د.غيضان السيد على يكتب: العقلانية والتنوير وآليات تجديد الخطاب الدينى

الإثنين، 20 يونيو 2016 04:00 م
د.غيضان السيد على يكتب: العقلانية والتنوير وآليات تجديد الخطاب الدينى ورقة وقلم - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
العقلانية والتنوير مصطلحان مترابطان ويُستخدمان فى معظم الوقت وكأنهما مترادفان، رغم أن هناك فارقا بينهما، فشعار التنوير كما يقول الفيلسوف الألمانى ايمانويل كانط هو :" أن تكون جريئا فى استخدام عقلك"، أى ألا تجعل هناك سلطان على عقلك. فى حين أن العقلانية تعنى - فى أبسط مدلولاتها- الاعتماد على العقل واعتباره معيارًا ومرجعية ؛ فالعقل - كما يقول جابر عصفور- هو النور الذى يهتدى به الإنسان، ويصوغ به عالمه متحررًا من أشكال الوصاية التى تحجر على العقل أو تقيد انطلاقه، والتأكيد على اقتران نور العقل بحرية الإنسان وحقه فى اختيار فعله الخلاق وممارسته فى كل مجال من مجالات الفعل: المعرفى والاجتماعى والسياسى والاقتصادى وذلك فى مواجهة اتجاهات أخرى استبدلت بالعقل النقل، وبالحرية العبودية، وبالاختيار الجبر، وبالعدل الظلم...إلخ.

وهنا يمكننا القول بأن العقلانية تتطلب إرادة واعية، والتنوير ليس فى حاجة إلا إلى الحرية، وأفضل الحريات هى تلك التى تسمح بالاستخدام العام لعقل الإنسان فى جميع القضايا. وعلى ذلك يكون أعدى أعداء العقلانية والتنوير هو التبعية الفكرية ووجود الأوصياء على التفكير، والانسياق وراء الوهم والخرافة، والخلط بين ما هو علمى وغير علمى، والبعد عن مواجهة الحقائق وطبيعتها المحايدة، وشيوع التفكير اللاعقلانى، وغياب المنطق، وحضور الخرافة.

والحقيقة أن قدم الأمة العربية والإسلامية قد زلت فى نفق معتم تحت تأثير وطأة التخلف والتبعية والاستلاب الثقافى والخطاب الدينى المتشدد والمتزمت، فكانت النتيجة هو وضعها الراهن المزرى بين الأمم من اقتتال أبنائها وهجرة سكانها وضياع بلدانها وتحول دولها إلى دويلات وجيوشها إلى ميليشيات متناحرة، والغريب أنك تجد المبحث الدينى ماثلا فى الخلفية بشكل بارز، الأمر الذى يجعل من الاهتمام بمبحث الدين وبالفكر والخطاب الدينى أمرا حتميا ولازما من التفكير فيه وتقديم الحلول من خلاله.

فالعقل والدين كلاهما من مصدر واحد خلقهما الله لهداية الإنسان وإرشاده فى دينه ودنياه وكلاهما أثر من آثار الكامل، وأثار الكامل لا يناقض بعضها بعضا فكلاهما حق والحق لا يضاد الحق – كما قال ابن رشد - بل يشهد له ويوافقه. فالإسلام يعتبر العقل مناط إنسانية الإنسان وجوهرها، فإذا عُطل بالجهل والغفلة والعمى مسخت بشرية الإنسان وهبط بذلك إلى مرتبة أدنى من مراتب الحيوان..ومن ثم لابد من التأكيد على دور المبحث الدينى وذلك من خلال طرح رؤى فلاسفة الإسلام ومفكريه الذين أكدوا على التمسك بثوابت الدين من ناحية، وعدم التخلى عن مقررات العقل من ناحية أخرى. فالتناسق قائم بينهما فى الإسلام على نحو فريد - أو كما يقول د. محمود حمدى زقزوق - لا نظير له فى العقائد والمذاهب الفكرية الأخرى. فتعاليم الإسلام تتسع لكل الاجتهادات طالما كانت فى إطار الدائرة الرحبة من صحيح المنقول وصريح المعقول. وليس هناك خوف على الإسلام ومبادئه من أى تيارات فكرية أو عقدية أياً كان مصدرها طالما فهم المسلمون دينهم على نحو سليم بعيداً عن أى أغراض أو نوايا جانبية تريد أن تنحرف به يميناً أو يساراً بما يتعارض مع وسطيته وسماحته. ولذلك لا أخشى على التفكير فى مبحث الدين فى أوقاتنا الراهنة والتى تعانى غياباً نسبيا للعقلانية والتنوير بمعناهما الصحيح. بل إننى أدعو إلى طرح مبحث الدين وبشكل مكثف فى هذه الأثناء بالذات وخاصة ولأن الخطاب الدينى يكاد أن يسقط فى هوة سحيقة، ولا يمكننا أن نتوقع مستقبلاً لأمة فسد خطابها الدينى وتراجع العلم فيها، واختلط الأمر على مثقفيها وتسلل اليأس إلى شعبها.

أما إذا حدث المأمول وتم طرح مبحث الدين بصورة ملائمة لصريح الدين وصحيح العقل ؛ لتوارى مُلاك الحقيقة المطلقة وأصحاب الفكر المتطرف ،ولا نتفض المجددون والمصلحون للدفاع عن ثوابت العقيدة السمحاء، وفتحوا باب الاجتهاد وعكفوا على تجديد الخطاب الفقهى والدينى، وهنا يُبعث الأمل من جديد فى ظل ثقافة رحبة تجمع بين العقل والنقل والدين والعلم والأنا والآخر فى متنفس من الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والإنسانية.

وأختتم الحديث فى هذه النقطة بالقول: إن الثورات من الممكن أن تسقط طاغية أو مستبد، ولكنها لا تستطيع تغيير التفكير، فتغيير التفكير نحو مزيد من العقلانية والتنوير يقع بصورة كبيرة على عاتق المفكرين والمثقفين والفلاسفة ومن قبلهم المؤسسات الفكرية المعنية والمهتمة بصالح الأمة وبدورها الريادى والحضارى بين الأمم.










مشاركة

التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

جمال عواد

كلام نظري مكرر

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة