تكنولوجيا النانو هى تقنية المواد المتناهية فى الصغر أو التكنولوجيا المجهرية الدقيقة للجزيئات والمركبات التى لا يتجاوز قياسها الـ100 نانو متر، فالنانو هو أدق وحدة قياس مترية معروفة حتى الآن، ويبلغ طوله واحد من بليون من المتر، وجزء من الألف من الميكرومترو هو جزء من المليون من المتر.
من نعم الله على البشر وجود الأهداب فى أجسامهم. ننظر للأهداب التنفسية كأجهزة بيولوجية متناهية الصغر أشبه بأجهزة النانو التكنولوجية، لديها نسبة مساحة سطحية عالية مقارنة بنسبة الحجم، تقوم بمهام متعددة بكفاءة بالرغم من حجمها المتنامى فى الصغر الذى يعتبر أصغر بكثير من الخلية الحية أو البكتيريا. تتواجد الأهداب فى كل الأنابيب والمجارى فى جسم الإنسان، مثل الأنف والجيوب الأنفية وقناة أوستاكيوس الواصلة بين الأذن الوسطى وتجويف الحلق، وقناة فالوب التى تصل بين المبيض والرحم وتنقل البويضة للرحم.
الأهداب التنفسية زوائد مجهرية تنتشر على سطح الخلايا المبطنة للشعب الهوائية فى أغلب الثدييات، ويتواجد حوالى مائة من الأهداب على كل خلية طلائية، تسبح فى المخاط وهى مزودة بكلابات تحمل المخاط من الطبقة المخاطية التى تليها. يتراوح طول الأهداب من 1-10 ميكرومتر، والعرض أقل من 1 ميكرومتر، ويقل طولها فى الممرات الطرفية.
أصبحنا تتحرك الأهداب التنفسية حركة منتظمة فى اتجاه واحد للخارج بعيدا عن مناطق تبادل الغازات، وتحرك المخاط أولا بأول خارج الرئة وبسرعة 9 مم فى الدقيقه. تهتز الأهداب بمقدار 800 مرة فى الدقيقة فى اتجاه واحد فى الشعب الهوائية، و400 مرة فى الدقيقة فى الأنف والجيوب الأنفية. تنظف الأهداب ما تحتها من خلايا بصورة دائمة، وتطرد ما يتجمع من مواد غريبة فى الجهاز التنفسى، وتحمل مستقبلات تكتشف المواد الغريبة ليتم التعامل معها على الفور للتخلص منها وطردها أولا بأول.
ينتج الجهاز التنفسى فى الشخص البالغ حوالى لترين من المخاط يوميا. يتكون المخاط من مواد كربوهيدراتية، ومواد بروتينية، ومواد دهنية. المخاط غنى بالماء مما يرطب ويدفئ الهواء المستنشق. يفرز المخاط فى الجهاز التنفسى من نوعين من الخلايا، نوع يتواجد فى سطح الخلايا التنفسية ويسمى بالخلية الكأسية لأنها تشبه الكأس، والنوع الثانى من خلايا تتواجد فى النسيج الضام الدى يتواجد تحت الغشاء المخاطى فى المجارى التنفسية. المخاط بمثابة فخ مناعى يعمل كمصيدة طبيعية تحتجز جزيئات الأتربة و البكتيريا و الجسيمات الغريبة.
يحتوى المخاط أيضا على مضادات حيوية طبيعية تسمى الديفنسينات تستطع تحطيم البكتيريا، ويحتوى أيضا على إنزيم اللايسوزيم وهو مضاد للبكتيريا بمثابة مضاد حيوى طبيعى. فى الأنف يحاصر المخاط الجسيمات التى يتعدى قطرها 4 ميكرومتر بكفاءة، ويحول دون وصولها الرئة. يتواجد فى الغشاء المخاطى فى الأنف العديد من النهايات العصبية التى تستثارعند تواجد الجسيمات كبيرة الحجم مسببة العطس وهو بمثابة دفاع ميكانيكى، فتندفع كميات كبيرة من الهواء طاردة هذه الجسيمات مع المخاط. يزداد إنتاج المخاط وتقل حركته فى الجهاز التنفسى، لكنه يتراكم مع الربو، والالتهابات الشعبية.
الأهداب كاسحة للمخاط، ولولاها لتجمع المخاط وسد الشعب الهوائية فتحاول الرئتان التخلص منه بالكحة! التدخين يشل الأهداب ويقصر من أطوالها فتصبح قزمة مما يقلل من كفاءتها، ويقلل من قوة ضرباتها فتصبح ضعيفة، ويدمرها على المدى الطويل.
ينتج تدخين التبغ عدة مواد سامة للأهداب مثل سيانيد الهيدروجين، والأكرولين والأمونيا والفورمالديهايد وثانى أكسيد النيتروجين. أمراض الأهداب بعضها وراثى يتأخر تشخيصها أحيانا وبعضها مكتسب. شلل الأهداب الوراثى مرض نادر متنحى، يظهر فى 25% من أطفال لوالدين يحملان الجينات المعيبة لكن بدون ظهور أعراض فى الوالدين، تغيب فيه أو تقل حركة الأهداب، ويقل تنسيق حركاتها، وتقل عمليات تنظيف المجارى والأنابيب، فيتراكم المخاط، تصبح الالتهابات مزمنة خاصة فى الجيوب الأنفية، والشعب الهوائيه. تتكرر التهابات الأذن الوسطى وربما تسبب فقدان السمع فى 75% من الحالات، وتتكرر الالتهابات التنفسية فى حديثى الولادة، وبمرور العمر يحدث تدمير مستمر للجهاز التنفسى، وتمدد الشعب الهوائية يحدث بالتدريج ومنذ الطفولة.
ينشأ العقم نتيجة نقص حركة الحيوانات المنوية، فذيل الحيوان المنوى يشابه الهدب. تتأثر كفاءة عمل الأهداب التنفسية بعدد الأهداب الصالحة للعمل، وقوة حركة الأهداب، وتركيب الأهداب البنائى، والتنسيق بين ضربات الأهداب مما يجعل الحركة منتظمة وفى اتجاه واحد للفم، وتلوث الهواء، وبرودة الجو، وقلة السوائل فى الجسم، والجفاف، وتناول بعض الأدوية مثل بعض مضادات الحساسية وبعض أدوية التخدير، وأدوية البرد، وقطرات علاج احتقان الأنف، وإدمان الكحوليات، والعدوى بالميكروبات.
تراكم المخاط الزائد وعدم خروجه من الجهاز التنفسى يحوله من وسيلة دفاعية إلى عامل من عوامل الخطورة، فيصبح مرتعاً للميكروبات، ومزرعة لها تهدد حياة المريض. ند توقف الأهداب عن الحركة، سرعان ما تستوطن الميكروبات الممرات الهوائية. للحفاظ على منظومة الأهداب ينبغى الحرص على التغذية الجيدة وشرب الماء بوفرة وممارسة الرياضة، والبعد عن التدخين والأتربة والأدوية العشوائية والتمتع بقسط وافر من النوم.
فهمنا للأهداب التنفسية بارقة أمل لاستثمار تطبيقات تكنولوجيا النانو فى العلاج والتشخيص، وليس بعيدا أن تصبح الجسيمات النانوية فى القريب العاجل بمثابة سفن سحرية متناهية الصغر تتمكن من الوصول إلى أى منطقة داخل جسد الكائن البشرى، تحمل الأدوية لتصل إلى الأنسجة المستهدفة مباشرة، وبدون أى تأثير على أنسجة وأعضاء الجسم الأخرى، مع تهميش مذهل لقوائم الآثار الجانبية والسمية.