نحن القتلة وهذه آيات القتل
يلومنى أصدقائى الذين كانوا يقفون بجانبى فى ميدان التحرير 2011 على أننى لم أعد أذكر كلمة «ثورة» فى كتاباتى، يلوموننى ولهم الحق فى اللوم، ولى الحق أيضا فيما أكتبه.
أنا هنا لا أفتخر بمشاركتى فى «يناير 2011» ولا أتنصل منها أيضا، فقط أنا تعودت على أن أكون صادقا مع نفسى، وأن أكاشفها بالحقائق المؤلمة، وأواجهها بالأمر الواقع، وأن أعيش بروحين، واحدة للاستهلاك اليومى تتلقى فى كل ساعة إحباطا، وأخرى للحلم تغسل رفات الإحباط من فوق الروح، ولست مصابا بالفصام، ولا مسكونا بالغايات الشخصية لأعتقد أن العالم قد توقف أو أن ثروتى ضاعت فيما ضاع مع «الثورة» فقد كان يناير صرحا من خيال، ومن العيب أن يتشقق الحدادون إذا ما انهار الصرح.
أسأل نفسى الآن: هل ثورة يناير ثورة حتى أكتب تلك الأحرف الأربعة بثقة ورسوخ؟ سؤال مرير يخرج من حلقى فاتحا الطريق لدخول عشرات الأنصال، زميلتى فى «اليوم السابع» زينب عبد اللاه، صرخت فى وجهى حينما طرحت هذا السؤال بصوت مرتفع: «أنت يا وائل اللى بتقول كده؟»، نعم يا زينب أنا من يقول.
نحن الذين «خربنا البلد»، ونحن الذين قتلنا «يناير»، قتلناها يوم أن استسلمنا للغوغائية، وأردنا «إسقاط النظام» باللانظام، ومضينا منتشين برعشة الحلم دون أن ندرك أن أول خطوة لتحقيق الأحلام هى الانتفاض من النوم، وقتلناها يوم أن ظننا أننا ملائكة مرسلين بالوحى من لدن الله، وأن ما على الرسول إلا البلاغ، غير عابئين بأن الرسل، حتى الرسل، مطالبون بالدعوة والتبليغ والإقناع والمداراة، وأن الرسالة لا تحيا بحسن النوايا، وإنما تحيا بحسن التدبر، وحسن التفكر، وحسن الإدارة.
نحن الذين قتلنا يناير، يوم أن ظننا أن النور الذى مسنا غمر الجميع وأن الظلام سيندحر من تلقاء نفسه، وأن القوة الحقيقة هى أن ترى الناس مدفوعين بالإيمان دون أن ندرك أن تثبيت الإيمان، هذا يحتاج إلى أضعاف مضاعفة من الجهد فى المطلوب فى الإيمان نفسه، وأن تثبيته، بعد العمل، يتطلب مددا إلهيا عصيا على المتجبرين.
نحن الذين قتلنا يناير وظننا أن دورنا قد انتهى بعد صناعة لوحة فنية رفيعة فى ميدان التحرير، غير مدركين أن للفن عيونا، وليس له أنياب كما أنه لا يملك القدرة على تقديم رغيف خبز إلى جائع أو شربة ماء إلى ظمآن أو قطعة ثياب إلى عارٍ، مفسحين بذلك المجال لمفسدى الأوطان ومخربى الأرواح ليضعوا فى كل فم جائع قذيفة، وينزلوا على كل ظهر عارٍ ستائر الجهل والغيبة والغفلة، ويرووا الظمآنين بمهل يغلى فى البطون. نحن الذين قتلنا يناير يوم أن تركنا بعض المشوهين ليتحدثوا باسمنا، وبعض المأجورين ليرقصوا على جثثنا، وبعض الموتورين ليصنعوا قراراتنا، وبعض الفاسدين ليتكالبوا علينا، قتلناها يوم أن حاربنا فى كل الاتجاهات ومزقنا كل التواؤمات، وظننا أننا رأس الثورة التى لا تحتاج إلى جسد لنفيق على ألا جسد لنا ولا رأس، وقتلناها يوم أن سمحنا للإقصاء أن يكون عملة رسمية، والتخوين ديانة متبعة، و«القبلية التحريرية» شريعة وعقيدة، وقتلناها يوم أبينا التصريح بأن «من يعبد الثورة فإن الثورة فى ذمة التاريخ ومن يعبد مصر فمصر باقية إلى يوم الدين» وأن «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية» غايات لو تحققت لأصبحت يناير «ثورة».
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أبو الكرم
مصر الجديدة
عدد الردود 0
بواسطة:
ايهاب زكريا
انت شخص محترم
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد منتصر المحامى
كل أهداف 25 يناير شعارات وهمية تم تسويقها للمصريين لدفعهم للشارع لتنفيذ المخطط الأمريكى
عدد الردود 0
بواسطة:
د معتز سيف
تحيا مصر
تحيا مصر .. تحيا مصر .. تحيا مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
مجدى
للأسف اعتراف متأخر
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال عبد الناصر
قتلتنا بسيف الحقيقه