أواصل قراءة كتاب «الموساد فى العراق ودول الجوار» للكاتب الصحفى «شلومو نكديمون» الذى يكشف عمق العلاقة التاريخية بين الأكراد وإسرائيل، وهى العلاقة التى تفسر لنا سر تشجيع إسرائيل لاستفتاء كردستان العراق للانفصال يوم 25 سبتمبر الجارى.
يذكر الكتاب، أنه بعد ثورة 14 يوليو 1958، أصدر الرئيس العراقى عبد الكريم قاسم عفوا عن الزعيم الكردى مصطفى البارزانى وجماعته، وأصدر قرارا بأن العرب والأكراد شركاء فى الوطن، وبمقتضى ذلك عاد«البارزانى» إلى العراق بعد سنوات قضاها فى الاتحاد السوفيتى بدأت منذ عام 1947، ولأن هذه العودة تمت فى ظل حالة استقطاب دولى محكوم بثنائية الزعامة الدولية لأمريكا والاتحاد السوفيتى، فإن الأنظار اتجهت نحو ولاءات «البارزانى» ومع معلومات توفرت بأنه يجرى اتصالات بدبلوماسيين سوفيت يعملون فى سوريا وبغداد، شرعت أمريكا ودول غربية أخرى فى البحث عن زعيم كردى بديل، واعتقدت هذه الدول أن بدير خان هو هذا البديل، ويأتى الكتاب بتفاصيل متنوعة فى هذا الجانب، واللافت فيها هو الحضور الإسرائيلى، واللهفة الكردية على هذا الحضور، بدرجة تصل إلى حد اليقين بأن الأكراد رموا قضيتهم كاملة فى حجر إسرائيل، واللافت أيضا أن الانشغال الغربى بتصعيد «خان» على حساب «البارزانى» لم يلق بظلاله على العلاقة السياسية بين الزعيمين الكرديين، ولم يؤثر على اندفاعهما نحو تدعيم العلاقة مع إسرائيل، لأجل الوصول إلى الهدف الرئيسى والبعيد وهو تأسيس الدولة الكردية المستقلة.
يعتبر الأكراد أن يوم 11 سبتمبر 1961 هو بدء ثورتهم الكبرى ضد السلطة العراقية على أثر إعلان الحزب الديمقراطى الكردستانى بزعامة «مصطفى البارزانى» إضرابا فى كردستان يوم 9 سبتمبر، وحشد الجيش العراقى قواته فى حملة لإنهاء الإضراب، فحدثت الاشتباكات بين الطرفين، وتواصلت الحرب بين الطرفين لسنوات، وكان لإسرائيل دورها الرئيسى فى ذلك، ويكشف «نكديمون» أن بدير خان نشط فى ممارسة دوره التنسيقى مع الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية لدعم البارزانى فى هذه الحرب، مؤكدا أن «خان» زار إسرائيل فى الأول من إبريل عام 1963، وحل فيها ضيفا رسميا بصورة سرية، لطرح المبادرة التى طلب منه «البارازنى» توصيلها إلى قادة الدولة العبرية، ويقول «نكديمون» نصا فى كتابه: «اجتمع بدير خان خلال زيارته مع رئيس الحكومة ديفيد بن جوريون، ومع وزيرة الخارجية جولدا مائير، ومع رئيس الأركان تسفى زاميرا، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية مائير عاميت، الذى كان فى تلك الآونة بالضبط، مكلفا بترؤس الموساد أيضا فى أعقاب استقالة أيسر هرئيل، ومع موظفين إسرائيليين رفيعى المستوى، وفى الخامس من أبريل سجل بن جوريون فى يومياته «مقابلة مع أمير كردى فى تركيا،صديق «فيشر»، زار أرض إسرائيل عام 1941، ويوجد ستة ملايين كردى فى تركيا وأربعة ملايين كردى فى إيران، ومليونا كردى فى العراق، وثمانمائة ألف كردى فى سورية، وفى روسيا مائة وستون ألفا، ويوجد فى بريطانيا ثمانمائة طالب كردى، وقام العراقيون بقصف ألف وخمسمائة قرية كردية منها ثلاثمائة قرية دمرت نهائيا، وطلب إرسال جهاز إرسال وصحفى لزيارتهم عبر إيران».
يضيف بن جوريون «فى يومياته» فى الزيارة الثانية لإسرائيل، طلب بدير خان جهاز إرسال بقوة خمسة كيلو وات، واثنتى عشرة راجمة «بازوكا» وعدة مدافع ضد الطائرات، ومساعدات مالية، واقترح أن تجرى إسرائيل اتصالا مباشرا مع البارزانى، على أن تبدأ بلقاء بينه وبين شخص غير إسرائيلى، على أن يكون موثوقا لدى إسرائيل كصحفى مثلا.
ونتابع غدا