انطلق القطار من مدينة فرانكفورت متجها بأقصى سرعته إلى العاصمة الألمانية برلين، الغابات الخضراء وزراعات القمح التى تمتد إلى الأفق تلف المكان وأنستنى الغضب جراء عدم اللحاق بطائرة القاهرة برلين مباشرة، مما اضطرنى للسفر من القاهرة إلى فرانكفورت جوا ومنها بالقطار إلى برلين، وعلى مسافات متقاربة نوعا ما تجمعات صناعية ومنازل بسيطة تقريبا تقع بالقرب من سفوح التلال معرضة للسيول، إلا أنه يمكن حملها بسهولة ونقلها من مكان إلى آخر دون أن يقلل ذلك مما تحتويه من إمكانيات.
هكذا تمتد المسافة بين فرانكفورت التى يجرى فيها نهر الراين حتى برلين على مدار نحو 4 ساعات، كانت الثروات الطبيعة تمتد وهناك أياد تمتد لها لدعمها واستخدامها فى الصناعات المحلية.
لم يقطع استغراقى فى متابعة المشهد من زجاج نافذة القطار إلا صوت الفتاة الألمانية الجميلة التى تطلب الاطلاع على التذكرة فى ثوان، ثم تواصل عملها قائلة "دانكيه اينين" يعنى شكرا لحضرتك.
وإذا كانت ألمانيا بما تملكه من ثروات وصناعة لجأت إلى انشاء مصانع لها فى الخارج فى دول مجاورة فلماذا لم نسع إلى جذب الدول الصناعية الكبرى لمصر التى تعتبر بوابة قارة أفريقيا؟
الإجابة إنه لابد أولا من معرفة أسباب قيام المانيا بإنشاء مصانع لها فى دول مجاورة مثل بولندا والتشيك وغيرها ..
ألمانيا ركزت على إنشاء المصانع فى الدول الأقل منها دخلا بهدف ضمان توفير عمالة رخيصة مقارنة بالعمالة فى ألمانيا، ويحصل العامل فى بولندا أو فى التشيك أو استونيا على دخل أقل 4 مرات من نظيره فى ألمانيا رغم قيامه بنفس العمل.
ساعد على ذلك ان دولة مثل بولندا ما تزال تتعامل بعملتها المحلية ولا تتعامل باليورو إلا على نطاق ضيق للغاية ، حاولت ان اشترى من احد المولات فى بولندا فرفض الحصول على اليورو وطلب منى تغييره من " الكانتور" اى من الصرافة بالعملة المحلية" الزالوتى" .. وفعلت حتى اشترى ما احتاجه.
المانيا دعمت هذا الاتجاه بما يضمن لها توفير أيدى عاملة رخيصة وخامات رخيصة ،مما يقل من تكلفة المنتج النهائى للصناعة ،وبالتالى تزداد قدرتها التنافسية بشكل كبير فى العالم.
بعد قرار تعويم الجنيه العامل المصرى أصبح لا يزيد دخله الشهرى عن 120 يورو وبالتالى فإن شهرية العامل تساوى عمل يوم أو يومين فى ألمانيا نفسها، وفى الدول الصناعية الكبرى ، مما يفتح المجال واسعا لاستيعاب مصانع تلك الدول فى مصر.
ولكى يتحقق ذلك لابد من اتصالات على أعلى مستوى مع كبريات الشركات العالمية ومنحها الاراضى بالمجان او بحق الانتفاع لمدة 99 عاما بهدف نقل التكنولوجيا لمصر وبناء مصانع توفر مئات الآلاف من فرص العمل مما يقضى على البطالة أولا يوفر العملة الصعبة ثانيا ويمنح مصر افضلية مستقبلا.
إننا ما زلنا مصرين على مخاطبة انفسنا دون التواصل بشكل فعال مع الشركات العالمية ودون تقديم اغراءات لها تجعل من مصر قبلة للصناعة، خاصة أنها تملك الموقع الافضل فى العالم بخلاف المناخ الملائم غير المتاح فى مختلف الدول علاوة على واحد من أهم شرايين الملاحة فى العالم قناة السويس، فمتى نتحرك لإدراك ما فاتنا؟.. قطع تساؤلاتى صوت قائد القطار يعلن عن الوصول إلى محطة برلين حيث ينتظرنى عمدة المصريين فى ألمانيا الصديق علاء ثابت رئيس الجالية للمشاركة فى أحد المؤتمرات.