كتاب يستدرجك بهدوء شديد، ودون أن تشعر تسقط فى شرك أعده لك الكاتب ببراعة، فأنت عزيزى القارئ - فى الغالب - لا تحب التاريخ، ولا تقترب من كتبه ضخمة الحجم مملة السرد ثقيلة الظل فى أحيان كثيرة، فكلما ذُكر التاريخ تعود بالذاكرة إلى دروسه التى تطير من الرأس، وأنت تُسلم المراقب ورقة إجابة امتحان التاريخ.
أما هنا فالوضع يختلف كثيرا ليس عليك سوى أن تقلب فى صفحات الكتاب دقائق معدودة حتى تغوص فى بحور التاريخ ممسكا بيدك كاتب تخطى حدود مهارات الحكى الطبيعية، وانتقى ببراعة من عشرات الكتب والمراجع ليقدم لك حكايات تاريخية بأسلوب صحفى بسيط، وتنوع شديد، حكايات من الشرق والغرب عن السياسة، والفن، والحب لا يتجاوز حجم الحكاية منها صفحتان أو ثلاثة على الأكثر ستجد متعة لن تستطيع بعدها إلا أن تسلم بعدها عزيزى القارئ - كاره كتب التاريخ - أنك وقعت فى الفخ، وكنت العصفور الأول الذى أصابه الكاتب بمهارة.
أما القارئ المحب للتاريخ من يجد متعته بين أوراق المشاهير، وقصص التاريخ فسيجد هنا فى كتاب يضم 353 حكاية، ولا أقول حدث لأنك أمام أسلوب عرض يتجاوز الفكرة المعتادة لعرض أحداث التاريخ، وفضل الكاتب أن يعتمد على الحكى الأدبى للحدث، هنا بين صفحات كتاب "ذات يوم" التنوع سيد الموقف، تنوع يشعر به القارئ أنه يقرأ عشرات الكتب فى كتاب واحد - وهى متعة لو تعلمون عظيمة خاصة لهواة التاريخ - وبذلك يكون الكاتب أحكم قبضته على عصفوره الثانى ليجمع بكتابه بين القارئ المحب للتاريخ، والعازف عن قراءته بأسلوبه الصحفى السهل الممتنع، والرائع فى العرض والاختيار.
بين صفحات "ذات يوم" لسعيد الشحات الصادر عن الهيئة العامة للكتاب تعرف كيف لم يجد الملك سعود إلا عبد الناصر ليطلب منه المساعدة، راغبا فى اللجوء إلى مصر بعد عزله من الحكم على يد أخيه الملك فيصل.
فى "ذات يوم" تتجول داخل أروقة حكم الأسرة العلوية بدءا من كواليس تحضيرات محمد على لمذبحة المماليك للانفراد بالحكم، مرورا بعزل توفيق لأبيه إسماعيل، ووصولا لقصة زواج الملك فاروق من ناريمان - التى قال عنها السفير البريطانى بعد إعلان خطبتها من الملك أن "مستواها بلدى" - وكيف رفض فاروق قبول احتمال أن تنجب له الزوجة الجديدة مزيدا من الإناث حتى أنه قال لعم ناريمان "تعرف لو عملتها، وجابت بنت حولع فيكم كلكم بنار".
فى "ذات يوم" يطل عبد الناصر بقوة خلال حكايات الكتاب أطرفها قصة زيارة مونتجمرى لمصر، وكيف ألقى الصمت بظلاله على لقائه بعبد الناصر بعد أن قدم "ناصر" عبد الحكيم عامر لمونتجمرى بلقب المشير فسأل مونتجمرى عامر فى أى حرب نلت هذه الرتبة ولم يجد ناصر أو حكيم رد فساد الصمت.
فى "ذات يوم" تكتشف قصة الشطة التى كادت أن تعكر صفو أول اجتماع للحكومة بعد ثورة يوليو.
ولا تخلو "ذات يوم" من حكايات العشق الذى أحيانا يقتل صاحبه كما حدث لجوبلز وزير دعايا هتلر الذى قرر أن ينتحر هو وزوجته، ويقتل أطفاله الستة بحقن سامة بعد هزيمة جيوش ألمانيا فى الحرب العالمية الثانية.
وحكاية عشق نابليون لامرأة تفننت فى خيانته حتى أنه قال لها من فرط هيامه بها "أنا لا أتمنى لك إلا السعادة حتى إذا كانت وسيلتك للحصول عليها عدم إخلاصك لى، ولا أقول الخيانة".
أما فى بلادنا العربية فقصص الحب قد لا تكتفى بقتل صاحبها فقط بل قد تكون سببا فى إبادة شعب كقصة حب "العباسة" - شقيقة هارون الرشيد - ليحيى بن جعفر البرمكى، ومحاولة الكتاب الإجابة عن التساؤل الأهم فى تاريخ البرامكة هل كان لهذا العشق دورا فى نكبتهم.
وأبى صاحب "ذات يوم" أن يكون كتابه خاليا من حكايات أهل الفن فبين صفحات كتابه الموسوعى تعرف كيف فشل السادات فى أن يصبح ممثلا بفرقة عزيزة أمير، وتفاصيل حبس أم كلثوم فى بدروم أحد وجهاء حلوان، ولماذا اعترف الشيخ إمام بإهانة السادات فى محضر رسمى، وسر خطف أسمهان لأحمد سالم من صديقتها تحية كاريوكا.
فى "ذات يوم" تجد حضورا خاصا، ومميزا لطلاب الحركة الوطنية فى الجامعات المصرية أبطال، وشهداء تغافل كُتاب التاريخ عنهم، فتعرف كيف اضطر الطلبة لسرقة جثمان زميلهم الشهيد على طه الرفاعى - الذى قتلته قوات الاحتلال الإنجليزى بعد أن خرج مع زملائه فى مظاهرات منددة بالتصريحات البريطانية الرافضة لعودة دستور 23 - من المشرحة بعد أن رفضت المستشفى تسليم جثمانه تمهيدا لدفنه ليلا ،وتقابل أيضا "حميدة خليل" أول شهيدة مصرية، التى تسببت وفاتها فى خروج أول مظاهرة نسائية فى مصر.
فى "ذات يوم" تجلس عزيزى القارئ فى حضرة إدوارد سعيد وإحسان عبد القدوس وبوشكين ومحمود درويش والقصبجى وعاطف الطيب ويحيى المشد وأمل دنقل وأحمد رامى وزكريا أحمد وبن بيلا وعبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وعبد الحليم حافظ وشجرة الدر وعبد الرحمن منيف وقاسم أمين والفريق سعد الدين الشاذلى وغيرهم كثيرون.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة