اليابان تختبر أول حافلة ذاتية القيادة، حافلاتنا هنا أيضًا ذاتية القيادة إذ إننا ما زلنا نقاوم المخدرات بين سائقى سيارات النقل والأتوبيسات العامة وحافلات المدارس، ومازلنا نتحرك فى الشبورة بطريقة ذاتية بلا رعاية مرورية منظمة، وبلا إجراءات تأمين، ونسينا على نحو ذاتى، رغم أنف القانون، أحزمة الأمان فى السيارات الملاكى داخل المدن، والميكروباصات تنسى ذاتيًا إشارات المرور، والموتوسيكلات تتجاهل على نحو ذاتى خوذات الأمان المنصوص عليها فى التشريع.
الذات المرورية فى مصر تقودنا للقبح والانحراف، بينما الذات المرورية فى اليابان تساعدهم على اختبار أول حافلة ذاتية القيادة، فهذه الحافلة لن تتردد فى عبور الطريق عند الإشارة الخضراء، والوقوف فورًا عند اللون الأحمر، ولن يخطر أبدا على عقل هذه الحافلة أن الناس والسيارات والأتوبيسات يتكومون جميعا فى مشهد مظلم، من التوحد على قلب رجل «غشيم» ضد القانون وضد النظام وضد أنفسهم.
النظام واحترام القانون هو الذى يقود الأمم إلى التقدم والرقى، النظام وحده هو الذى يساعد على الإبداع والابتكار والنمو والسعادة، أما المجتمعات التى تكره النظافة والنظام والالتزام والقانون فلا أمل لها اليوم أو غدًا، هذه مشكلتنا نحن، العيب ليس فى التشريع، لأن تشريعاتنا لا تختلف فى رسالتها عن تشريعات اليابان، والعيب ليس فى الشرطة، لأن الضباط يطاردون المخالفات ما استطاعوا، ويصفحون عن بعض المخالفات قهرًا أحيانا أو بالأهواء أحيانا أخرى، فى مجتمع يعتبر أن فرض النظام بقوة القانون ظلم واستبداد، وأن الرحمة هى فى التسامح مع «ركن العربيات صف ثانى» ومع السائق المتهور، لأن «عنده عيال» ومع السائق بلا رخصة، لأنه أصغر من 18 سنة «معلش معندكش عيال؟!» المجتمع نفسه يتسامح مع القبح، كأن الجمال يؤذينا، الجمال عبء، النظام قهر، القانون حمل ثقيل، والفوضى فى المجتمع عنوان التسامح والتعايش.
اليابان تختبر الحافلة، لأن المجتمع سيسمح للحافلة أن تسير فى الشوارع ذاتيا، لكننا لن نعتبر حافلة مماثلة، لأن النظام يؤذينا والجمال يؤذينا والقانون يؤذينا، الحمد لله أن اليابان ستنتج سلعة لن نكون قادرين على استيرادها.. ليس من قلة ذات اليد، بل من قلة «ذات» العقل.