منذ نحو 40 عاما، انشغلت رضوى عاشور بقضية مهمة جدا لم ينتبه إليها الكثيرون وهى الأدب فى أفريقيا، ولما كان الموضوع متسعا، سعت الكاتبة لقصره فاختصت الرواية واكتفت بمنطقة غرب أفريقيا، وكان هاجسها فى الأمر قناعة عميقة بضرورة الاتصال الثقافى بين بلاد العالم الثالث عموما، والقارة الأفريقية بشكل خاص، ليس فقط لما تواجهه هذه البلاد من مشاكل مشتركة وتطلعات مماثلة، ولكن أيضا لما فى فنونها وآدابها من قيم الثقافة الإنسانية، ثم خرج كل ذلك فى كتاب (التابع ينهض.. الرواية فى غرب أفريقيا).
وفى الذكرى الثانية لرحيلها أعادت دار الشروق للنشر طباعة عدد من الدراسات النقدية التى قدمتها الراحلة رضوى عاشور، ومن ذلك كتاب "التابع ينهض.. الرواية فى غرب أفريقيا" والذى كتبت رضوى عاشور فيه تقول "هذا بحث فى موضوع غير مطروق فى النقد العربى إلا فى أضيق الحدود، فليست هناك أية دراسات تتعرض للرواية الأفريقية عدا دراسات معدودة تتناول هذه الرواية أو تلك بالتلخيص والتحليل، والقضايا التى تطرحها دراسة من هذا النوع ليست بعيدة عن الشواغل اليومية للقارئ العربى والمشاكل التى يواجهها الكتاب الأفريقيون".
وتناولت رضوى عاشور فى الكتاب نشأة الرواية فى غرب أفريقيا كشكل من أشكال التمرد على المضمون الأيديولوجى للاستعمار والدور الذى يختاره الكاتب فى تأكيد ثقافة الوطنية ووصل ما انقطع من تاريخه، كذلك يعرض الكتاب لأحد الجهود الرائدة فى أفرقة الشكل الروائى بالرجوع إلى التراث الشعبى الأفريقى واستلهام حكاياته وأساطيره، وذلك من خلال دراسة لبعض روايات الكاتب النيجيرى "آموس تيوتولا".
كذلك تقوم "رضوى" بتحليل روايات "كامارا لابى" فى ضوء الاتجاه الشائع بين كتَّاب الزنوجة إلى تمجيد الشخصية الأفريقية وماضيها وحاضرها كرد فعل لموقف المستعمر، ويوضح هذا الفصل ما فى هذا الموقف من رومانسية وما يقود إليه من مزالق، كذلك يعرض الكتاب للتيار المناهض لهذا الموقف الرومانسى بتقديم نماذج للرؤية النقدية للواقع الأفريقى، وذلك من خلال دراسة الأسلوب الساخر لروائيين من الكامرون هما (مونجو بيتى) و(فرديناند أيونو).
كذلك لا تغفل طرح قضية العلاقة بين الكاتب الأفريقى وتاريخه الذى تعرض للطمس وللتشويش على يد المستعمر وذلك من خلال تناول روايتين للكاتب النيجيرى "شينو آشيبى"، ومن خلال الرواية البروليتارية الأفريقية التى تمثلها أعمال الكاتب والمخرج السينمائى السينغالى "سمبينى عثمان"وذلك من خلال تحليل لرواية عثمان الملحمية عن إضراب عمال سكة حديد دكار النيجر فى 1947 -1948.
وتهتم الناقدة بتتبع صورة الواقع بعد الاحتلال كما رصدته الرواية فى تلك المنطقة، حيث ذهبت الروايات إلى أن هناك خيبة أمل حدثت بعد استلام طبقة جديدة للسلطة بعد الاستقلال قامت بالسلب والنهب والقمع والتخريب، وكأنها خرجت من "نقرة" فسقطت فى "دحديرة".
أما عن اللغة والهوية فى الروايات والتى تشكل أحد أكبر الهموم الأساسية للعديد من كتب القارة، فالكاتب الذى يريد أن يتوجه لأبناء وطنه وليس لأبناء قبيلته فقط يجد نفسه مضطرا لاستخدام لغة أجنبية، والكتاب يعرض لبعض أراء الكتاب فى هذا الشأن.
6سنوات هى ما احتاجته رضوى عاشور لجمع المادة وإلقاء الضوء على هذه الجهة المجهولة من العالم وأدبها، فى هذه الفترة تواصلت مع عدد من الكتاب منهم شينوا أتشيبى.