ضابط هندوسى يجبر فتاة مسلمة على خلع ملابسها أمام أهل قريتها بإقليم كشمير- المتنازع عليه بين الهند وباكستان- لعلاقتها بأحد المطلوبين أمنيًا.
خبر صغير قرأته فى جريدة الأهرام منذ سنوات طويلة قفز إلى ذاكرتى بعد سماع خبر سيدة المنيا.
فى البداية كان الخبر عن حادث حرق خمس منازل نتيجة خلاف بين عائلتين فى إحدى قرى الصعيد، كان حادثًا عاديًا إلى أن جاءت مزيد من التفاصيل عن تجريد سيدة من ملابسها بقرية الكرم بأبوقرقاص محافظة المنيا.
ازداد اهتمامى لأن الست "سعاد" بلدياتى من نفس المحافظة والمركز أيضًا، تذكرت فتاة الهند المسلمة، وتذكرت مشاعرى تجاه الضابط الذى تحول إلى مجرم فى هذا المشهد، واعتبرت وقتها أن ديانته جزء من جريمته، تألمت للفتاة، وما حدث معها على مرأى ومسمع من أهلها، ولم يستطيعوا أن ينقذوها لأن قوات الشرطة التى نفذت الجريمة أحكمت قبضتها على المشهد برجالها المسلحين.
فى الحادثتين، ورغم البعد الزمنى بينهم -خمسة عشر عامًا تقريبا- ورغم اختلاف الثقافة، والديانة لكن اتبع الجناة نفس المنهج فى تنفيذ جريمتهم، فلم تمنع الديانة الهندوسية الضابط مما فعل، ولم تردع سماحة الاسلام أهالى القرية من التعدى على حرمة سيدة.
الإسلام برئ مما فعلوا، ولا أعتقد أن الهندوسية تبيح للضابط الهندى ما فعله.
كل منهما أعطى نفسه حق تجريد من يختلف عنه فى الديانة من إنسانيته، بل وجعلوا من ذلك واجبًا مقدسًا فيجب على الآخر أن يشعر بالدونية، أنه مواطن درجة ثانية، فمن أقنع هؤلاء أن هناك ثمة أى صلة بين تجريد سيدة من ملابسها، ونصرة الدين أو أقل معانى الرجولة، والنخوة؟
غياب العدالة يجعل الجميع يبحثون عن "الحيطة المايلة" التى يستطيعون الاتكاء عليها دون تبرم أو ضيق، فإذا اعتبر ميسور الحال، وصاحب النفوذ أن المواطن البسيط هو حيطته المايلة التى يستطيع أن يتحامل عليها كما يشاء، فإن بعض رجال الدين زرعوا فى رأس المواطن البسيط أن "المسيحى" هو حيطته المايلة، ويحق له الاستناد عليها إلى ما شاء الله.
ذكرتنى كل هذه الأحداث بمريم تلميذة فى الصف الأول الإعدادى بإحدى مدارس منشية ناصر أحد أشهر المناطق العشوائية بالقاهرة، وأكثرها كثافة سكانية، ومساحة جغرافية، كان أهم ما يميز مريم الحيوية، ووجه بشوش يوزع ابتسامات على الجميع، وشعر أسود طويل ينساب بحرية على كتفيها جعلها أكثر تميزا بين كثير من التلميذات المحجبات فى الفصل.
من أول يوم فى الدراسة بدت مريم أكثر الطالبات اندماجًا مع زملاء الدراسة الجدد رغم شعور الاغتراب المسيطر على كثيرين بحكم الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى الإعدادية، ومقابلة زملاء جدد.
حتى الآن تسير الأمور طبيعية إلى أن صدر قرار نقل "مريم" من الفصل بعد أسبوع واحد من الدراسة على خلفية قرار مدير المدرسة بجمع المسيحيات فى فصل واحد ليتمكنوا من حضور حصة الدين معًا فى نفس الوقت عارض بعض الأساتذة القرار خاصة أستاذ اللغة العربية لأنه رأى فى تطبيق القرار ظلم لمريم لأنه يتسبب فى نقلها من "فصل المتفوقات" إلى "فصل المسيحيات" هكذا أصبح اسمه حتى نهاية المرحلة الإعدادية.
وتم تنفيذ القرار، وخرجت "مريم" فى منتصف يوم دراسى من فصلنا، ولم تعد مرة أخرى.
"فصل المسيحيات" كما أطلقنا عليه كان المكان الوحيد الذى تشعر فيه المسيحيات أنهن أغلبية فنسبتهم تتخطى 70% والباقى مسلمات.
كانوا مجموعة من الفتيات أغلبهن يمتلكن وشم صليب صغير على أيديهن، وبعضهن يرتدينه سلسلة فى رقابهن، وآخريات لا يمتلكن هذا ولا ذاك، قائمة الفصل لم تمتلئ بالأسماء التقليدية فاطمة، عائشة، منى أو نادية، وإنما كانت مميزة كحال الفصل، آنجيل، تريزا، ميرى، وزميلتنا مريم، وغيرهن أصبحن بمرور الوقت مدرسة داخل المدرسة أكثر اقتراب من بعضهن، وأكثر ابتعادًا عنا، والعكس صحيح بقدر ما انغلقوا على أنفسهم صرنا نحن أكثر ابتعادًا عنهن حتى أن البعض كان يلوم على أى مسلمة يزداد اقترابها منهن، كان المناخ مهيأ للابتعاد، مهيأ للعزلة، مهيأ لمنع الاختلاط، مهيأ لطرد الألفة من القلوب.
أجيال تربت هكذا على العزل، والفصل بين المسلمين والمسيحيين، لم يرفض المسلمون الفصل، ولم يعترض المسيحيون عليه، وكأنهم قرروا أن يعيش كل منهم فى حاله، وإذا ما تجرأ أحد، وقرر أن يغير من طبيعة العلاقة ربما تحرق بيوت جديدة وتتحول سيدة أخرى إلى ضحية جديدة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة