لا أتصور أن هناك ازدراء للأديان أكثر من أن نجعلها سيفاَ على رقاب الناس يرهبهم باسم «الرحمن الرحيم» بدلا من أن يرتبط ذكره (سبحانه وتعالى) باطمئنان القلوب.. لا أتصور أن هناك ما يضر بالدين أكثر من جعله سلطة غاشمة نقتل بها الحرية، ونخرس بها الأصوات والعقول والأفكار، فنجعل الناس يفرون منه بدلا من الفرار إليه، لا أتصور أن يكون التعسف والتسلط والقسوة عنوانا لدين أو طريقا لمساعدة المذنبين أو شعاع نور للتائهين.
فالدين يا سادة لا تحميه السلطة و المحاكم والقضبان، إنما يحميه الفكر والبيان والبرهان، وقوة الدين ليست فى البطش والعنف، بل فى رحمة الخالق التى شملت البشر أجمعين .. فشتان بين ما تفكرون فيه وبين ما تحصلون عليه.. فالعبرة بالخواتيم أى بالنتائج النهائية.. فهل يمكن أن نعتبر أن حبس إسلام البحيرى أو فاطمة ناعوت انتصار للدين ونشر لصحيح العقيدة.. هل التأكيد على (داعشية الدواعش) وإننا مازلنا نروع كل من فكر أو اعترض أو أنكر.
رسالة مناسبة نقدمها للعالم الآن!!. إلى متى يظل الدين الإسلامى ضحية لمن يظنون أنهم يدافعون عنه، وهم فى الحقيقة يشوهون سماحته ورحمته وغفرانه. الدين لم ينزل إلى الأرض لتخويف الناس وترويعهم وحبسهم، بل لمجادلتهم بالتى هى أحسن. فهل فقدنا القدرة على المناقشة والجدال والتفكير وانعدمت الوسائل العقلية وفرضنا الحلول الأمنية والقضائية حتى على الخلافات الفكرية. ما الفرق بيننا الآن وبين الجماعات الإسلامية والجهادية التى نستنكر انتماءها للدين الحنيف. لا فرق بين إرهاب الجسد وترهيب الفكر. نعم لا مراجعة لأحكام القضاء ولكن من أقحم القضاء هنا، ومن سنّ له هذه القوانين الجائرة.
ثم ألا يوجد فى مؤسسات الدولة الدينية من يستطيع أن يرد على البحيرى، أو يناقش ناعوت لنقفل كل أبواب الحقوق والحريات فى وجوه الناس، ونكتفى بأن نبطش ونسجن من يخالفنا فى الأسلوب والأفكار. ثم ندعى بعد ذلك أننا نسعى للعدالة والمساواة والحرية. فإذا عجزت تلك المؤسسات الدينية القدرة عن الرد وإثبات ما تراه حق فهى، وبلا شك تحتاج إلى تطوير وتعديل وإصلاح.
كما تحتاج هذه الدولة إلى قوانين عادلة ناجزة نواجه بها العين بالعين والسن بالسن، فإذا كان الخطأ فى كتاب يتم الرد عنه فى كتاب، وإذا كان الخلاف على ما أذيع بالفضائيات نرد ونناقش هذه القضايا فى الإعلام، يجب أن يجرم القانون المصرى تداول قضايانا الفكرية فى المحاكم، وأن يمنع أى سلطة دينية أو سياسية من استغلال القانون فى تهديد المفكرين والمبدعين والكتاب بشبح الاتهامات والسجون. فهل يعقل أن يخرج المثقفون والكتاب والمبدعون فى حملات ضد التعسف باسم الدين، أو أن يصرح مبدع بحجم وحيد حامد، بأنه يشعر بالهزيمة والبلادة فى هذا الوطن.
كتبت فى هذا المكان عدة مقالات عن نفس الأمر، أهمهم (البحيرى لا يستحق السجن أو البطولة) و (هل تعنى حرية الإبداع انحطاطه!) فأنا شخصيا مختلف تماما مع أسلوب البحيرى، وأفكاره، واستفزتنى العديد من عبارات فاطمة ناعوت وتشبيهاتها، ولكن حق الخلاف والرد مكفول لى ولك وللجميع. فلا أحد منا يمتلك الصواب كله أو الحقيقة بأسرها.
وفى النهاية لا يوجد مجتمع رشيد، وعاقل مازال يسجن الناس على أفكارهم أو يعاقبهم على تشبيهاتهم باسم الدين. يجب أن نصوّب هذه القوانين، وأن نبدلها تماما ليبقى للتفكير احترامه ووقاره، حتى لو اختلفنا معه تماما. فللاختلاف أصول يدركها أصحاب العقول فهل نساوى بين من فكر ومن أجرم. هذا تشويه متعمد لسماحة الدين وتوريط أحمق لعدالة القضاء وصورة ممسوخة لمجتمع لا يفهم ماذا يحدث فيه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة