وضعتنا الأزمة القطرية، التى تركت أصداءها فى عدد من الدول العربية على رأسها مصر والسعودية والإمارات والبحرين واليمن وليبيا والمغرب، أمام عدة حقائق لابد من إدراك دلالاتها جيداً؛ لعل أولاها أن الخطأ لا يمكن بأية حال من الأحوال أن يدوم وأنه لابد له من نهاية مهما طال أمده .
الحقيقة الثانية التى لا يمكن اغفالها فى هذا المقام أيضاً أن رعاية وتمويل المنظمات المتطرفة، والتى بدورها تؤدى لاتساع رقعة العنف والإرهاب حتى أصبح يعيث فى الكرة الأرضية فساداً من شرقها وغربها وشمالها وجنوبها، أن هذه الرعاية والتمويل لا يمكن أن تظل سرية للأبد فإذا استطعت أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، فإنك لن تستطيع أن تخدع كل الناس طوال الوقت .
كما وضعت تلك الأزمة، التى تسبب فيها حاكم قطر بمواقفه المارقة عن الدول العربية أيدينا على حقيقة فى غاية الأهمية، أن الصمت والصبر ليسا علامات ضعف دائماً بل إنهما قد يكونان من باب القوة بتغليب العقل على الغضب ، والرفق مع الشقيق والأخذ فى الاعتبار أواصر الأخوة والمصير المشترك، وإعطاء فرصة لخط رجعة، لكن حين يفيض الكيل وتستنفد إحدى الدول المارقة جميع الفرص المتاحة لديها فإنه لزاما أن يتم تأديبها وكبح جماحها ، وقد حرصت مصر واشقائها على اتخاذ خطوات تأديبية ضد النظام الحاكم فى قطر ، بحيث لاتنسحب هذه الخطوات على الشعب القطرى المغلوب على أمره والمبتلى بحكامه ،والذى لايستطيع أحد المزايدة على حرص جميع العرب على سلامة وصالح الشعب القطرى الشقيق.
مصر،التى تثبت دائمًا إنها دولة كبيرة وعظيمة، وتستطيع التفرقة بين الحق والباطل، لم تأخذ القطريين بجرائم الأسرة الحاكمة، بل أكدت محافظتها على ممتلكات القطريين فى مصر، وجاء ذلك على لسان سحر نصر، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى، التى قالت أن الاستثمارات القطرية بمصر آمنة ومحمية وفقاً للقانون والدستور، مؤكدة أن الدولة المصرية تحترم جميع تعاقداتها، وتفى بكل التزاماتها وتوفر المناخ الآمن لاستثمارات الأفراد والمؤسسات .
هذه الكلمات الحاسمة، لوزيرة الاستثمار والتعاون الدولى، والتى تصدر عن حكومة دولة كبيرة وقوية، تبعث رسائل فى غاية الأهمية حول أن مصر دولة تفرق بين جرائم النظام الحاكم فى قطر وبين الشعب القطرى الذى يحرص جميع الأشقاء العرب على مصالحه والحفاظ على حقوق مستثمريه، كما تعطى تصريحات الوزيرة ضمانات قوية وإشارات إيجابية لرجال الأعمال وكبار المستثمرين حول الاستقرار التام للمناخ الاقتصادى فى مصر واستقلاليته بعيداً عن جميع التقلبات السياسية أو حتى الأمنية ،ولعله ليس من قبيل المصادفة أن تسن مصر، بدون أى مطالبات أو ضغوط خارجية، قانون الاستثمار الجديد الذى يمنح ضمانات غير محدودة للمشروعات ورجال الأعمال، ويقر حوافز استثمارية غير مسبوقة تضمن اجتذاب رؤوس الأموال للمساهمة فى تدوير عجلة الاقتصاد المصرى ليعلو شعار تحيا مصر ويسقط رعاة الإرهاب.
فالحكومة المصرية تسخر جميع أجهزتها ومؤسساتها لتأمين وحماية أموال المستثمرين وتضمن الفصل الكامل بين كل ما هو اقتصادى عن كل ما هو سياسى بما يحفظ هذه المشروعات والاستثمارات من التقلبات المفاجئة، ولعله ليس أدل على هذا من مسارعة البنك المركزى المصرى إلى تكذيب شائعات حول غلق المؤسسات المصرفية القطرية العاملة فى السوق المصرية، بل والتأكيد على شمولها بالحماية والتأمين.
فمصر، قيادة وشعباً ومؤسسات، لاتأخذ شعباَ شقيقا ترتبط به بأواصر اللغة والدين والمصير المشترك كالشعب القطرى، بجريرة نظام عميل فاسد يدعم الإرهاب فى كل مكان ، وإذا عاقبت نظام تميم وشركاه فهى لاتعاقب الشعب الشقيق ، ولكنها لجأت مع عدد من الدول الشقيقة إلى عقاب االأسرة الحاكمة فى قطر لتضع حدا لدعم الإرهاب وتمويل التطرف الذى عانى منه العالم بأسره خلال السنوات الماضية .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة