سمعنا منذ أيام الخطاب الذى صدر من الرئيس الأميركى دونالد ترامب الذى كان موجها لإيران، وأثبت فيه أنه انقلب على سياسة باراك أوباما السابقة وغير العادلة مع العرب وبعيدة عن المنطق، والمتساهلة مع إيران، وتضمن خطاب ترامب أسلوبا وتكتيكا جديدا مضمونه يقتضى بعدم المصادقة على الاتفاق النووى، وقام بوضع شرط بين مصير هذا الاتفاق وتصرف النظام الإيرانى فيما يخص النفوذ والوجود بالسلاح والمليشيات على الأرض فى المنطقة، مما يعكس بكلمات خطابه نوايا الموقف الأمريكى الجديد المتشدد ضد طهران الذى جاء متأخراً فى توقيته ومن دون أوراق عملية حتى الآن على الأرض لتنفيذ الاستراتيجية الجديدة؟!.
كلام ترامب يمثل مرحلة جديدة تسعى لمراجعة سياسة أوباما وتحيل الملف الاتفاق إلى الكونجرس، حيث لم تفعل ذلك إدارة أوباما التى كانت لا تهتم بزيادة النفوذ الإيرانى فى المنطقة لبنان واليمن والبحرين وتسليم إيران للعراق، كما لم تهتم بتسليم سوريا إلى إيران من جهة ولروسيا وتركيا من جهة أخرى، لأن الاستراتجية الأمريكية أيام أوباما حولت ولثمانى سنوات الفصل بين دور إيران التوسعى فى عدة جهات وبين المحادثات والمفاوضات النووية التى أوصلت إلى الاتفاق فى ٢٠١٥ من دون أن يصاحبها نوع من الاعتدال فى سياساتها الإقليمية من سوريا إلى العراق إلى لبنان والبحرين واليمن.
جاء ترامب ليرفض أولاً المصادقة على الاتفاق النووى، وثانياً ضرورة إدراج الحرس الثورى الإيرانى على لائحة وزارة الخزانة الخاصة بداعمى الإرهاب، هذان البندان هما ورقتا ترامب للضغط على إيران، الورقة الأولى تجعل من الاتفاق النووى الإيرانى «رهينة متقلبة فى يد ترامب»، وقد تمهد إلى تفكيكه فى حال عدم موافقة الأوروبيين على بنود جديدة يصوغها الكونجرس خلال شهرين لتقوية مضمون الاتفاق، والورقة الثانية فيها تهديد ضمنى للحرس الثورى الإيرانى بإدراجه للمرة الأولى بالكامل «كداعم للإرهاب»، وفتح نافذة صغيرة على العقوبات الاقتصادية ضده، فيما قد تكون الخطوة المقبلة إمكان إدراج الحرس كمنظمة أجنبية إرهابية على لائحة الخارجية الأمريكية ما قد يفتح باباً عريضاً من العقوبات الاقتصادية والمصرفية الدولية ضده، وتكون رد الفعل مزيدا من العمليات الإرهابية فى عدد من دول العربية التى تقف أمام إرهاب قطر ومنها مصر السعودية والبحريين والإمارات.
المعارضة الإيرانية من جانبها علقت فى بيان لها على هذا التطور فى الخطاب الأمريكى ضد إيران، وأشارت إلى أن قوات الحرس هى من وضعت أساس التعذيب والقمع فى إيران، ونشر الإرهاب فى أرجاء العالم، وكذلك تأجيج الحروب والاقتتال فى المنطقة، وكذلك لحصول النظام على الأسلحة النووية وزيادة إنتاج الصواريخ البالستية، فلذلك فإن جميع المنتسبين والأجهزة والشركات التابعة لها أو متعاونة معها يجب أن تخضع للعقوبات فورا ودون أى تحفظ، كما أن القسم الأكبر من الاقتصاد الإيرانى يدار من قبل قوات الحرس والمؤسسات التابعة لها، وأن العائدات الناتجة عن العلاقات الاقتصادية مع هذا النظام تذهب مباشرة إلى خزانة قوات الحرس، ويتم إنفاقها فى مجال القمع الداخلى وتصدير الإرهاب والتطرف وتأجيج الحروب فى المنطقة والعالم، ورغم ذلك فإن السياسة الجديدة للإدارة الأمريكية يجب أن تأخذ سبيلها من أجل أن تترجم على أرض الواقع بسلسلة من الإجراءات التنفيذية ومنها قطع أذرع نظام الملالى فى المنطقة وطرد قوات الحرس من العراق وسوريا واليمن ولبنان وأفغانستان، وحظر النظام من إرسال الأسلحة والقوات العسكرية إلى هذه البلدان، ومنع نظام الملالى الخمينى، خاصة قوات الحرس من إمكانية التعامل مع النظام المصرفى العالمى لدورهم فى رعاية الإرهاب العالمى، أيضا تطبيق القرارات السابقة الصادرة عن مجلس الأمن الدولى بشأن ملف التسليح النووى لنظام الملالى، وحظر تخصيب اليورانيوم، إلى جانب التفتيش الحر وبلا قيد وشرط للمراكز العسكرية والمدنية التابعة للنظام.
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة وضع هو الآخر عددا من الاحتمالات والسيناريوهات القادمة: فهل ستكون الخطوة الأخيرة لا تتعدى الخطاب والكلام والتهديدات التى ستتخذها الإدارة الأمريكية لتضيف أعباءً وضغوطًا جديدة على إيران، التى أثارت الأدوار التى تقوم بها على الساحة الإقليمية استياءً دوليًا وإقليميًا واسعًا، لا سيما أنها تسببت فى تصاعد حدة الأزمات الإقليمية المختلفة وتفاقم تهديدات التنظيمات الإرهابية، إذ إن ذلك قد يؤشر إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تعمل فى المرحلة المقبلة على اتخاذ خطوات إجرائية على الأرض لمواجهة تلك التدخلات التى يقوم بها الحرس الثورى فى الأساس، ويستند هذا الاحتمال تحديدًا إلى مؤشرات عديدة، يتمثل أبرزها فى اتجاه الإدارة الأمريكية إلى وضع استراتيجية شاملة لمواجهة الطموحات النووية والإقليمية الإيرانية، فى ظل التحفظات العديدة التى تبديها على الاتفاق النووى الذى ترى أنه لم يسهم فى تعزيز الاستقرار فى الشرق الأوسط، بسبب السياسة المتشددة التى تتبناها إيران، التى عرقلت الجهود المبذولة للوصول إلى تسويات للأزمات الإقليمية المختلفة.
وبعبارة أخرى، يمكن القول إن اتجاهات عديدة داخل إيران باتت ترى أن الانسحاب الأمريكى المحتمل من الاتفاق النووى الذى قد يعقبه فرض عقوبات جديدة على إيران سوف تمتد إلى الحرس الثورى والجهات التابعة له، سيمثل مقدمة للانخراط فى مواجهات مباشرة وغير مباشرة فى بعض دول الأزمات، أو تحديدًا فى المناطق التى ينشط فيها الحرس أو الميليشيات التابعة له التى قام بتكوينها وتدريبها لحماية مصالح إيران فى تلك المناطق، لكن رغم ذلك، فإن هذه التهديدات المستمرة لا تعنى أن إيران فى ذهنها اتخاذ خطوات إجرائية لتفعيلها، خاصة أنها ما زالت حريصة حتى الآن على عدم المجازفة بخيار الدخول فى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية التى قد تفرض عواقب وخيمة عليها فى وقت تواجه أزمات داخلية وإقليمية لا تبدو هينة، فضلاً عن أنها لم تتراجع بعد عن سياسة «الحرب بالوكالة» التى تقوم على تكليف الميليشيات الموالية لها بمهام عابرة للحدود من أجل الدفاع عن مصالحها، على غرار ما يحدث فى دول الأزمات خلال الفترة الحالية، بشكل يزيد من احتمالات تحول تلك الميليشيات إلى متغير مهم سوف يسهم فى تحديد اتجاهات التصعيد المحتملة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية خلال المرحلة المقبلة.
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
الاتفاق النووي ..
عدم المصادقه علي الاتفاق النووي بداية جوله جديده من الشد والجذب بين إيران وامريكا قد تسفر عن صراعات جديده في الشرق الأوسط .....