أسرار ورش "بير السلم" لصيانة "مراكب الموت".. انتشار قطع الغيار الصينى.. وإغلاق إحدى ورش الوراق عقب حادث "المعدية".. صاحب ورشة: الصيانة الدورية لا تزيد تكلفتها عن 500 جنيه

الأحد، 09 أغسطس 2015 12:13 م
أسرار ورش "بير السلم" لصيانة "مراكب الموت".. انتشار قطع الغيار الصينى.. وإغلاق إحدى ورش الوراق عقب حادث "المعدية".. صاحب ورشة: الصيانة الدورية لا تزيد تكلفتها عن 500 جنيه مركب تم تكهينها بورشة الوراق
كتبت - صفاء عاشور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عقب كل حادثة غرق لأحد المراكب النيلية، سرعان ما يشار إلى صاحب المركب، وهيئة النقل والسلامة البحرية بصفة المتهم الأول فى الحادث، والمسؤول الأصلى عن سلامة المركب عند منح التصريح أو قيادتها، فى حين يتم إغفال دور أصحاب ورش التصليح والبناء الذين يلعبون دورًا مهمًا فى صيانة المراكب، وضمان سلامة ركابها البسطاء الذين لا يملون الاستعانة بتلك المراكب، لتوفير نزهة بعيدًا عن الزحام والأسفلت، ضمن ميزانيتهم المحدودة، غير عابئين بتكرار حوادث الغرق.

فى هذا التحقيق تلقى «اليوم السابع» الضوء على عالم ورش تصليح وصناعات المراكب النيلية، والذى يحتاج إلى كثير من الرقابة والمتابعة، فى ظل انتشار قطع الغيار الصينى، وعمل عدد غير قليل من تلك الورش بدون تصريح، وذلك بعد زيارة الورش بمناطق جزيرتى «الدهب» والوراق، ونزلة أبوالفدا، وكورنيش النيل بمنطقة وسط البلد وشبرا.

ورش المراكب


فى منطقة الكورنيش بميدان التحرير، اصطفت عشرات المراكب النيلية، ذات المحركات «اللنش» هادئة تمامًا، لم تبدأ بعد فى إطلاق موجات من الصخب بأغانى المهرجانات، ونداء صاحبها اللحوح لجذب الزبائن، فالليل لم يأت بعد، وارتفاع درجة الحرارة أجبر أصحاب المراكب والعاملين بها على اللجوء إلى ظل شجرة عجوز.

وبالسؤال عن أماكن ورش تصليح اللنشات والمراكب، أكد أصحابها أن هناك نوعين من الورش الخاصة باللنشات أو المراكب، أولهما ورش التصليح السريعة التى تتواجد فى إمبابة ونزلة أبوالفدا، وورش الصيانة الدورية اللازمة لتجديد الرخص كل أربعة أعوام، وتتواجد تلك الورش فى جزيرتى الوراق والدهب، إضافة إلى منطقتى المعصرة والصف، حيث يتم بناء اللنشات، ومنحها رخصتها أيضًا.

فى جزيرة الدهب تقع واحدة من الورش المرخصة لصناعة اللنشات، وعمل الصيانة الدورية لها، تعرف باسم ورشة عثمان فتحى، وهنا يظهر شعبان فتحى، أحد ملاك الورشة، الذى رفض الحديث مع محرر «اليوم السابع» فى بادئ الأمر، بسبب «الضجة» التى أثارها الإعلام مؤخرًا بعد واقعة غرق مركب الوراق، مؤكدًا أن هناك عددًا من الورش غير المرخصة تسببت فى سوء سمعة مثيلاتها المرخصة، لكنه فى النهاية قرر الحديث، رافضًا التقاط الصور له، وللعمل الدائر فى ورشته.

وقال «شعبان» إن صيانة اللنشات البحرية والمراكب تتم كل عامين، عن طريق معاينة مهندسين تابعين للهيئة الملاحة البحرية، وهناك أيضًا صيانة كل أربع سنوات معاينة جافة، ويتم خلالها معاينة أكثر دقة للمركب على اليابسة، ويمكن ألا تزيد الصيانة الدورية قبل المعاينة على 500 جنيه، فى حالة سلامة بدن المركب.

وفى حالة صناعة المركب، يقع على صاحب المركب عبء شراء المواد الخام على حسابه، كما يقول «شعبان»، إضافة إلى موافقة من حماية النيل لبناء المركب، ولا يتم تسليم المركب لصاحبه قبل أن يقوم مهندس من هيئة الملاحة بمعاينته، مضيفًا أن بناء المركب الذى يتراوح طوله ما بين 10 و15 مترًا يحتاج إلى 15 يومًا فقط.

وأضاف أن مكسب الورش الصغيرة لا يمكن مقارنته بالورش الكبيرة المنتشرة فى منطقة الصف والبدرشين، والتى تتخصص فى بناء اليخوت السياحية الفخمة، لافتًا النظر إلى وجود ورش مخالفة منتشرة فى عدد من المناطق كالوراق، وتحتاج إلى تشديد الرقابة من قبل المسؤولين.

فى طريق العودة، حكى صاحب معدية البحر الأعظم عن تشديد مسؤولى النقل النهرى فى معاينة المعديات والمراكب حاليًا، وإلزامهم بتطبيق شروط السلامة المهنية، حتى لا يتعرض أصحابها لغرامة باهظة، وقد ظهرت كومة من سترات النجاة، بجانب صاحب المعدية خلال حديثه.

تراخيص مضروبة


وأكد «ميكانيكى بحرى»، رفض ذكر اسمه، يعمل فى منطقة شبرا الخيمة، أن ثمة اتفاق ودى ممكن أن يحدث بين صاحب المركب وورش التصليح والتصنيع، ففى حالة تلف المركب بالكامل قبل موعد المعاينة، من الممكن أن يتم بناء مركب جديد يحمل نفس الرقم والرخصة، وتكهين المركب القديم، حتى لا يتكلف صاحب المركب مشقة استخراج رخصة جديدة.

فى جزيرة الوراق، أكد أصحاب المراكب واللنشات أن هناك ثلاث ورش بالجزيرة، توقفت إحداها عن العمل فور وقوع حادث الوراق، وخلال الحديث مع أهالى الجزيرة لوحظ انتشار ووجود دائم لشرطة السواحل، واقترابها من جميع المراكب فى تلك المنطقة، للتأكد من التراخيص، والرخص الخاصة بسائقيها، فيما يمكن اعتباره رد فعل مباشرًا لأحداث غرق مركب الوراق.

وبالقرب من إحدى المدارس الابتدائية بالجزيرة، ورغم تأكيد أصحاب اللنشات أن الورشة التى تقع هناك تختص بصيانات اللنشات والمراكب وبنائها، فإن صاحب الورشة أكد أنه لا يقوم بأعمال الصيانة، وأن عمله يقتصر على بناء اليخوت فقط، وقد أكد أحد أصحاب المراكب بجزيرة الوراق أن الورشة المشار إليها لا تحمل ترخيصًا من هيئة الملاحة، وأنها تقوم بتصنيع المراكب واللنشات، مستغلة رخصة سابقة لإحدى الورش المتوقفة عن العمل، وأنه يوجد عدد لا بأس به من تلك الورش فى منطقة الوراق، والتى تعمل بنفس الطريقة.

شهادة منشأ


فى ورشة الروبى عبدالعزيز، إحدى الورش المرخصة بجزيرة الوراق، والتى يحمل صاحبها رخصة ملاحة بحرية، ويملك سجلًا تجاريًا، استقبلنا صاحبها بابتسامة مرحبة، مؤكدًا أنه يعمل فى مهنة بناء اللنشات البحرية منذ ما يزيد على 30 عامًا. وأكد الروبى أنه لا علاقة للورشة بتصاريح المراكب، فعمله يقتصر على إعطاء صاحب المركب شهادة منشأ فقط، وعليه هو يقع عبء ترخيصها وشراء الموتور الذى يعادل ثمنه تكلفة ثمن المركب فى كثير من الأحيان.

ويؤكد الروبى أن المهنة ليست مربحة، فالمراكب التى تأتى إلى الورشة سنويًا لعمل الصيانة لا تتعدى 4 مراكب، وأغلبها يحتاج إلى صيانة بسيطة، لا تتعدى تكلفتها 500 جنيه، فى حين يقوم عمال الورشة بالاحتفال فى حالة حاجة المركب لتغيير ألواح خشبية، أو عمل صنفرة لإزالة «البارومة» بجسم المركب.

المراكب التى يقوم الروبى ببنائها يمكن أن تستغرق من شهرين إلى عام كامل، حسب «فلوس الزبون»، وسرعته فى شراء المعدات، ولا يتم تسليم المركب للزبون قبل أن يقوم بمعاينتها مهندس من هيئة السلامة البحرية، والذى يقوم بعمله بمنتهى الدقة، فالأمر قد يكلفه وظيفته، أو ربما يزج به إلى السجن فى حالة الموافقة على مركب غير مطابق للمواصفات.

ويؤكد الروبى أن المعديات من المفترض أن تكون أشد أنواع المركب انضباطًا، لأن الرقابة عليها دورية ومشددة، مضيفًا أن شكل المركب ليس دليلًا على حالته، فهناك من لا يهتم بالطلاء والشكل الخارجى مقابل الصيانة الداخلية.

شروط سلامة المركب


الحاج سعيد حامد، صاحب عدد من المعديات التى تختص بنقل الركاب من منطقتى القللى والجزارين إلى جزيرة الوراق، أكد أن أصحاب المراكب واللنشات يواجهون عددًا من التحديات اليومية، كمشكلة عدم توفر قطع غيار للمواتير الروسية، وارتفاع أسعار قطع الغيار للمواتير الأمريكية، إضافة إلى زيادة أسعار الوقود المناسب، حيث زاد سعر الجركن الواحد من 65 جنيهًا إلى 200 جنيه، وفى المقابل لم يستطع أصحاب المعديات زيادة الأجرة لأكثر من 25 قرشًا، لتصبح الأجرة 50 قرشًا، إذ إن الأجرة الخاصة بالمعدية مسعرة، ولا يمكن زيادتها إلا بنسب متفق عليها.

وأكد أن المعديات بوجه عام عليها رقابة مشددة، وصاحب المركب يعلم جيدًا أنه «بيعدى أرواح»، وأن أى خطأ سيعرضه للمساءلة القانونية، فى الوقت نفسه فهو يؤكد أنه «مفيش مهنة كل اللى فيها ماشيين دوغرى»، وأن سلامة المركب أو المعدية لا تعتمد على الصيانة فقط، فيجب أن يكون قائد المركب يحمل رخصة «ريس» مركب، وأن يصاحبه مساعد بحار، وميكانيكى بحر، وهذا أمر لا يتوافر دائمًا، مؤكدًا أن معدية الوراق التى تعرضت للغرق كان يقودها طفل صغير على حد علمه، بينما كان «ريس» المركب غافلًا، وهو ما تسبب فى غرق المركب بركابه.

وشدد على أن أنوار الملاحة بالمركب من الأمور المهمة التى يجب مراعاتها، فالضوء الأخضر مهم فى حالة الاتجاه إلى يمين، والأصفر يعنى الاتجاه إلى اليسار، كما يجب إظهار الإضاءة البيضاء فى الخلف، مضيفًا أن جميع أصحاب المعديات يتم امتحانهم من قبل لجنة مكونة من كبار مسؤولى هيئة الملاحة، لذلك فإن طاقم المركب من «ريس» وبحار وميكانيكى بحر من المفترض أن يكونوا على معرفة جيدة بشؤون المراكب، للحفاظ على أرواح الركاب.

وعن المراكب واللنشات التى تستخدم للتنزه، أكد الحاج سعيد أنها «باب رزق»، مضيفًا أنه يعلم بوجود مخالفات بتلك المراكب، لافتًا إلى قانون تم إصداره منذ عام مضى، ويحتاج إلى تطبيق على نطاق واسع، يتمثل فى قيادة المراكب من مقدمتها، وعدم وضع الموتور فى المؤخرة، كما هو الحال الآن، لتدعيم الرؤية لدى سائق المركب، مضيفًا أن قيادة المركب من المؤخرة كانت جائزة حينما كان طول اللنشات قديمًا لا يزيد على 10 أمتار، لكن الآن بات طول اللنش يزيد على 25 مترًا.

قطع غيار صينى


وأوضح الحاج سعيد أنه لاحظ مؤخرًا انتشار قطع الغيار الصينى، والتى تباع فى مناطق السبتية وعماد الدين والوكالة، وقد عرض أحد البائعين عليه شراء تلك القطع لكنه رفض، رغم التفاوت الكبير فى الأسعار، فالموتور الأصلى من الوكيل المعتمد يتراوح سعره بين 70 و80 ألف جنيه، فى حين يصل سعر مثيله الصينى إلى 40 ألف جنيه فقط.

وائل ربيع، مكانيكى بحرى شاب، صاحب واحدة من أربع ورش تصليح سريع معتمدة على مستوى محافظتى القاهرة والجيزة، أكد أن اللنش الجديد يتراوح ثمنه بين 60 و70 ألف جنيه، أما المستعمل فيتراوح سعره بين 15 و16 ألف جنيه، مشيرًا إلى وجود عدد من المحال التى تقوم ببيع قطع غيار صينى فى منطقتى السبتية وبولاق. ويرى وائل بصفته خبيرًا فى هذا المجال أن تلك القطع الصينية «قلتها أحسن»، وذلك رغم أن ثمنها يعادل نصف ثمن الأصلى، وربما أقل، لكنها تمثل خطرًا على أصاحب المراكب والركاب.

وأكد أن الموتور هو عصب اللنشات، وهناك عدد من المواتير الأصلية فى مصر، مضيفًا أن الفرق بين المنتج الصينى والأصلى يمكن معرفته بالنظر فقط، من جودة التشطيب النهائى، والخامات المستخدمة فى التصنيع.

وذكر وائل شروط السلامة فى اللنش، والتى تتمثل فى سلامة الأنوار بالمركب، وألا تزيد الحمولة على 20 فردًا، كما يجب أن تتوفر أطواق وسترات النجاة بمقدمة المركب، وطفاية حريق، إضافة إلى مجداف خشبى فى حالة حدوث عطل بموتور اللنش، أما الغرامة التى تفرضها المسطحات المائية فى حالة مخالفة صاحب المركب لأحد شروط السلامة والأمان، فتبدأ من 10 جنيهات وتصل إلى 10 آلاف جنيه، وفقًا للمخالفة.

ولفت وائل إلى أن أصحاب المراكب بمنطقة التحرير لا يهتمون بالصيانة والإصلاح الدائم، والمركب يمكن أن يعرف من الموتور، فكلما كان نظيفًا فهذا يعنى أن هناك اهتمامًا به، وصيانة له، وتغييرًا دوريًا للزيت، إضافة إلى حصول قائد المركب على رخصة «ريس بحرى»، لكن تلك القاعدة لا يمكن تطبيقها دائمًا، فأصحاب مراكب كورنيش التحرير من الممكن أن يسمحوا لصاحب «نصبة الشاى» أو الحمص، أو لطفل صغير بقيادة المركب بدلًا منهم.

ورأى وائل أن من العوامل التى تتسبب فى زيادة الحوادث بالمراكب واللنشات هو القيام برحلات بعد غروب الشمس، وهو أمر مخالف لسلامة الركاب، خاصة أن هناك مناطق على امتداد الكورنيش مظلمة تمامًا، ولا يمكن الاعتماد على أنوار المركب فقط، خاصة طرق القناطر، وطرة، والمعادى.

ويعتبر الحاج عمر من أقدم العاملين بمهنة ميكانيكى بحرى على مستوى محافظتى القاهرة والجيزة، إذ قضى فى مهنته ما يزيد على 40 عامًا، والذى أكد أن مصر كانت تقوم بتصنيع قطع غيار اللنشات والمراكب حتى السبعينيات من القرن الماضى، وكان مستوى تلك القطع لا يقل عن مثيلاتها العالمية، إلا أن تلك الصناعة توقفت خلال عصر الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، لتقع السوق المصرية أسيرة الشركات العالمية، خاصة الأمريكية.

وأضاف الحاج عمر أن المواتير وقطع الغيار المستوردة كانت أكثر جودة فيما سبق، لكن بعد اختفاء المنافس المصرى، باتت الخامات المصنوعة منها معدات المراكب أقل جودة، وسريعة التلف.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة