مايكل فارس

تاريخ الهزائم المنكرة

الأربعاء، 02 نوفمبر 2016 08:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أتدرى يا صديقى كم حرباً خضتها؟، أتعلم كم الهزائم التى مُنيت بها؟، أتتخيل كم الجبهات التى كنت تحارب بها؟، ولقيت فيها جميعاً "هزائم منكرة"، وكيف خرجت؟ وبماذا كنت تفكر أثناء هزائمك؟.. وكيف اجتزتها؟ وهل تعلم متى بدأت نقطة الخروج للحياة؟.. متى بُعثت من جديد؟

 

                                                  أ - (أرض الظلام)

 (1)      استراتيجية الحرب

الأيام السوداء التى حلت لتجد نفسك بأرض الظلام، ضوء الأمل الذى انبرى، الحماس الذى اختفى، الإرادة التى تكبلت، الرغبة التى فُقدت، الأصدقاء الذين - نفقوا فى مخيلتك - الحب الذى قًتل، العمل الذى أذَل، الروح الباكية على الأمل، قلة الحيلة والعجز الذى أخَل، الخاذلون فى كل مقتبل.

 

يا صديقى تذكر أنك تحارب وحدك فى جبهات متعددة، لن تصمد كثيرا، ستنتصر فى جبهة ما، وتخسر فى جبهات أخرى، قد تكون روحك، قد تنتصر فى عملك وتخسر ذاتك، قد تكسب حباً وتخسر صديقاً، قد تكسب أموالاً، وتفقد أخلاقك، كل الحروب تقبع فى ذاتك، تدرك مخاطرها فى ذهنك، فنحن البشر فى كوكبنا نتعامل بـ"استراتيجية الحرب" فى كل علاقتنا الإنسانية، حتى الحب، فيجب أن انتصر على الحبيب فى الرأى والموقف، وتنازلنا يعد خسارة يجب أن نردها فى جولة مقبلة، كل ما هو خارجك عدوك، فهل ستنتصر على كل أعدائك؟، هل ستطوع كل الجبهات فى صفك؟، هل رأيت يوماً كائناً من كان كسب كل شىء؟، ها هو سليمان الحكيم فى العهد القديم صرخ قائلا: "باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح"، بعدما وصل لقمة المجد، هو يعلم ماذا كسب وماذا خسر فى المقابل.

 

(2)      أسرارك الكامنة فى الوجه المظلم

أتعلم يا صديقى كيف تكون هيئتك حينما تجلس وحيداً فى غرفتك، وترى مكامنك، ضعفك، عجزك، الكل يتجلى أمامك فى لحظة هجوم مباغتة، من وحوش "الأسَوَد الضد" - كل فكرة سلبية خبيثة - لن يرى الناس ذلك، فأسرارك الكامنة تظهر فى وجهك المظلم الذى لن يراه أحد، يرون نجاحك ولا يدرون خسائرك، يرون سلبياتك الظاهرة، ولا يدركون كيف تحولت لذلك المسخ الشرير، كيف ومتى قرروا إحباطك، وكيف تنازلت عن البعض، لتكسب البعض، وبين البعض والبعض قناعات تولد وأخرى تذهب لمثواها الأخير، وقد تُبعث بمعجزة.

 

(3)      تاريخك السرى

يا صديقى.. هم لا يعرفون تاريخك، لا يعلمون كم شخص خذلك، وكم صديق باعك، وكم حبيب خانك، فتاريخك السرى يقبع بين ثنايات روحك، وإن أفصحت به ستكون ضعيفاً، ومجتمعنا لا يقبل بالضعفاء، فأخفه، دعهم يرون الجبار المحارب المستل السيف، ولا يرون الروح المنسحقة بداخله، يرون الضاحك المشرق، ولا يرون آنين القلب، والهمبازين الذى يعذب العقل.

 

                                                   ب – (بحر الخوف)

(1)      الحلم المستباح

الحلم، الهدف، ومضات الأمل، يخاطرونك بين الحين والآخر، يعاتبونك، يستدعونك،فلا تجيب، كيف تلبى ندائهم وروحك منسحقة.. يرحلون، وبعد الحين يأتون ويقرعون بابك، وبخيبة يغادرون.

 

من أحببته يوما، وصرت عبداً فى أثيره، والعناوين تكاد تكون متشابه، كذب، خيانة، عطاء مطلق، جحود، سوء تقدير.. تختلف العناوين والقصص.. ولكن المتون مغايرة، يحمل كل متن منها، جزء من جدار روحك الذى انكسر.. وبين كل عنوان وعنوان..تاريخ أخر من الهزائم.

 

(2)      ماء الحب وطعام الصداقة

من اعتبرته يوماً خلاً صديقاً، وإذ به يتخلى عنك فى مفترق الطرق، من أعطيته وداً، ليفاجئك بغدراً، من جعلته بآولى درجات قلبك، إذ به يتركك ويرتب أولوياته وفقاً لمصلحته النفسية أو المادية أو المعنوية..أنه تاريخ أخر من الهزائم.

 

استجداء رفقاء الدرب بلا أمل، الحلقة المفرغة التى تظهر جليا ًكلما استدعيتهم، من عرفوا ضعفك فلفظونك، ومن أعلمتهم بألمك فتركوك، من صرحت لهم بأوجاعك فخانوك، من أسقطوا عليك عيوبهم واتهموك بصفاتهم، ومن رأوك وفق أمراضهم التى استشرت فى أذهانهم، منتزعى الأمان وما أدراك ما الأمان، قد يأتك بكلمة من رفيق أو حبيب، مفداه" لا تخف.. أنا معك"، الأمان صار فردوسا، تسمع عنه ولا تراه.

 

من وعدوك ونكسوا وعودهم، ولاقوك بابتساماتِ مزيفات، وكل خط من ملامحمهم ينبض بالأسود القاحل لتصبح ملامحهم خريطة سوداء أمام عينيك.

 

(3)      أنثى الأكسجين.. ولكل أنثى أكسجينها الخاص

الإنسان يتنفس الأكسيجين ليعيش، ولكل أنثى أكسجينها الخاص ، لا تحىَ بدونه، ومنهم "أكسجين الكذب"، الإناث التى تلوث فرجهن بقضيب الأكاذيب، فأصبحت متعتهن وشهوتهن به لا تضاهى، من استبدلت عقلها بفرجها، وادعت الفضيلة، فالكاذبة تحولت لـ"إلهة دموع التماسيح".

 

الفرق بين (الزانية) والكاذبة، تذكر احترامك الأبدى للعاهرة ومقتك الأبدى الأزلى للكاذبة، فالأولى صادقة، تعلم ماذا تريد وتصارحك به، وتعطيك حرية الاختيار، أما الثانية فهى السم السارى فى العروق، تستنزفك وتستبيحك حتى الرمق الأخير، فكذبها ليس خوفاً من العقاب، بل أنه طبع ياصديقى، هو "الأكسجين"، الذى سيزهق روحها منها إن لم تتنفسه، فهناك من أعطيتهم الأمان، ولم تعاقبهم على أفعالهم، لتفاجئ بالطبع الذى صار أكسجيناً، فهى تعرف تماما ماذا تريد؟، وكيف تصل إليه؟، منزوعة الإمكانيات سوى جسدها، فطوعته للوصول لأهدافها السطحية، تستخدم بين الحين والآخر دموعها بمهارة دفاعية لن تصمد أمامها عندما تشعر بهجومك، فتقوضه، إنها إلهة "دموع التماسيح".

 

"أكسجين التناقض".. "المتناقضة الحالمة"، من تقول شيئاً وتفعل غيره، دون أن تشعر بذلك، تعيش فى أوهامها الخاصة، وتعتبرها حقيقة، تعيش فى أبجديات الحياة، وتعتقد أنها وصلت لقمة العمق والنضج.. جميعهم صفحات أخرى من تاريخ الهزائم المنكرة.

 

                                               ج – بيداء التيه

(1)الألم والأمل.. والعجز والحرمان

الألم والأمل، وعلاقتهما العكسية، الرفيقان الأعداء المتلازمان طوال رحلة حياتك، صراعهما الأبدى الأزلى، قوة إحداهما تستدعى ضعف الآخر، لن يجتمعان.

الحرمان، حيث كل ما ينشده قلبك وعقلك لا تجده، يظل حبيساً بين أضلعك، تنشد مياه الحب لا تجدها، تبحث عن طعام الأصدقاء، وإذ به حلم، فكل رغباتك محرمات.

 

"العجز"، يقال: "قلة الحيلة لا تنال من شرف الرجال".. أحسبت الوقت الذى شعرت به بـ"قلة الحيلة"، فى حروب خاسرة، ".. صفحات أخرى من تاريخ هزائمك المنكرة.

 

د – (غابة الإذعان)

(1)

من أرادوا تركيعك، الذين اعتذرت لهم جبراً، وشكرتهم نفاقاً، بعد أن أذوك، ومضيت لهم عقد إذعان" مؤقت"، حينما أقنعت نفسك باطلا: بـ"الضرورات تبيح المحظورات"، وانتزعوا منك دوائر الاستقرار دائرة تلو الأخرى، لتجد نفسك وحيداً، وتبحث عن من يدعمك، لتكتشف أن الدعم سراباً، بل أسطورة سطرها الآباء الأوليين.

 

من أشهروا سيوفهم فى وجهك لتركيعك، ومن رفعوا بحناجرهم أصواتاً اخترقت السماء، وكأنهم آلهة السموات على الأرض لإرهابك، ليسرى الخوف فى عروقك وتتجرع مرارة العلقم، جميعها كانت مشاعر منزوعة الأمان، تبحث عن بصيص أمل كالأكسجين فلا تجده لتعيش فى اختناق.. إنها صفحات أخرى من تاريخ هزائمك المنكرة.

 

(2)

مصاصو الدماء، تلك الأسطورة التى تحولت لواقع مرير، فعشت مع من يجسدونهم على الأرض، واستبدلوا الدماء بـ"الخوف"، يعيشون على خوف الآخرين، الذى صار خوفهم يمنح "سر الوجود لـ"المصاصين"، إن كنت جسورا أمامهم، ولم يشتموا فيك رائحة الخوف الذى صار غذائهم المفضل، يبدأون بالإعياء، فنظراتك القاتلة، أقوى من أن تعطيهم مأربهم، ولكنهم لن يستسلموا، سيجندوا جيوشاً أخرى تحارب بالوكالة لاستنزافك وانتزاع ما لم يستطيعوا انتزاعه.

 

                                            ه – ( البعث من الموت)

وهم "الأرص الصلبة"، التى تقف عليها، ومع مهبة التجارب تكتشف الحقيقة المجردة، إذ بها لوح ثلجى ثقيل، ومع بذوغ شمس التجارب، فإذ بها تسيح وتجد نفسك تصارع الغرق، وأنت لا تعلم شيئا عن السباحة، والقرار إما أن تموت، أو تتعلم السباحة أثناء غرقك، وتقرر ألا تموت.

 

لقد نجوت بمعجزة يا صديقى، فها هى أنفاسك بين ضلوعك تشعر بها شهيقاً وزفيراً، كيف نجوت؟ وكيف نازعت الموت؟ كيف تعلمت السباحة فى لحظات موتك؟، بما كنت تفكر وأنت تقاوم الاحتضار؟ هل رأيت تاريخ هزائمك المنكرة وقررت ألا تهزم من جديد وترفض الموت القصرى والاستسلام؟ كيف عدت بقوتك من جديد؟ لقد بُعثت من جديد يافتى...، ما سر تلك القوة الدفينة التى تظهر فجأة بلا سابق إنذار؟.

 

أبواب الجحيم فتحت على مصراعيها، لاقيت الموت، تكرراً ، عشت بأرض الخوف، وتمزقت بجزيرة التيه، واجتزت بحر الموت، وغابة الإذعان، وهاهى روحك تبعث من جديد، تلك الروح التى صارعت الموت وتغلبت عليه، تأبى الاستسلام.

 

أرض الخوف، وجزيرة التيه، وبحر الموت، وغابة الإذعان، جميعهم ينظرون إليك ويتساءلون.. كيف تجاوزتنا؟، كيف نجوت منا...من أنت؟.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة