى بعض الخبرات الضرورية مثل ملاحظة المشكلات السلوكية للطفل، النمو المعرفى والاهتمامات اليومية للطفل التى تؤثر على إستقباله للجماليات وتسهم فى إنماء تذوقه الفنى والجمالى والتخطيط لنمو الشخصية والنمو الاجتماعى له. وكذلك تعنى مؤسسات الأسرة والطفولة بتثقيف الأم والأسرة وتدعيم العلاقات الأسرية لأنها أساسيات لابد من الأخذ بها فى تشكيل قيم الطفل جمالياً وتذوقه للجماليات، كلغة بديلة للغة اللفظية، مما يسهم فى دفع الطفل لعمليات الكسب الثقافى المتجدد.

وقد أوضح دانيل فى أحدى دراساته أن تنمية قيم التذوق الجمالى للطفل تتأثر بالمستوى الاقتصادى، وبخاصة مستوى الفقر، وهذا يعنى أن الدول النامية إذا كانت فى الأصل دول فقيرة وتحت نطاق التخلف، فمعنى ذلك أن قيم ومقومات الجمال والتنمية الجمالية للطفل تكون شبه متقدمة، ونحن لا نتفق مع ذلك، إذ ان هذه الدول يوجد بها دول عريقة الحضارة، وإنسانها الفقير أكثر إحساساً وتذوق للجمال وإدراكاً. ولكن يمكننا القول عموماً إن الخبرات الجمالية للطفل تعد مدخل جيد لتشكيل شخصيته وخاصة فى مراحل الطفولة المبكرة والمتوسطة، وأن ما يكتسبه الطفل من خبرات جمالية تعد مقوم أساسى تنظم حياته المستقبلية وكذلك فالأسرة تلعب دور كبير فى تقديم الخبرات المساهمة فى تشكيل قيم الطفل، وكذلك فإن توجيه الطفل للعنف يحول بين تشكيل القيم الجمالية وبين فاعلياته الإيجابية فى الحياة مما يدفعه إلى العدوانية والتخريب وكذلك يكسب الطفل معايير العدوانية مما يتطلب إعادة تصحيح المفاهيم، وإن هناك علاقة تبادلية بين العدوانية والعنف وبين فقد القيم الجمالية لدى الطفل. وأخيراً فإن تشكيل القيم الجمالية لدى الطفولة من خلال مؤسسات الطفولة وفق مفاهيم الحرية فى الحداثة والبحث عن الجديد من حيث ما إنتهى إليه العالم تثرى جوانب النقد والتفكير الناقد للطفل وإعداد الطفولة للحياة، وتوجيهه نحو منابع المعلومات مستخدمة فى ذلك المعلومات البصرية، وإثارة التساؤلات، وتدوين الإنطباعات، وأن تصبح الإتجاهات المعاصرة أساس فى عملية التشكيل الجمالى للطفل، وكذلك تنظيم الإتصال الجمالى بين الطفل والمدرك.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة