تغير واضح شهده خطاب وسائل الإعلام الأمريكية تجاه الحكومة المصرية خلال الأشهر الماضية، تقف خلفه العديد من العوامل المدفوعة بالأداء الذى يحظى بإشادة عالمية، والذى تبليه الحكومة المصرية على صعيد ملف الإصلاحات الاقتصادية.
ومنذ فوز الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى الانتخابات الأخيرة، بدأت غالبية الصحف الأمريكية والشبكات الإخبارية تبنى موقف مغاير من القاهرة، بعدما اتبعت الإدارة الجديدة للبيت الأبيض خطاباً مختلفاً عن نهج المؤامرات والهجوم غير المبرر الذى تبنته إدارة أوباما.
فمنذ الإطاحة بالإخوان المسلمين من حكم مصر فى 30 يونيو 2013 بعد ثورة شعبية، كانت الكثير من وسائل الإعلام الأمريكية تترقب الوضع فى مصر تارة وتهاجم الحكومة المصرية مرة أخرى، لاسيما فى ظل موقف الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة باراك أوباما، والتى طالما عملت على التقارب مع الإخوان المسلمين ودعمهم.
لكن المتابع لوسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية خلال الفترة الماضية يلاحظ موقفا مغايرا للانتقاد والهجوم الدائم الذى اعتادت عليه تجاه الحكومة المصرية وإدارة الرئيس عبد الفتاح السيسى، بل دعت إلى دعم مصر بكل السبل لتحقيق التقدم فى المنطقة، ويمكن إرجاع هذا التغير فى الموقف إلى عدة عوامل ليس أقلها دور مصر فى منطقة مضطربة تموج بالعنف والإرهاب، فى الوقت الذى يعرف فيه الأمريكيون مدى فعالية الدور المصرى فى أزمات المنطقة.
وقبل أقل من شهر نشرت مجلة فورين بوليسى، إحدى أبرز المجلات السياسية الأمريكية المقربة من صناع القرار، تقريرا تسدى فيه عددا من النصائح للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بشأن صياغة سياسة تعمل على دفع العلاقة مع مصر والشرق الأوسط فى اتجاه مثمر. وشددت على أن مصالح مصر تتشابك مع المصالح الأمريكية بشكل قوى، لذا ينبغى على واشنطن أن تفعل كل ما فى وسعها لمساعدة شركائها المصريين لأن استقرارهم ونجاحهم سيكون ضروريا لتقدم المنطقة بأسرها.
وتحدثت عن أهمية دعم واشنطن لمصر كشريك هام لها فى المنطقة، حيث هناك بالفعل شراكة إيجابية على صعيد الأمن وتبادل المعلومات الاستخباراتية، فضلا عن المنافع التجارية لكلا الجانبين. لذا ترى فورين بوليسى إمكانية تحسين هذه العلاقات من خلال تشجيع مستويات أعلى من الاتصال العسكرى. ودعت إلى قيام وزير الدفاع الأمريكى، جيمس ماتيس، بزيارة لكل من القاهرة وتل أبيب للتأكيد على أهمية العلاقات ودعمها بمستويات معقولة من التمويل والتكنولوجيا العسكرية. وأضافت أنه يجب أن يكون هناك حذر بشأن بعض المقترحات المثيرة للجدل مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو الأمر الذى لن يوافق عليه المصريون.
وبرز فى التقرير عبارة تتعلق بحقوق الإنسان، فبينما كالت الصحافة الأمريكية الكثير من الاتهامات للحكومة المصرية فى هذا الصدد، إلا أنها اشارت لأول مرة إلى رغبة مصر فى السعى نحو تحسين وضع حقوق الإنسان. وأوضحت أنه خلال سلسلة من المناقشات بين خبراء الدفاع الأمريكيين والحكومة المصرية مؤخرا، برزت عناصر رئيسية بشأن تفكير القاهرة. فأولا ترى مصر نفسها عامل إستقرار وأمن الشرق الأوسط، كما تضع الحكومة المصرية مبدأ "الأمن قبل الكمال"، وهو ما يعنى أنها ستسعى لتحسين وضع حقوق الإنسان ولكن الأولوية هى ضمان سلامة الشارع وتنقية البلاد من الإرهاب. وهو مبدأ يتفق عليه الرئيس الأمريكى مع مصر الذى أشار مرارا خلال حملته الانتخابية إلى أولوية مكافحة الإرهاب ولاسيما تنظيم داعش.
وأشارت فورين بوليسى إلى إنه يمكن دعم مصر من خلال تشجيع النمو الاقتصادى لديها، فالشراكة بين الحكومتين المصرية والأمريكية يساعد مصر فى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وفى هذا الصدد وصفت المجلة حديث ترامب المبكر مع الرئيس السيسى فى الأيام الأولى من رئاسته بالخطوة الذكية، مضيفة أن واشنطن يمكنها تقديم الدعم الدبلوماسى لمصر فى الهيئات الاقتصادية الدولية بما فى ذلك البنك الدولى وصندوق النقد الدولى والمحافل التابعة للأمم المتحدة.
وحثت المجلة أيضا الإدارة الأمريكية على العمل مع الشركاء المصريين لضمان أمن قناة السويس وهو ما يتطلب مستويات أفضل من التبادل الاستخباراتى وتطوير التكنولوجيا الجديدة للمراقبة وتمارين مكافحة الإرهاب والتبادلات المكررة للمعلومات البحرية والصناعية. بالإضافة إلى تشجيع الشراكات الإقليمية لمصر بعيدا عن تلك التقليدية، مثل الشراكة مع اليونان وقبرص، مشيرة إلى أن الناتو لديه برنامج قوى للتعاون الإقليمى فى منطقة البحر المتوسط للدول غير الأعضاء فى الحلف، وهو "الحوار المتوسطى".
ولم يمض شهر حتى نشرت المجلة نفسها، الأربعاء الماضى، تقريرا يضع 5 أسباب تؤكد أهمية العلاقات بين واشنطن والقاهرة على صعيد الملفات الهامة فى المنطقة، وفى مقدمتها الشراكة فى السلام والقدرة التى أثبتتها مصر على احتواء الاضطرابات التى مرت بها خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى التحسن على صعيد الاقتصاد وقدرتها على إعادة بناء نفسها لتحفيز النمو الاقتصادى وإطلاق شرارة الإبداع التكنولوجى وجذب الاستثمارات الدولية.
هذا الموقف المتغير لم ينحصر على هذه المجلة البارزة، لكن وكالة الأسوشيتدبرس، وهى أكبر وكالة أنباء أمريكية وأحد اكبر الوكالات العالمية، أشادت فى يناير الماضى بأداء الرئيس عبد الفتاح السيسى داخليا، مشيرة إلى أنه يتمتع بدعم شعبى كبير، رغم صعوبة ما يواجهه المصريون فى إطار برنامج الإصلاح الاقتصادى. وقالت إنه قام بتنفيذ عدد من مشروعات البنية التحتية العملاقة وينظر إليه الشعب على أنه منقذ البلاد من الإسلاميين، فضلا عن أنه القوة الوحيدة التى يمكن أن تحقق الاستقرار. حتى أنها توقعت أن يحظى الرئيس السيسى بدعم مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام إذا قرر الترشح لفترة رئاسية ثانية.
وهذه الشعبية نفسها هى التى لفتت انتباه صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، عقب وقوع هجوم الكاتدرائية فى ديسمبر الماضى، حيث أشارت الصحيفة، التى طالما هاجمت الرئيس السيسى وحكومته، إلى فشل الدعوة للتظاهر فى 11 نوفمبر فى جذب الحشود، ومن ثم فإن الهجمات المتزايدة ربما كانت محاولة لإثارة المعارضة عن طريق العنف.