مشاهد عديدة أثارت انتباه المصريين على مدى الأسابيع والأشهر الماضية، كان آخرها حكم حبس الكاتب أحمد ناجى بتهمة كتابة مواد تخدش الحياء، ومن قبله حكم حبس إسلام البحيرى بتهمة ازدراء الإسلام، ومن بعده قضية فاطمة ناعوت المتهمة بنفس الاتهام، وبعيدًا عن آراء أى إنسان فيما قاله أو كتبه هؤلاء، فالسؤال هنا يجب أن يكون سؤالا قانونيا إن كنا نريد إعمال العقل وسيادة القانون، والسؤال حول قوانين الحسبة التى تثير ضجة من آن لآخر، وربما كانت قضية نصر حامد أبوزيد من أشهرها، ولكن وفقًا للقوانين المصرية التى تم تعديلها فإن حق تحريك مثل هذه الدعاوى يقتصر على النيابة العامة ولا يترك للمواطنين كأفراد.. إذًا ما الذى يحدث لنا فى مصر ولماذا؟!
أظن أن مجلس النواب المصرى يجب أن يهتم أكثر بضرورة سن قوانين واضحة بلا أى ثغرات ينفذ منها البعض لتحريك هذه الدعاوى التى تخالف نصوص الدستور المصرى وتحديدًا المادة 67، هذا فيما يخص الشق القانونى، أما الشق الأخلاقى فهو الأشد تعقيدًا وإن كنت أتعجب من حماسة بعض المحامين وعدد من المواطنين الذين يهبون لما يرونه نصرة للدين أحيانا أو للأخلاق الحميدة أحيانا أخرى من وجهة نظرهم بالطبع، وأتعجب لماذا لم يهب هؤلاء أو غيرهم، وإن كنت ضد الفكرة من أساسها، ولكن لماذا لا ينتفض هؤلاء لتحريك دعاوى ضد ياسر برهامى مثلا أو الحوينى؟! ألا يرى هؤلاء بنفس المنطق الذى يحركون به دعواهم ضد الكتاب والباحثين، ألا يرون فى آراء هؤلاء المنشورة والمصورة ما يستحق تحريك الدعاوى ضدهم بازدراء الدين المسيحى مثلا أو تكدير السلم العام والوحدة الوطنية؟! آراء تكفير النصارى وتحريم تهنئتهم بأعيادهم الذى تخطى جرم شرب الخمر وفعل المنكرات من وجهة نظر د. برهامي، وآراء الحوينى عن المرأة وتحقيرها، ألا تستحق تحريك دعاوى مشابهة بازدراء المرأة؟! وهذا على سبيل المثال وليس الحصر.
مرة أخرى أؤكد رفضى لمبدأ تحريك هذه الدعاوى من الأصل إعمالاً للعقل والقانون المستمد من مواد الدستور المصرى، ولكن أتعجب من ازدواجية من يدعون الفضيلة ورفع راية الأخلاق.
ثغرات عديدة فى القوانين المصرية يتسرب من خلالها هؤلاء فمتى يتصدى لمثل تلك الثغرات نوابنا ونائباتنا فى البرلمان المصرى الذين لابد لهم من الانتباه لنصرة المواطنين جميعا دون تفرقة.
مصر مازالت فى انتظار مجلس نواب يسن قوانين ويعدل مواد لتفعيل دستور رأى فيه المواطنون مساحة غير مسبوقة للحريات وتحديدًا حرية التعبير هذا طبعا إلى جانب تعديل مواد قانون الإجراءات الجنائية، ولكن هذا موضوع آخر مهم ربما نناقشه فى الأسابيع المقبلة، ولعل تعديل التشريعات وتفعيل الدستور هو المخرج الوحيد من أزماتنا المتتالية ومنها على سبيل المثال وليس الحصر أيضا أزمة تفاقمت فى الأسابيع الأخيرة بعد تكرار حوادث تعدى أفراد الشرطة على المواطنين الذى وصل إلى حد القتل عمدًا فى الدرب الأحمر.
وهنا أتساءل مرة أخرى: متى يكون لدينا قوانين واضحة وبلا ثغرات تعاقب من يتعدى على مواطن أيًّا كان منصبه أو وظيفته؟ متى يتساوى جميع المواطنين المصريين فى الحقوق والواجبات بقوة القانون وليس بكلام الإنشاء؟! متى تسن مواد واضحة لإقامة دولة العدل التى بدونها نحن جميعًا فى انتظار مصير مجهول؟!
والسؤال هنا ليس فقط للبرلمان وإنما لمختلف الأجهزة المسؤولة.. هل تدركون جميعًا خطورة تكرار الأخطاء بل والخطايا التى تمر دون عقاب؟!
وهنا أخص الأجهزة الأمنية تحديدًا، خاصة بعد عشرات الحالات المتكررة لتجاوزات أمناء الشرطة والضباط ضد أطباء ثم محامين وممرضات ومواطنين بسطاء، وكأن هؤلاء يتآمرون على أنفسهم، فهم وقود النار التى يشعلونها بأنفسهم لتحرقهم أولا ثم يمتد لهيبها ليحرقنا جميعا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة