أول من صنع الجرانيته فى مصر وأول من حصل على ترخيص لممارسة نشاط تجارى فى منطقة جليم الراقية وواحد من أقدم 10 محلات فى الإسكندرية، هنا جرانيته مهدى التى تحكى عن تاريخ كبير، بدأت من كشك خشبى حتى انتهى به المطاف فى مقره الحالى فى أول شارع مصطفى فهمى فى جليم من اتجاه البحر، مرورا بعشرات النجوم الذين رسمت هذا المكان الصغير جزء رئيسى من رحلتهم إلى عروس البحر الأبيض المتوسط.
أول خطوة لمحل مهدى العتيق، ستتسلل إليك رائحة ذكريات الزمن الجميل، إلى يسار المدخل يستقر حائط الذكريات، الذى يتسابق عشاق المكان من صغرهم إلى كتابة كلمات بسيطة تعبر عن حبهم وعشقهم للمكان وللإسكندرية، هنا كان يقف الملك فاروق وجمال عبد الناصر وحتى السادات، وهنا استمتع فريد الأطرش وعماد حمدى وشادية بأجمل جرانيتا فى بر مصر.
المحل فى بداية افتتاحه
خلف صفوف الجرانيته الملونة والمرصوصة بعناية كبوكيه ورود أنيق يستقر عم محمود على مهدى، الحفيد الأكبر لمؤسس المحل، يستقبلك بابتسامة ويحكى بفخر أن جده كان يعمل مع خواجة إيطالى فى أحد أقدم محلات الآيس كريم بمنطقة بحرى، وبعد فترة من العمل طلب منه أن يستقل بذاته وبالفعل أخذ من الخواجة الآيس كريم وبدأ يبيعه لحسابه الخاص بعيدا عن المحل ثم يعود ليحاسب الخواج ويحتفظ بالمكس، بعدها أحضر عدة عمل خاص به حتى استقل تماما.
مهدى الجد وأبناؤه على وإيمان
وعن فكرة اسم الجرانيته، قال مهدى، جدى أراد أن يبتكر شيئا جديدا يميزه عن غيره، ففكر فى صناعة آيس كريم ليمون لكن كان هناك مشكلة فى مكوناته حتى قرر عمل الليمون وإضافة السكر فقط، وبدأ فى ترويجها وأطلق عليها عدة مسميات تقليدية مثل جيلاتى ودندرمة، حتى شاهده اليونانى جليمو نوبولو، الذى كان يشغل منصب عضوية ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻟﺒﻠﺪى ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ الإسكندرية، وكانت والده يونانى وأمه إيطالية، وقال له أنها تسمى جرانيتا ومعروفة جدا فى إيطاليا وكان يتناولها عند ذهابه لوالدته.
مهدى الجد
وأضاف مهدى، استقر جدى فى كشك خشبى صغير بمنطقة الرمل وهى المنطقة التى تم تقسيمها إلى أحياء بعد ذلك، وكان بالقرب من الفندق الذى يقيم فيه الملك فاروق وهو عبارة عن 5 طوابق وكان يعُد من أعلى مبانى الإسكندرية فى ذلك الوقت، كان الملك فى الاستراحة وشاهده من بلكونة الفندق وحوله الكثير من الناس، فنزل ليستطلع الأمر، خاصة وأن هذه المنطقة كان ممنوع فيها ممارسة أى أنشطة تجارية، لأنها تحتوى على العديد من القصور ومنازل الأسرة العلوية، فاشترى منه وأعطاه جنيها واحد وكان مبلغا ذو قيمة فى ذلك الوقت، وركب سيارته البيضاء التى قادها بنفسه، ولم يدرك جدى أن من اشترى منه هو الملك نفسه إلا عندما رأى الناس يصفقون له ويحيونه بحرارة شديدة، ولم يكن يعرفه حيث أنه لا يستطيع القراءة ولا الكتابة وكانت وسائل التواصل غير متاحة فى هذا الوقت عام 1938 وهى نفس فترة بداية حكمه، وعندما عرف بهويته صدم صدمة شديدة .
وتابع مهدى، بعد فترة من الوقت وتوسعة نشاطه وإذاعة صيته وسط الأسرة المالكة، وطلبت زوجة كبير الياوران للملك السابق فؤاد آنذاك يبحث عن مكان ثابت بديلا عن الكشك الخشبى ، فقال لها أن الأنشطة التجارية ممنوعة فى هذه المنطقة، فقالت له واللى يساعدك، قال لها: "أخد المحل من بكرة" وبالفعل بعدها بفترة طويلة ساعدته فى الحصول على محل من 3 جراجات للسيارات فى الفيلا الخاصة بهم التى تقع على محطة ترام جليم، وبعلاقة كبير الياوران بالأسرة المالكة تم ترخيص المحل ليكون أول ترخيص لممارسة الأنشطة التجارية فى هذه المنطقة الراقية ويكون فاتحة خير ومصدر رزق لآخرين من بعده، لكن طموحه كان أكبر من ذلك وكان يريد الحصول على محل على البحر، وبالفعل بحث عن مكان يكون قريبا من البحر حتى نجح فى الحصول على المحل الحالى وكان فى عقار تمتلكه سيدة إيطالية تدعى مارى واستنباطى فى عام 1948.
وأضاف الحفيد، بدأت حركة البيع فى الزيادة وقرر جدى التوسع وإنشاء فروع جديدة أخرى بالأماكن والمنتجعات السياحية المشهورة فى الإسكندرية ومصر بأكملها فى ذلك الوقت، مثل شاطئ المعمورة مع بدايات ازدهار المعمورة كأول منتجع سياحى فى مصر على شاطئ البحر الأبيض المتوسط فى مصر وذلك بداية من 1970 تقريبا، وبالفعل أنشأ فرعه الجديد أمام المعمورة بالاس، وبدأت شهرته تسمع فى كل مكان حتى صار أكبر تجمع شباب فى المنتجع الجديد وانتشار كبير أيضا للجرانيتا، ثم بعد ذلك يصبح مكانا مفضلا لبعض الفنانين والمشاهير منهم الفنان عزت أبو عوف و"فرقة 4m" والفنانتان الشقيقتان دينا وإيناس عبد الله، نوال أبو الفتوح وعمر خورشيد، وأيضا النجمة نجلاء فتحى التى كانت كثيرة التردد على محل المهدى، بالإضافة إلى عائلة الرئيس الراحل أنور السادات وعدد من حركة الضباط الأحرار ومن مجلس قيادة الثورة ونجوم المجتمع، ليقرر بعدها المهدى إنشاء فرعين آخرين فى المعمورة، ليزداد شهرة وتوسع المهدى حتى توفى يوم 11 ديسمبر 1986، ليبدأ بعدها انشغال الجميع بالفرع الأصلى فى جليم وانتهت ببيع محلات المعمورة عام 1996.
وروى محمود الحفيد، زيارة الرئيس الراحل أنور السادات، لمحل جده، قائلا: "فى أحد الأيام كنت أجلس على قدم جدى وفوجئنا بنزول السادات من سياراته الفولكس بيتلز ذات اللون اللبنى وكان رقما 555 أو 5555 على ما أتذكر، وحدثت ضجة وحركة غير طبيعية لكن لم أكن أدرى من هذا أو ماذا يحدث، وبعد مقابلته طلب من جدى الجرانيته ودفع حسابه كاملا كأى مواطن عادى ثم ذهب متجها باتجاه "، ويضيف محمود، مازالت السيدة جيهان السادات زوجة الرئيس الراحل ترسل بشراء الجرانيته وكانت أخر مرة منذ حوالى 4 أعوام.
ويوضح مهدى، فيلم آيس كريم فى جليم للهضبة عمرو دياب لم يتم تصويره فى هذا المكان، لكن فريق عمل الفيلم قام بتصميم ماكيت يشبه نفس المكان ليكون قريبا من شاطئ ستانلى الذى تم تصوير فيه نهاية الفيلم، أخذوا نفس الديكورات حتى صورة فريد الأطرش التى مازالت موجودة حتى وقتنا هذا فى خلفية المحل، وقاموا بعمل مكياج لأحد الأشخاص ليكون قريب الشبه من جدى، وكانت هى رؤية المخرج على ما أعتقد.
وتابع مهدى، كان أيضا من أشهر زبائن المحل عدد من نجوم الفن منهم المطرب فريد الأطرش والفنان عماد حمدى وزوجته فى ذلك الوقت الفنانة القديرة شادية، وقاما بإهدائنا صورا لهما، ومن الفنانين الحاليين الفنان أحمد السقا والفنان ماجد المصرى الذى كانت تربطه الصداقة مع والدى وزوجته، وأيضا كان الكابتن حمادة إمام تربطه علاقة صداقة بوالدى وأيضا المعلم حسن شحاتة، وصديق والدى الكابتن الكبير وبطل مصر فى السباحة عبد اللطيف أبو هيف الذى كان يأتى ويجلس مع والدى على "الدكة الخشب" التى كانت موجودة أمام المحل ولم يعرف بوفاة والدى لكنه توفى بعده بأشهر قليلة.
عماد حمدى
فريد الأطرش
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة