د. عباس شومان

التجديد وإصلاح التعليم

الجمعة، 27 يناير 2017 11:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يعد التعليم اللبنة التى تُبنى عليها حضارات الأمم، وتنطلق عجلة تنميتها من مكونه الثقافى الهادى للعقول المحصلة لمفرداته، ولا يمكن لأمة تأخر تعليمها أن تلحق بركب الحضارات، فضلًا عن مزاحمتها لاحتلال موقع فى الصدارة. وإصلاح التعليم ضرورة لا تنفك عن تجديد الفكر الدينى، بل ترتبط به ارتباطًا وثيقًا، فمن محاور التعليم الرئيسة تعليم المبادئ والقيم الدينية ومعرفة أحكام الأصول والفروع والقواعد الضابطة للتفكير والنظر، فهو فيما يتعلق بالجانب الدينى لا يقتصر على مجرد التعلم لما هو معلوم، وإنما يؤسس لتكوين ملكة التفكير والتأمل ليتعامل المتعلم بنفسه بعد اكتمال تكوينه العلمى مع القضايا التى تعرض له بنوع من التدبر، وتكون لديه القدرة على فهم وتعلم ما لم يتعلمه من قبل، فإن رسخ فى العلم وارتقى درجات عالية من الفهم ربما تكونت لديه قدرة الاستنتاج والاستنباط كشيوخه الذين تعلم على أيديهم، بل ربما سبقهم وتفوق عليهم لرجاحة عقله على عقولهم.
 
ومما لا ينكره منصف أن التعليم فى بلادنا يمر بأزمة حقيقية نتيجة تداعيات حقب كثيرة تعرض فيها التعليم لإهمال فى كل عناصر العملية التعليمية سواء المعلم أو المتعلم أو المبنى التعليمى أو محتوى المنهج الدراسى، وهذا الإهمال والخلل واقع فى كل المؤسسات التعليمية دون استثناء، فأحوال المعلمين لا تخفى على أحد، والمتعلمون سيطر عليهم اليأس والإحباط نتيجة رؤية إخوانهم الذين أفنوا نصف أعمارهم للحصول على شهادات جامعية وأحيانا درجات علمية يمتهنون مهنا لا تمت لما تعلموه بصلة، وهى فى معظمها مهن حرفية لا تحتاج إلى دخول مدارس أو جامعات أصلًا. وأحوال المبانى التعليمية ليست أفضل حالًا من أحوال المعلمين والمتعلمين، فكثير منها لا يصلح لمباشرة العملية التعليمية، وبعضها يكاد يسقط على رؤوس الدارسين والمدرسين، أما المناهج التعليمية فهى حديث القاصى والدانى فى الآونة الأخيرة خاصة المناهج الدينية، غاضين الطرف عن أن المناهج غير الدينية تُستورد فى الغالب جاهزة أو تُستمد على أفضل تقدير من مناهج دول تختلف عنا ثقافيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، فضلًا عن أنها ربما تكون جامدة عن التطوير والتحديث، فيضاف إلى عدم ملاءمتها لبيئتنا تخلفها عن مواكبة العصر ومتطلباته فى كثير من جوانبها، بالإضافة إلى أن محاولات الإصلاح تسير فى كثير من الأحيان بطريقة تزيد من مشكلات التعليم ولا تصلحه، حيث غالبًا ما يتولى أمر انتقاد المناهج التعليمية والمطالبة بإصلاحها غير متخصصين، فضلًا عن كونهم غير متجردين، بل إنهم غالبًا ما يكونون أصحاب أهواء وأغراض،حيث يتناولون المناهج تناولًا خاطئًا مغايرًا للحقيقة، ولاسيما المناهج الدينية التى يحمّلونها أكثر مما تحتمل، وهى كغيرها من المناهج تعانى من بعض المشكلات، لكن من الظلم البيّن رد أسباب التطرف والإرهاب والتعصب إليها، بل إن استخدامها كذريعة لتصفية الحسابات والنيل من القائمين عليها لخدمة أغراض معينة هو الخلفية الحقيقية لكثير من حاملى عصا ضرورة تجديدها، وهذا لا ينتج إصلاحًا ولا تطويرًا حقيقيًّا، بل يعطل مسيرة تطويرها لانشغال القائمين عليها بالرد على هؤلاء المنتقدين لبيان زيف ادعاءاتهم، وإذا أردنا تجديدًا حقيقيًّا وإصلاحًا ملموسًا لتعليمنا، فعلينا أولًا وقبل كل شىء الاعتراف بمشكلات تعليمنا، وإخلاص النية قبل المضى فى الإصلاح والتطوير ليكون المنطلق هو الإصلاح بهدف الإصلاح وليس إرضاء للمنتقدين، وحتى تكون منظومة التعليم فى بلادنا على النحو المرجو، فإنه من الضرورى تكوين مجلس قومى للتعليم يشارك فى عضويته خبراء فى مجال التعليم من جميع المؤسسات القائمة على التعليم ومن خارجها، وتكون مهمته رسم السياسة التعليمية العامة، وتحديد الهدف من المخرجات التعليمية، والتنسيق بين المؤسسات القائمة على التعليم بجميع أشكاله ومراحله، مع مراعاة خصوصية كل مؤسسة من هذه المؤسسات، وهذا من شأنه أن يوجد تكاملية تعليمية بين هذه المؤسسات العامة والخاصة، وتكون من مهمات هذا المجلس أيضا اتخاذ الإجراءات التى من شأنها تخلى الجهات غير المؤهلة عن مباشرة العملية التعليمية ضمن أنشطتها، كما تكون من مهمات هذا المجلس محاولة ربط التعليم باحتياجات سوق العمل حتى يتوقف إهدار الأموال التى تنفق على تعليم لا يستفيد منه المتعلم، ويعنى هذا المجلس كذلك بدراسة مشكلات التعليم بطرق علمية تعتمد المسح الميدانى من داخل المؤسسات التعليمية، وتستند إلى الاستبانات الكاشفة التى يشارك فيها المعلمون والطلاب وأولياء الأمور والخبراء فى مجال التعليم، وبعد رصد المشكلات وتحليل هذه الدراسات تُستخلص النتائج وتوضع بين أيدى القائمين على أمر التعليم بالمؤسسات كلها، كل فيما يخصه، ليحولها هؤلاء بدورهم إلى خطط قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى لعلاج المشكلات، وصولًا إلى الهدف المنشود.









مشاركة

التعليقات 5

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

اننتهاء عصر الكتاتيب والمنابر الاسلاميه ....لقد اصبحت المدارس والجامعات والمسارح والسينما والنت

اصبحت المدارس والمدارس الاجنبيه والجامعات والمعاهد ودور السينما والمسارح والنت والسوشيال ميديا منابر جديده ولم يعد الامر مقتصرا كما كان قديما علي الكتاتيب ومشايخ الاسلام...لقد اصبحت المنابر بالمساجد قليله بل تكاد ان تكون لا وجوود لها مقارنه بالمنابر الاخري..ولم يعد يستحوذ الاسلاميون علي منابر الفكر فالفكر الاخر استولي علي الفكر بامتلاك منابر التعليم عبر وزاره التربيه والتعليم و التعليم العالي ووزاره الثقافه ولم يعد للكتاتيب والمشايخ الا دورا محدودا لتعليم اطفالنا الدين ............هكذا تغير الحال ولست ادري الي الافضل ؟؟؟؟؟؟؟لقد تنوعت مصادر العلم فبعد ان سيطر عليها الاسلاميون لعقود وعقود وادلي كل ذي دلو بدلوه تحولت الامور وتغيرت كثيرا فبعد ان قالوا ان العلوم الدنيويه ليست فرضا وانها اذا فرضت علي امرئ رفعت عن الاخرين وانها ليست فرض عين اصبحت اليوم هي الفرض عين وفقا للدستور الذي قرر ان التعليم الزامي في مرحله الابتدائيه وان الدوله تكلفه مجانا وتكفله تماما فتغير الفكر الاسلامي وتم انتزاع المنابر من المشايخ الدينيه الي عالم الدوله المدنيه ...............

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

لم تعد العلوم الدنيويه فرض كفايه كما ذكرت كتب التراث بل اصبحت فرض عين عن طريق الدستور..

ظلت لعقود كتب التراث تقلل من شأن العلوم الدنيويه وتفضل عليها العلوم الدينيه وتعطمها حتي ارتقينا بالدين وفشلنا بالعلوم الاخري وسبقتنا الامم في هذا الشأن...وجاء الدستور ليعلن بان العلوم الدنيويه هي فرض عين وهي الاولي والغي فكره العلوم الدينيه بل لم يضع لها حسابا بالمجموع وفقا لان الدين يخص ولا يعم وانه لا فرق بين مسلم وكافر ومسيحي ويهودي ولا يهم المجتمع التفرقه علي اساس ديني او مجموع درجات دينيه..........ففرض الدستور الزاميه التعليم عكست ما اوردته كتب التراث من ان العلوم الدينيه فرض عين والدنيويه فرض كفايه ...

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

الدستور جعل العلوم الدينيه غير الزاميه ....انما الالزاميه للعلوم الدنيويه ..

الدوله المدنيه تبتعد عن العنصريه الدينيه فلا تفضيل لمسلم علي كافرا او مسيحي او يهودي او بوذي انما الاديان من الخصوصيات...وانما العلوم الطبيعيه او الدنيويه هي علوم الزاميه لانها تخدم البشريه دون تفرقه دينيه او تعصبات دينيه او اي نوع من العنصريه...

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

التعليم

إصلاح التعليم موضوع مهم جدا فضيلة الشيخ

عدد الردود 0

بواسطة:

حمدى عباس ابراهيم

كلامك حلو وصح يا استاذ بس . بس ما الكلام الحلو اتقال كتير وبيتقال . هو احنا عندنا غيره ..

عشان أصدق قولى لن اقول انا ايضا كلام حلو : ليه مانلغيش التعليم فالاصلاح يعنى ان هناك شيئا صحيحا شابه خللا ويجرى الاصلاح لمعالجة الخلل وهذا غير صحيح ! فإصلاح التعليم حتى لو صح فسيكون اشبه بمن يصلح كهفا لا يصلح الا لحياة الآفات والعجموات .. كمن يصلح حانوت لتعاط الخمور . كمن يصلح ملهى للرقص ومضاجعة الغانيات العاهرات .. التعليم لم يصير تعليما حرفيا مهنيا الا مع سنة عب ناصر سنة 54 السنة الاستراقية أقصد الاشتراكية والتى نجح فيها عب ناصر بتعليم الشعب كله تطبيقا لمبدأ الاشتراكية وهذا التعليم قضى قضاء مبرما على الأمية ولو رمزنا للأمية بالرمز صفر فالتعليم فى مصر نجح فى ال 60 سنة الأخيرة ان يخلق وعيا تتفاوت معدلاته تحت الصفر ومن أمثلة ذلك أننى أحضر مقرأة بعد صلاة الفجر تجرى على تجويد قراءة الكتاب وأغلب الحضور وأصغرهم كان طفلا او صبيا ايذاء سونة عب ناسر 56 ذلك العام الذى بدأت تنطلق فيه زعامة عب ناسر الاسطورية مما وطأه لاتخاذ مختلف القرارات السيادية او الاشتراكية التى نعانى الى اليوم وزراتها ومخطئ من يعيب على السادات او مبارك او مرسى او غيرهم بذواتهم وذواتهم تأثرت تاثيرا طبعيا بحكم عب ناسر وبكل ما رسخ من قيم السلب فلولاه ما كان السادات وانتصار 73 يعزى الى كل المصريين قيادة وشعبا والسادات كأحد القادة البارزين له كثير من الفضل وهو مواليد 18 مثل عب ناسر أى انه كان رجلا ناضجا حين قامت سونة 54 حتى أنه خالف سياسات عب ناسر الشخصية فى كثير لكن مستحيل أن ينقلب عليه بعد ما تأصل كزعيم وطنى فى وجدان كل المصريين ومن آن لآخر يرد علينا شابا يكون دائما أضعف الحضور قراءة وكثيرا ما يجهل أبده مبادئ الاعراب او التنوين وأحيانا الاملاء ايضا وأصعق حين أسئله منفردا فأكتشف أنه يحمل مؤهلا عاليا او متوسطا ! لقد أعجبنى كثير حديث مفيد فوزى حين رأى أن عبقرية سعاد حسنى مرجعها الى أميتها فيما داغمت عفويتها وبساطتها وهى من أهم ضرورات الابداع الفنى فالتعليم اول من يحاصر العقل والوجدان بمختلف أسواره لذا نجح محمد على فى احداث نهضة مذيعة فى وقت قياسى برغم أميته هو أيضا لما أنشأ وزارة المعارف لا التعليم وهذا سبب قضاء عب ناسر عليها واستبدالها بالتعليم الذى وطأ له اصدارات زعامته .. واختصارا أقول : التعليم الصحيح لا يجب ان يجرى تقليدا او تأسيا بأى نظم التعليم الخارجى . يجب أن يجرى حفاظا على الأمية وارتقاءها بالمعارف والتزكية والتعليم من شأنه أن يقضى على المعرفية والتزكية ..

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة