هل فاز دونالد ترامب فعلاً برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية؟ هذا ما أسفرت عنه أصوات الأمريكيين فى الاقتراع الذى شهدته البلاد فى الثامن من نوفمبر الماضى، وبقدر اتساع الفارق بينه وبين منافسته هيلارى كلينتون، بقدر ما كان الخبر مفاجأة كبيرة وصادمة، لمؤيدى "ترامب" قبل معارضيه، ولكنها لم تكن المفاجأة الوحيدة، فبعد أيام من الانتخابات تردّدت أقاويل ومعلومات عن تدخلات إلكترونية وقرصنة على برنامج التصويت والشبكة التابعة لهيئات الانتخاب الأمريكية، وأشارت أصابع اتهام عديدة لروسيا وأجهزتها الأمنية وقراصنتها، بينما ظل التفسير متراوحًا بين أن يكون الأمر لعبة من الديمقراطيين الذين خسروا الانتخابات، أو أن هناك تلاعبًا شهدته الانتخابات بالفعل، وظلت الأزمة باردة ومعلقة منذ هذا التاريخ.
مؤخّرًا عاد الأمر لتصدر الواجهة، ويبدو أن أزمة القرصنة على الأنظمة الإلكترونية الخاصة بالمؤسسات السياسية الأمريكية على وشك أن تأخذ منعطفا جديدًا، إذ تقترب إدارة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما، من الإعلان عن إجراءات لمعاقبة "موسكو" على اختراقها لمنظومة التصويت، وهى التهمة التى يرفعها "البيت الأبيض"/ الديمقراطى، فى وجه روساي، ويقول إن هذا التلاعب أثر على الانتخابات الرئاسية، فى الوقت الذى طرح فيه خبراء مخضرمون عددًا من الخيارات المتاحة للرد أمام "واشنطن"، والتى تتراوح بين عمليات قرصنة سرية مضادة، أو عمل عسكرى.
واشنطن بوست: العقوبات تشمل الاقتصاد والتوبيخ الدبلوماسى
وفى هذا الإطار، قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إن إدارة الرئيس باراك أوباما تقترب من الإعلان عن سلسلة من الإجراءات لمعاقبة روسيا على تدخلها فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، وتشمل عقوبات اقتصادية وتوبيخًا دبلوماسيًّا، ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين قولهم، إن الإدارة تنتهى خلال الفترة الحالية من التفاصيل الخاصة بالأمر، والإعلان عن الإجراءات، المتوقع أن تشمل عملا سريًّا سيشمل على الأرجح عمليات إلكترونية مضادة، وربما يتم الإعلان عن الرد الأمريكى خلال الأيام القليلة المقبلة.
وتضيف "واشنطن بوست"، إن العقوبات المتوقعة ضد روسيا تأتى بعد أسابيع من النقاش فى "البيت الأبيض" حول كيفية تعديل أمر تنفيذى صادر فى عام 2015، كان هدفه منح الرئيس سلطة الرد على الهجمات الإلكترونية القادمة من الخارج، لكنه لم يكن يغطى الجهود السرية للتأثير على النظام الانتخابى، وقد طرحت إدارة أوباما الأمر التنفيذى وسط ضجة كبرى، كوسيلة لمعاقبة وردع القراصنة الأجانب الذين أضروا بالأمن القومى أو الاقتصادى للولايات المتحدة الأمريكية.
تهديدات أوباما تردع القرصنة الصينية فى 2015
يُذكر أن التهديد باستخدام هذا الأمر خلال العام الماضى، ساعد على انتزاع تعهد من الرئيس الصينى بأن بلاده ستوقف قرصنة أسرار الشركات الأمريكية، سعيًا إلى استفادة نظيرتها الصينية منها، إلا أن المسؤولين وجدوا فى خريف 2016 أن الأمر لا يمكن استخدامه بصياغته المكتوبة للمعاقبة على الاستفزاز الإلكترونى الأكبر فى الذاكرة المعاصرة ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وهو استهداف روسيا لمؤسسات الحزب الديمقراطى، والتدخل فى الانتخابات الرئاسية.
ومع نفاد الوقت أمام باراك أوباما وإدارته التى تغادر السلطة فى العشرين من يناير المقبل، يعمل البيت الأبيض على تكييف الأمر وضبط الآليات القانونية لمعاقبة الروس، بحسب ما أفاد مسؤولون، رفضوا الكشف عن هوياتهم، حول طبيعة المناقشات والمداولات الداخلية، وكان "أوباما" قد تعهد فى وقت سابق من الشهر الجارى، بأن يكون هناك ردّ على تدخل "موسكو" فى الانتخابات الأمريكية، وهو الأمر الذى تنفيه روسيا.
هل يعلن أوباما الأنظمة الانتخابية جزءا من البنية التحتية المهمة للبلاد؟
وفى إطار هذه النقطة، توضح الصحيفة الأمريكية فى تقريرها حول الأزمة، أن من بين الطرق التى يمكن استخدام "الأمر التنفيذى" سابق الذكرى ضد الروس المشتبه بهم، هو إعلان أن الأنظمة الانتخابية جزء من البنية التحتية المهمة للولايات المتحدة الأمريكية، كما أن من الممكن تعديل الأمر ليُطبّق بشكل واضح على التهديد الجديد، وهو التدخل فى الانتخابات.
ورأى محللون أن الإدارة الأمريكية الديمقراطية تعمل على تصعيد الأمر، فى إطار رغبتها فى إلزام الرئيس المنتخب دونالد ترامب باستكمال إجراءات وتدابير واضحة، وعدم ترك ثغرة سهلة للتراجع عن أى إجراء يتم اتخاذه، وفى هذه النقطة قال أحد كبار مسؤولى الإدارة الأمريكية، إن جزءًا من الهدف هو التأكد من أن لدينا أكبر قدر من الجمهور، أو التواصل مع الكونجرس بشكل يصعب التراجع عنه ببساطة.
بلومبرج: أوباما تعهد من قبل برد مدروس.. وربما يشمل هجوما إلكترونيا
من ناحية أخرى، طرحت وكالة "بلومبرج"، باقة الخيارات المتاحة أمام واشنطن للرد على التدخل الروسى، وقالت إنه إلى جانب استخدام "الأمر التنفيذى" الرئاسى، ربما يتم شن هجوم إلكترونى مضاد، وإن "أوباما" سبق أن تعهد بالرد بشكل منهجى وبطريقة مدروسة، بآليات بعضها معلن والآخر ليس كذلك.
وعن الرد العسكرى، تقول الوكالة إن "أوباما" لو انحاز للخيار العسكرى، فإن هذا سيوكل إلى القيادة الأمريكية الإلكترونية، وهى وكالة حديثة نسبيًّا، يترأسها الأدميرال مايكل روجرز، الذى يقود أيضًا وكالة الأمن القومى، ويتطلب هذا الخيار تحديد هدف عسكرى، وتشمل الخيارات الممكنة توجيه ضربة إلكترونية ضد أجهزة الاستخبارات الروسية، أو شن هجوم إلكترونى مقابل فدية ضدها أو التلاعب ببياناتها.
خبراء أمريكيون: يمكن الرد عبر البنتاجون أو "سى آى إيه" واستهداف المخابرات الروسية
وفى سياق متصل، يقول تيد جونسون، القائد العسكرى المتقاعد والخبير فى الشأن الإلكترونى بمؤسسة القرن الأمريكية، إن إحدى الخطوات الرئيسية ستكون تحديد أى جزء فى جهاز الأمن القومى الكبير سيتولى المهمة، فربما تلجأ الإدارة الأمريكية إلى البنتاجون أو الاستخبارات، لصياغة ردود ممكنة على الخرق الروسى، وهو ما يضمن أن تلعب الولايات المتحدة بقواعد الصراع الدولى، ويقلل مخاطر التصعيد.
من جانبه، قال تيرى روبرتس، رئيس شركة "وايت هاوك" للأمن الإلكترونى ونائب مدير الاستخبارات البحرية الأمريكية السابق، إنه لو سعى جهاز "سى آى إيه"، أو وكالة الأمن القومى الأمريكية، لتنفيذ عمل سرى، فيجب أن يتم جمع بيانات بأكبر قدر ممكن عن الكيانات والأفراد المحددين المتورطين فى الهجوم الأمريكى، ويمكن أن يشمل هذا مسح الأقراص الصلبة المتصلة بالاستخبارات الروسية، أو فضح أساليب القرصنة على الإنترنت، ولو كان القراصنة المتورطون يستخدمون عملة "بايتكوين" الإلكترونية، فمن الممكن أن تلغى الولايات المتحدة الأمريكية حساباتهم المالية الإلكترونية، ويمكن أن يحدث هذا دون أن ينسب لجهة ما، ومن ثمّ لا يكون واضحًا أن الولايات المتحدة تقف وراء العمل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة