السلامة والصحة المهنية كلمة مطاطة يتم تداولها بين المهتمين والمتخصصين لكنها فى حقيقة الأمر هى كلمة السر الحقيقية لتأمين العمال والمنشآت الصناعية والاستثمارات خاصة فى المناطق الصناعية الكبرى وتعد مدينة العاشر من المدن الصناعية الكبرى وتخرج منها ثلث صادرات مصر لكنها شهدت سلسلة حرائق متتالية على مدار هذا العام ، و كان آخرها حادثة حريق بمصنع الدلتا للصناعات الغذائية الخميس، مما يفتح ملف منظومة السلامة والصحة المهنية ومدى تطبيق الشركات للمنظومة والتزامهم بالاشتراطات والمعايير التى تؤمن بيئة العمل ضد المخاطر، ووضع وحدة المطافىء ومدى استعدادها لمواجهة الحرائق والكوارث.
عام 2016 يشهد حرائق كارثية
على مدار عام 2016 نشبت عدة حرائق بعضها كارثى والبعض الآخر بسيط وتمت السيطرة عليه ، و أسفرت عن إصابات كثيرة للعمال وبعض رجال الاطفاء وحالات وفاة.
وبدأت يوم 2 يناير بحريق مزرعة خيول ثانى يوم بعد بداية العام الجديد بسبب اشتعال مخلفات بالمزرعة، ليمر شهر وتحدث كارثة مصنع حلويات كادبورى يوم 28 مارس والذى أصيب فيها حوالى 25 عاملا وتوفى 4 عمال دون معرفة السبب الحقيقى وراء الكارثة، وبتاريخ 16 أبريل نشب حريق آخر فى مصنع للأجهزة الكهربائية وأصيب فيه عاملان، ثم حريق آخر بأحد مصانع للمنتجات الورقية بتاريخ 11 مايو وبعد 18 يوم وبالتحديد بتاريخ 29 مايو نشب حريق بأحد مصانع السجاد بالعاشر، لتصدر شهر يونيو حادثتان آخرين بتاريخ 5 يونيو حريق بشركة دهانات مشهورة تلها حادثة التهمت 3 اطفال فى شقتهم حتى تفحموا ولم يتم التمكن من إنقاذهم، وفى شهر سبتمبر 3 حوادث حرائق بمصنع زجاج بتاريخ 21 سبتمبر، وبتاريخ 25 من نفس الشهر نشب حريق فى احدى العمارات تحت الإنشاء بمشروع دار مصر وبعد 3 أيام اى بتاريخ 28 من نفس الشهر تم نشوب حريق بمصنع أجهزة كهربائية ومصنع منسوجات ليمر شهران وتأتى حادثة حريق مصنع الدلتا للصناعات الغذائية.
وبتحليل البيانات المتعلقة بحوادث الحرائق فى عام 2016 بمدينة العاشر من رمضان نجدها تحدث فى أغلب القطاعات الصناعية "منسوجات -زجاج- أجهزة كهربائية- كارتون - ورق - صناعات غذائية، مخلفات صناعية " وهنا لابد من طرح تساؤل حول الأسباب الحقيقية لإشتعال الحرائق فى هذه المصانع، الشكل العام لكل هذه المصانع يؤكد أن لديهم تقارير سلامة وصحة مهنية، وجميعها لديه ما يثبت انهم ملتزمون بالسلامة والصحة المهنية معتمدين على تقارير فى سجلاتهم.
إذن أين تكمن المشكلة؟
هذا ما تحدث عنه رئيس وحدة الدفاع المدنى بالعاشر من رمضان العقيد هيثم شحاته فى جلسة علنية مع أعضاء مجلس إدارة جمعية مستثمرى العاشر، محذرا من حدوث كوارث فى أى لحظة، قائلا " الشركات لا تلتزم بمعايير الاشتراطات والسلامة وكل ما يهمها تقرير فى سجلاتها لكن الواقع يؤكد لجوء بعض أصحاب الشركات لأشخاص ليس لديهم خبرة فى مجال السلامة والصحة المهنية يعيدون لهم التقارير، إضافة إلى لجوء بعض أصحاب الشركات إلى طرق غير مشروعة للحصول على تقارير منافية للواقع لديهم وسرعان ما يتم اكتشافه مع حدوث كارثة أو حريق لديه.
رئيس الدفاع المدنى: "وحدة الإطفاء" بمدينة العاشر متهالكة
وأكد شحاته أن هناك طرف آخر المعادلة هو إمكانيات وحدة الاطفاء التى تخدم على المنطقة الصناعية والتى تكاد أن تكون متهالكة ولا تحقق النتيجة المرجوة فى سرعة السيطرة على الحريق قائلا " أنه لا يوجد اى آليات تصلح نهائيا للعمل لمواجهة الحرائق فى المناطق الصناعية بالعاشر، حيث أن إمكانيات الإدارة 12 سياسة إطفاء 4 منهم فقط هى التى يمكن الاستعانة بها و8 سيارات أخرى تحتاج إلى تكهين والمعدات بدأ عمرها الافتراضى ينتهى.
وأضاف العقيد شحاته فى تصريحات خاصة لليوم السابع، أن آخر دعم قدمه مجلس أمناء المدينة للوحدة لتطوير الأجهزة والمعدات المتعلقة بوحدة الإطفاء فى العاشر تمت منذ 4 سنوات تقريبا، والوضع الحالى للوحدة لا يمكنها من القيام بعملها، ولا يليق بمدينة صناعية ضخمة كالعاشر من رمضان مؤكدا أن كل ما يتردد حول دعم مجلس الأمناء لتطوير الوحدة بمبلغ 8 مليون جنيه غير صحيح بالمرة، والشركات فى العاشر تلجأ إلى طرق ملتوية لعمل الاشتراطات المطلوبة للتأمين ضد الحرائق وفور وقوع كوارث يتم اكتشاف الأمر.
الحرائق الكبرى سببت كوارث بالمدينة
وأكد العقيد شحاته، أنه يجب على الشركات أن تقوم بتأمين جيد على منشآتها لأنه فى حال حدوث حريق كبير سيلتهم العديد من الشركات ويسبب كوارث ضخمة، كما حدث فى حريق مصنع ماك فى 15 مارس 2014 الذى التهم معه 5 مصانع أخرى من بينهم مصنع لادا للسيارات مضيفا أن المستفيد الأول من تأمين المنشأة وتوافر أساليب واشتراطات التأمين التى يعمل بها هو أصحاب الشركات.
وأوضح العقيد شحاته أن سبب الحريق الذى شب الخميس الماضى، بمصنع الدلتا للصناعات الغذائية بمدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، وأسفر عنه إصابة 9 عمال باختناقات هو عطل حدث بأحد المكيفات الموجودة أعلى سطح الشركة مما أدى إلى اشتعال مخلفات بلاستيكية كانت موجودة على السطح قائلا "المنشآت الصناعية بالعاشر لديها قصور دائم" مؤكدا أن شركة الدلتا للصناعات الغذائية الوضع لديها معقول نوعا ما حيث أنهم حصلوا على آخر موافقة لاشتراطات السلامة والتأمين ضد الحرائق منذ 3 شهور تقريبا، لكن وجود المخلفات ساعد على اشتعال الحريق وتم السيطرة عليها فى 8 دقائق تقريبا ولم تسفر عنها خسائر فادحة سواء بشرية أو مادية.
معظم منشآت "العاشر من رمضان" لاتلتزم باشتراطات الأمن الصناعى
ومن جهته كشف احد الكيميائين بالإدارة العامة للسلامة والصحة المهنية بمدينة العاشر من رمضان والتابعة لمديرية القوى العاملة عن كارثة وهى ضعف التزام معظم المنشآت الصناعية بالعاشر بتنفيذ اشتراطات الأمن الصناعى، وأن ذلك من أهم أسباب انتشار الحرائق علاوة على أن بعض أصحاب المصانع ليست لديهم مخازن لتخزين المواد الخام، حيث يقوم بتخزينها بجوار خطوط الإنتاج وفى الممرات والطرقات ومنطقة الردود بهدف توفير الوقت والجهد فى نقلها، حيث يعرضون مصانعهم لتفاقم حجم الكارثة ويكون من الصعب إخلاء المكان من العمال والخامات ومرور سيارات الإطفاء بسهولة إلى مكان الحريق.
وأشار الكيميائى إلى أن عدم وجود خط طوارئ مناسبة مثل خطوط إخلاء المكان وكيفية تدريب العمال على استخدامها فى حال وقوع الحرائق وعدم قيام أصحاب المصانع بتوفير جهاز وظيفى داخل المصنع مدرب ومتفرغ لتنفيذ اشتراطات السلامة والصحة المهنية حسب ما نص عليه القانون 12 لسنة 2003 يؤدى إلى تفاقم الكوارث.
خبير: المصانع لا تتعاون مع مفتشى الأمن الصناعى
فيما يرى الدكتور مجدى شرارة، خبير الآمن الصناعى أن انتشار الحرائق يرجع إلى وجود فجوة كبير بين مفتشى مكتب السلامة والصحة المهنية وأصحاب الإعمال فمن الصعب أو النادر أن تصل تقارير مفتش الأمن الصناعى إلى صاحب العمل، وأن هناك بعض المصانع لا تتعاون مع مفتشى الأمن الصناعى بدعوى أن المصنع حصل على شهادة الأيزو فى مجال تنفيذ اشتراطات السلامة والصحة المهنية وفى الحقيقة أن معظم هذه الشهادات يتم منحها دون التأكد والتحقق من قيام المصنع أو الشركة بتنفيذ تلك الاشتراطات وأن العمال شكوا من تقاعس بعض المصانع والشركات من عدم وجود أجهزة إطفاء ومهمات الوقاية التى تعمل بشكل جيد وعدم وجود دورات تدريبية لهم على كيفية استخدام هذه الأجهزة عند حدوث الحريق.
فيما أكد بعض أهالى مدينة العاشر من رمضان أن أسباب هذه الحرائق تعود للإهمال الجسيم من أصحاب العمل والعمال خاصة فى المصانع التى تستعمل الكيماويات، حيث يقوم العمال بتدخين السجائر أثناء العمل مما يؤدى إلى وقوع كوارث علاوة إلى عدم التزام غالب أصحاب المصانع باشتراطات الحماية المدنية والسلامة والصحة المهنية متهمين المسئولين بتسليك الأمور على حساب المواطنين.
وتساءل الأهالى أين تذهب أموال دعم منظومة الحماية المدنية التى نسمع عنها منذ سنوات والتى تتعدى قيمتها 8 ملايين جنيه وتم صرف 4 مليون جنيه منها والتى فى أكثر من مناسبة يعلنها مجلس أمناء المدينة عند كل زيارة لوزير أو مسئول للمدينة أو اجتماع للمجلس حتى أطلق عليه البعض "مجلس المطافىء" من كثرة الأموال التى يتم اعتمادها لتطوير المنظومة وحوافز العمل حتى وصل الأمر لشراء أحذية وخراطيم وسيارات وملابس لموظفى الإطفاء بالتوازى مع كشف الحرائق رغم تعرض عمال المصانع للعديد من الأخطار ولا حياة لمن تنادي".
جدير بالذكر أنه تمكنت قوات الحماية المدنية من السيطرة على حريق الدلتا للصناعات الغذائية الخميس الماضى بالدفع ب 5 سيارات مطافىء وتم نقل 9 عمال اصيبوا بحالات اختناق، إثر اندلاع الحريق، للمستشفى التأمينى وإصابتهم بحروق بسيطة، وهم " صلاح الحبيب المصطفى، ومحمد سلطان عبدالله، والشافعى عبدالمقصود، وأيمن محمد عزت، ورضا سعيد توفيق، وعبدالرحمن محمد على، عصام حسين محمد، محمد عادل السيد، وعواطف عبده السيد".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة