هناك موجات متلاحقة من القنوات والقنوات المضادة التى تعزف على نفس النغمة ألا وهى التسلية والترفيه والتغييب ثم التغييب والترفيه والتسلية، وليس فى ذلك عيب إطلاقا على التوجهات الثلاث إذا كان القائمون على المؤسسات غير متخصصين أو ليسوا من أبناء المهنة، ولكن العيب أن يكون القائمون من أبناء وأساتذة الإعلام وأعمدة أساسية فى كليات إعلام مصر.
إن المتابعة اليومية لمعظم برامجنا تؤكد أننا قد اخترنا طريقا إما التسلية التى تصل بأن تصبح شيئا من المخدرات التى يأخذها المشاهد كى يغيب عن واقعه المؤلم، أو أن نغرق فى السودوية بالطريقة التى تجعلنا فى النهاية نتاجر بمشاكلنا وليس أن نسعى لعلاجها.
مشاكل مصر يا سادة بحاجة لوعى وليس لتغييب، إننا بحاجة لأن نعرف حجم المشاكل والاختيارات المتاحة أمامنا وأفضل اختيار نتبناه.
إن مشاكل مصر بحاجة لأن يساهم فى علاجها كل مصرى وليس فقط الحكومة بمعناها الواسع من وزراء ومحافظين وأعضاء برلمان.
أين الإعلام من القضايا الكبرى التى تنبنى بها الأمم وتقوم بها الدول؟
أين الإعلام من قضايا مثل الزيادة السكانية التى هى سرطان ينهش فينا بزيادة سنوية تصل إلى 2.6 مليون نسمة بما يعنى أننا قد اخترنا أن نفشل واخترنا أن نعيش فى فقر طويل المدى؟
أين الإعلام من قضية مثل القرارات الغريبة التى تتخذها وزارة التعليم وكأنها مسلطة على رقاب الطلاب وأسرهم وآخر ما يشغل بال القائمين على وزارة التعليم هو نوع ما يصل إلى الطالب فعليا من قيم ومهارات ومعارف؟
أين الإعلام من قضية الخطاب الدينى المتراجع والذى يوغل فى عشق الماضى والارتياح له وكأننا نتباهى بما صنع الأجداد ونتجاهل أننا من الضعف والجهل والمرض بما لا يليق بديننا العظيم؟ بدلا من الخناقات الإعلامية على الهواء مباشرة بين متحدثين فى أمور الدين ينتصرون لآرائهم الشخصية ولا يبالون بما استفاده المشاهد أو بالبلبلة التى يحدثونها فى عقول بسطاء الفكر، يكون من الأولى التركيز على السلوكيات التى تمرسنا عليها ظانين أنها متصالحة مع الدين، والدين منها براء.
أين الإعلام من تربية المواطنين على قيم السلوك المدنى الذى يحترم حقوق الآخرين فى شارع نظيف وبيئة معقولة وكأننا اخترنا أن نجعل الناس تشاهد أفلاما ومسلسلات عن أهل "الكومباوند" المغلق وأن نتعمد تجاهل واقعنا المؤلم؟
أين الإعلام من قضايا الزواج والطلاق والمرأة المعيلة وأطفال الشوارع وقد اخترنا أن نركز على الجميلات من ذوى الملابس الضيقة والشعر الملون وأصحاب اللهجات الغريبة عن لهجتنا المصرية لنغيب عن واقعنا أكثر وأكثر؟
أين الإعلام من تجارب النهضة والتقدم التى مرت بها مجتمعات أخرى سبقتنا ونجحت فى أن تعالج مشاكل نعجز نحن عن علاجها وكأننا اخترنا ألا نلعب الدور الذى لعبه الإعلام فى النمور الأسيوية والأفريقية واللاتينية التى تقدمت وتتقدم ونحن لم نزل نراوح مكاننا؟
لا أريد أن أعدد خطايا الإعلام فى حق شعب يستحق إعلاما أفضل لأنه يستحق مستقبلا أفضل.
أنا ومعى ملايين المصريين فى انتظار الهيئة الوطنية للإعلام وما تتحمله على عاتقها من مسئولية توجيه الإعلام فى خدمة الوطن وليس الوطن فى خدمة الإعلام، الإعلام فى خدمة المصريين وليس المصريون فى خدمة الإعلاميين.
الترفيه مهم، ولكن هناك ترفيها راقيا يرتقى بمتابعيه وهناك ترفيها ساقطا يهوى بمشاهديه.
شعب مصر يستحق إعلاما أكثر اقتحاما للمشاكل وأكثر قدرة على مواجهة التحديات وليس إعلاما يراوح بين الترفيه المفضى إلى التغييب والمتاجرة بالمشاكل بما يفضى إلى إثارة بلا حلول منطقية ترتقى بمصر والمصريين إلى الأمام.
لك الله يا مصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة