فجأة تغيرت الوجوه، وظهر الغضب والحزن على كل مسئولى السفارة الأمريكية المتواجدين فى القاعة المخصصة لمتابعة الانتخابات الرئاسية الأمريكية بأحد فنادق وسط البلد، فترامب الذى لم يكن هناك أى احتمال لفوزه يكتسح، ومرشحة الحزب الديمقراطى الذى ينتمى إليه كل العاملين بالسفارة، هيلارى، تتراجع بشكل لم يكن يتوقعه أكثر المتشائمين، ماذا حدث، من الذى فعل هذا بالأمريكان، بالتأكيد ليس غضب الرب ولا لعنة الفراعنة ولا ذنب الأبرياء ممن قتلهم النظام الأمريكى حول العالم، فتلك لغة لا يعرفها الأمريكان فى تفسيراتهم السياسية، ولكنه الرأى العام الذى لم يعد مغيبا ولا تحركه الشاشات ولا تتلاعب به مراكز قياس الرأى التى لم تعد بريئة من التوجيه.
إشارات الفوز لترامب كانت واضحة منذ منتصف ليلة الانتخابات، ورغم ذلك بدا مسئولو السفارة وكأنهم لم يفقدوا الأمل، وظلوا متعلقين بأصوات ولاية بنسلفانيا، وكلما سألت أحدهم، لما الانتظار والفارق يتسع تخرج الإجابة، إن بنسلفانيا وحدها بعشرين نقطة يمكن أن تقلب الموازين، والحقيقة أنه لم يكن أملا حقيقيا وإنما وهم صدقوه كى ينقذهم من الكابوس المتمثل فى ترامب، لكن ما أن تأكد أن الكابوس واقع حتى سارع السفير الأمريكى "كرافت" بإلقاء كلمته والمغادرة قبل أن تعلن النتيجة رسميا.
سقوط مدوٍ، وصف هو الأفضل والأنسب لما طال الديمقراطيين فى الولايات المتحدة الأمريكية، فالقضية ليست الرئاسة فقط ولا ابتلاء دونالد ترامب الذى يرونه مجنونا متهورا، وإنما القضية أن الجمهوريين سيطروا تقريبا على مقاليد القرار الرسمى فى الولايات المتحدة، بعد أن أصبح فى حوزتهم ولأول مرة منذ عقود طويلة أغلبية مجلسى الشيوخ والنواب بجانب الرئاسة، فهذه الثلاثية ما كان يتوقعها أحد، لكنها حدثت لتكمل المفاجآت وتؤكد أن تغييرا غير عادى تشهده السياسة الأمريكية، وأن الرأى العام الأمريكى قد ملّ السياسات التى تفقد بلاده كثيرا من سطوتها العالمية وتجعلهم شعبا غير مرغوب فيه، فالأمريكان على ما يبدو أدركوا أنه ليس كافيا أن تكون الأقوى فى العالم عسكريا وسياسيا وإنما لا بد أن تكون الأقوى نفوذا وقبولا لدى الآخرين، وهذا ما لم تنجح إدارة أوباما فى تحقيقه، بل كان النجاح الوحيد له على مدار ثمانية أعوام هو كسب الكراهية والرفض الشعبى فى كثير - إن لم يكن أغلب دول العالم - وربما هذا هو الذى جعل الناخب الأمريكى يفضل المغامرة بترامب على المقامرة مجددا بالمد للديمقراطيين.
ما يهمنا فى الأمر هو آثار النتيجة على المنطقة العربية، وبالتأكيد نعلم أن السياسة الأمريكية لا يحكمها أشخاص وإننا لا يجب أن نتوقع تغييرا جوهريا فى السياسة الخارجية الأمريكية، وتحديدا فى موقفهم من الشرق الأوسط وربما تسير الأمور كما هى، بل وقد يحدث ما هو أسوأ، خاصة أن أغلب الدول العربية، باستثناء مصر، كانت تضع كل رهاناتها فى صندوق هيلارى، ولم تكن تضع أى نسبة من التوقع لدخول ترامب البيت الأبيض حتى فوجئت بفوزه، فكانت المفاجأة ثقيلة عليها وغالبا سيكون لهذه المفاجأة تأثير كبير على السياسة العربية، وستحدث بعض الارتباك الذى أتمنى ألا يطول، وأن تستعيد هذه الدول وعيها وتعد نفسها للمرحلة المقبلة، وكيف يمكن أن تحقق أى قدر من المصالح العربية، ولو حتى مجرد كسب مزيد من الوقت، وأعتقد أن أى تحرك عربى فى الملف الأمريكى الفترة المقبلة دون تنسيق وبعيدا عن القاهرة أو محاولة الالتفاف من حولها لن تصب فى مصلحة الدول العربية، بل ستزيد التأثيرات السلبية على المنطقة، فهل تدرك الدول العربية هذا الأمر أم ستكابر وتزايد على القاهرة؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة