فى كل مرة يغيب فيها وجه من تلك الوجوه التي أضاءت العصر الذهبي في تاريخ السينما والغناء العربيين، والتي لم تتكرر حتى الآن، ينتابنا الإحساس بأننا نفقد فلذة من ذاكرتنا الفنية، التي شكلت ذائقتنا وفرحتنا ومحبتنا للحياة.. هكذا عبر كتاب العرب عن صدمتهم برحيل الفنانة الكبيرة شادية التى صارت أيقونة لمصر بل والعالم العربى، فلم يشهد التاريخ الفنى نجمة حظيت بحب الجمهور بالإجماع مثل شادية.
صانعة الفرح
اختار الكاتب الإماراتى الدكتور حسن مدن تعبير "صانعة الفرح" عنوانا لمقاله على صفحات الخليج الإماراتية عن الفنانة شادية بمناسبة رحيلها والذى قال فيه إن شادية وجه أضاء تاريخ السينما الغناء العربى، ليس من باب الاستهانة بنجوم اليوم، يظل القول صحيحاً إن هذه الوجوه، التى تغادرنا، وجهاً وراء آخر، هى نسيج ذاتها، وليس من السهل أبداً أن تتكرر، أو نعثر على نظراء لها، ليس فقط لما كانت عليه من تميز وموهبة، وإنما لأن المرحلة التى أفرزتها كانت بيئة خصبة لكى تتفتح فيها تلك المواهب وتبدع وتصنع من حولها الفرح.
الفنانة الكبييرة شادية
واستكمل الكاتب إن المطربة والممثلة القديرة شادية (فاطمة أحمد كمال شاكر) هى وجه رائع آخر يغادرنا، ليشيع رحيلها حالة من الوجوم والأسى، في مصر وفي العالم العربي، لأنها، غناء وتمثيلاً، عنت الكثير لأجيال، طالما أبهجتهم، وزرعت الفرح في نفوسهم، والابتسامة على محياهم، ورغم أن شادية اعتزلت الغناء والتمثيل منذ 31 عاماً، وتوارت عن الأنظار كلية، إلا أن أغانيها وأفلامها ظلت شاهدة على حضورها، الذي سيزداد إشعاعاً بعد رحيلها، ولم يكن موتها مناسبة لتذكرها، لأنها حاضرة في البيوت كل يوم، بما تبثه الشاشات من أغانٍ وأفلام لها، ما زالت تفعل الفعل نفسه في النفوس، لا عند من عاصروا تلك المرحلة وحدهم، وإنما لدى أجيال اليوم أيضاً.
أغانى تركت بصمة
يؤكد الكاتب ليس أحد من بوسعه أن ينسى أغاني مثل: «قولو لعين الشمس ماتحماشي»، «خلاص مسافر»، «رنة خلخالى»، «شباكنا ستايره حرير»، «غاب القمر يابن عمى»، «آه يا اسمرانى اللون»، «عنب بلدنا»، «الدرس انتهي لمو الكراريس»، «قالى الوادع»، ناهيك عن أغانيها الوطنية فى حب مصر، وأشهرها وأجملها، على الإطلاق، أغنية «ياحبيبتى يامصر»، من كلمات محمد حمزة، وألحان المبدع بليغ حمدى، وغيرها من الأغانى التى لن تغيب عن وجداننا أبداً، وستظل تعيدنا إلى ألق زمنها، لكنها ستعيش فى المستقبل أيضاً.
معبودة الجماهير
وليست الأغاني وحدها ما سيبقى شادية حاضرة أيضاً، إنما الأفلام التى مثلت فيها، فاستحقت أن تكون، وبجدارة، فنانة شاملة، ميّزها عن الكثيرات من مجايلاتها خفة الدم وجمال الروح ورشاقة الحضور، ما جعلها توصف ب«دلوعة الشاشة»، التى أسرت قلوب المشاهدين والمستمعين.
في الخمسين من عمرها فقط، قررت اعتزال الفن. كان ذلك خبراً صادماً في حينه لجمهورها ومحبيها. قيل إن لاكتشافها إصابتها بالسرطان أثراً كبيراً في دفعها نحو هذا القرار، فآثرت الابتعاد عن الأضواء، ولكن ينسب إليها قولها، يومذاك: "لا أحب أن أقوم بدور الأمهات العجائز فى الأفلام فى المستقبل بعد أن تعوّد الناس أن يرونى فى دور البطلة الشابة، أريد أن يظل الناس محتفظين بأجمل صورة لى عندهم ولهذا لن أنتظر حتى تعتزلنى الأضواء".
نجمة الشاشة العربية
ميراث يتقاسمه العرب
بينما أشار كتاب صحيفة عكاظ السعودية إلى أن شادية رحلت تاركة ميراثا ضخما للعرب أجمع وليس مصر فقط، ورغم انها صدمت الجماهير باعتزالها فى منتصف الثمانينيات بعد أن قدمت فيلم "لا تسألنى من أنا" الذى كان آخر عمل تقدمه لظروف خاصة لم تتكشف تفاصيلها، وكان لقاؤها مع الشيخ محمد الشعراوى بأحد فنادق مكة اعتبرته وسائل الإعلام أحد الأسباب التى قادتها إلى الاعتزال، وبحسب مقربين قالت له "ربنا يغفر لنا" فرد الشعراوى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك، إن الله تواب رحيم"، وأشارت عكاظ إلى أهم تصريحاتها قبل الاعتزال "لا أريد ان أنتظر حتى تهجرنى الأضواء".
دلوعة الشاشة العربية
بينما رصدت الشرق الأوسط ذكريات الفنانة شادية تحت عنوان "دلوعة الشاشة.. وفاء إنسانى وقلب طيب"، مؤكدة أنها تمتعت بقلب ذهبى وواء إنسانى كبير، وأشارت إلى أن الفنانة الكبيرة زاملت عدداً كبيراً من الفنانين الكبار خلال مشوارها الفنى الطويل، ويحتفظ الكثير منهم بعدد من المواقف الطريفة والإنسانية التي لا تنسى معها؛ إذ وصفوها بالراقية والطيبة.
ويقول الفنان المخضرم حسن يوسف، الذى شارك «الدلوعة» بطولة فيلمها الشهير «التلميذة» عام 1961: «الفنانة الراحلة كانت إنسانة راقية فناً وخلقاً، وكل جمهورها يحبها، وهى كانت تحب كل زملائها، وقد كانت أيضاً فى الاستوديو، تحب كل العاملين معها، ابتداءً من أصغر عامل حتى أكبر شخص في الاستوديو، فكنا نطلق عليها (الدلوعة) نظراً لخفة دمها، فقد كانت فنانة جميلة فعلاً".
وعن ذكرياته الفنية معها قال يوسف: «تركت أثراً طيباً فى نفوس كل من عمل معها، ورغم اعتزالها الفن منذ سنوات طويلة، فإنها كانت تتواصل مع أسرتى، وتقوم بالاتصال بزوجتى شمس البارودى، للاطمئنان علينا، وكانت زوجتى تبادلها الاتصالات كذلك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة