الغريب أن تعرف الآخرين وتُعاشرهم، ثم تكتشف أنك لا تعرفهم، ولكن، ألا تدرون ما هو الأغرب من ذلك ؟! أن تعرف نفسك وتُعاشرها، ثم تكتشف أنك لا تعرفها .
ففى الواقع، كثير من الناس يُلقون بالاتهامات واللوم على غيرهم، ولا يعرفون أن كل ما يتهمون به غيرهم، هو فى الأساس عين ما يتصفون هم به، ولكنهم لا يدرون، فنجد أحد الأشخاص يتهم غيره بالقسوة، فى حين أنها جزء من تركيبته البشرية، ولكنه لا يدرى ذلك، وأيضًا من يلوم على غيره غدره، وهو غدار بطبيعته، والكثير والكثير من الاتهامات، والغريب أنهم لا يقفون مع أنفسهم، ولو للحظة واحدة، ليتساءلـوا، هل ما نعتوا به غيرهم، هم أيضا يتصفون به أم لا، فهم يكتفون بتصنيف الآخرين والحكم عليهم، ونقدهم، ولا يحاولون التفتيش داخل نفوسهم .
فللأسف، كل إنسان يظن أنه يعرف نفسه حق المعرفة، وأنه قادر على وصفها وحسابها وتقويمها، فى حين أننى أكاد أؤكد لكم جميعًا، أننا فى الواقع لا نعرف أنفسنا، فهى قادرة على التجمل الشديد أمامنا، ونحن قادرون على تضليلها، فأنا شخصيًا عندما أريد أن أعرف نفسى، أحب أن أعرفها من عيون الآخرين وآرائهم، حتى ولو تناقضت، فقطعًا، سأصل فى النهاية إلى بعض الشىء من حقيقتها، أما لو تركت العنان لنظرى فقط لكى أراها، فبالقطع ستملأ عينى الغشاوة ولن أراها إلى الأبد .
وهذا يُذكرنى بموقف لـ "سقراط"، الذى كان واحدًا من الثائرين على "ثرثرة الناس"، فعندما كان يُخاطبه أى إنسان قائلاً: "صباح الخير يا سقراط"، كان يقول له: "أعرف أننا فى الصباح، ولكن ما الذى تقصده بالخير، هل هو خيرى أنا، أم خيرك أنت، أم خير كل الناس؟"
فلو ركزنا قليلاً، لأدركنا أن ردود "سقراط" أكبر دليل على أنه ثرثار للغاية، فهو أجاب على جملة من كلمتين، بحوار طويل لا جدوى منه، ولكنه عاش ومات، وهو يظن، بل والجميع يظنون حتى الآن، أنه من الثائرين على الثرثرة، فلو كان منح نفسه بُرهة من الوقت فى التفكير فى ذاته، وفى تصرفاته ؛ لكان أدرك أنه هو شخص "ثرثار"، ولكن من منا يمنح لنفسه هذه البُرهة، ومن منا يعرف نفسه كما هى، ومن منا يقف مع نفسه ولو للحظة لكى يفهمها ويسألها، ويُحاسبها .
لذا، فأنا أُوَجِّه دعوتى لكل إنسان وأقول له: "قف مع نفسك" .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة