ليس لقطر تاريخ أسود فى دعم وتمويل الإرهاب ونشر الفوضى والعمل على خراب الدول العربية فحسب، بل امتد تاريخها الناصع بالسواد داخل حدودها نفسها، فممارسات الظلم والتعذيب والاضطهاد والتشريد والقتل والسجن كان ممنهجا ضد شعبها وأهلها منذ سنوات طويلة وحتى الآن.
ومنذ اعتلاء "نظام الحمدين" الحكم بعد انقلاب حمد بن خليفة آل ثانى والد الأمير الحالى تميم على والده عام 1995، وبدأ سلسال الدم والاضطهاد ضد القبائل العربية العريقة التى خشى من تهديدها له ووقوفها بجانب خليفة آل ثانى الجد المعزول.
أسباب اضطهاد النظام القطرى السابق والحالى ضد القبائل العربية منذ انقلاب التسيعينيات وحتى حكم تميم، لم يكن لأسباب سياسية فحسب، بل أن المخطط الإيرانى الذى يسير عليه حكام قصر "الوجبة" فى الدوحة، يضغط على تميم وأسرته الحاكمة من أجل تعزيز التواجد الإيرانى والمجنسيين من الأصول الفارسية على حساب المواطن القطرى العربى الأصل، من أجل أن تتحول الإمارة الخليجية المطلة على خليج العرب لإمارة إيرانية خالصة فى القريب العاجل.
الشيخ-عبد-الله-آل-ثانى
تاريخ مأساة آل مرة
وبما أن الإمارة القطرية هى إحدى دول المنطقة التى تحوى كثيرًا من القبائل والأسر العربية وغير العربية، التى نزحت إليها من دول الجوار طلبا للأمان وسعيا لطلب الرزق، فكانت قبيلة "آل مرة" أحد أهم وأشهر القبائل العربية ذات الجذور الضاربة فى أعماق قطر، وأكثرهم عددًا منذ مئات السنين، وقد كانت علاقتهم بأسرة آل ثانى علاقة حميمة منذ عهد المؤسس الأول للدولة الشيخ قاسم بن محمد آل ثانى، وشاركوا فى كثير من المشاهد التاريخية للدفاع عن قطر، وساهموا مساهمة فعالة فى بناء الدولة منذ نشأتها، ولم يكن فى يوم من الأيام هناك ذرة شك فى وطنيتهم حتى اعتلى حمد بن خليفة الحكم وحينها تغير كل شئ ضدهم.
بعد نيل الاستقلال عام 1971 وما تلاه من تولى الأمير الجد الشيخ خليفة بن حمد آل ثانى مقاليد الحكم فى قطر عام 1972، فتح الباب لمن لديه الرغبة فى اكتساب الجنسية القطرية من أقارب القبائل والأسر المعروفة فى الدولة، وذلك عن طريق معرفين معتمدين من وزارة الداخلية دون التحقق أو المطالبة بما لديهم من جنسيات سابقة.
وفى عام 1995 صدرت تعليمات شفهية من وزارة الداخلية عن طريق أعيان القبائل والأسر، وبدون إعلان رسمى من الجهات المختصة، بأنه على من كان يحمل جنسية سابقة للجنسية القطرية أن يسلمها لإدارة الهجرة والجوازات بوزارة الداخلية، وذلك منعا لازدواج الجنسية، فتجاوب الكثير من المواطنين مع تلك التعليمات ثقة فى صاحب القرار ومصداقية فيمن نقل تلك التعليمات من الأعيان، وتحفظ البعض الآخر لعدم وضوح التعليمات لكونها شفهية، واعتقد جازما بأن الدولة لا تدار إلا بقرارات واضحة ومعلنة وبطرق رسمية.
وفى العامين 1995 و1996 وما جرى فيها من عزل للحاكم الشرعى خليفة بن حمد آل ثانى، وتولى الابن الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى مقاليد الحكم، والمحاولة الانقلابية الفاشلة التى أرادت إعادة الحاكم السابق للسلطة، والتى قام بها بعض ضباط وأفراد القوات المسلحة والشرطة، المؤلفة من جميع شرائح المجتمع، والذين يرون أن الشيخ خليفة هو الحاكم الشرعى للدولة، وأدوا القسم القانونى بالولاء والطاعة له، وحيث إن عدد من شارك فى تلك المحاولة من الضباط والأفراد هم من قبيلة آل مرة، يعتبر كبير نسبيا بمقياس النسبة والتناسب لعدد السكان، مقارنة بعدد من شاركوا من القبائل والأسر الأخرى، فقد الصقت بهم تهمة التحريض والقيادة، وتم تبرئة ساحة الآخرين لاعتبارات اجتماعية أو قرابة بعض المسئولين فى الدولة لبعض من شاركوا، علما بأن القائد والمحرض الأول هو الشيخ خليفة بن حمد آل ثانى الحاكم السابق.
لذلك زج بأكثرهم فى السجون، وبدون محاكمة، ولفترات طويلة، حيث مورست عليهم صنوف التعذيب والإهانة، ومن ثم تمت إحالتهم إلى القضاء، والذى افتقد فى بعض أحكامه إلى العدالة، فبعضهم منع من دخول البلاد لفترات طويلة، ومن بعد ذلك أسقطت جنسياتهم، ومنهم من علم أن جنسيته أسقطت، وهو فى خارج البلاد وممنوع من دخولها، وكانت آخر تلك الجرائم فى حقهم القرار الأخير الذى أصدره تميم بسحب جنسية 55 من أبناء القبيلة المقيمين فى المملكة العربية السعودية بسبب وقوفهم بجانب الرباعى العربى المناهض للإرهاب المدعوم من الدوحة.
وتمثلت الإجراءات التعسفية خلال الفترات السابقة، إنهاء خدمات الكثير من الموظفين والعسكريين من أبناء قبيلة "آل مرة" دون غيرهم، ممن أدرجت أسماء أقربائهم فى العملية الانقلابية، فضلًا عن حرمانهم من الوظائف المدنية الأخرى، ثم تطور الإجراء إلى منع أبنائهم من الالتحاق بالوظائف المدنية عند اكتمال دراساتهم الثانوية أو الجامعية، وذلك عن طريق عدم تحرير شهادة حسن سيرة وسلوك، والتى بموجبها يتم قبول طلبات التوظيف، وكذلك مورست ضغوط نفسية على من هم على رؤوس أعمالهم المدنية.
واستمر ذلك التعسف والقهر منذ عام 1996 حتى عام 2004، حين صدر القرار التعسفى الكبير، والذى ينص على إسقاط الجنسية عن عدد كبير جدًا من ضمن أبناء قبيلة آل مرة، ليتبع ذلك إنهاء خدمات من هم على رؤوس أعمالهم، ومطالبتهم بتسليم المساكن التى يقيمون فيها كمواطنين، وقيام الجهات الأمنية بدور نشط لم يسبق له مثيل حتى فى التعامل مع أصحاب الجرائم والسوابق، وذلك بتكرار الاتصال بالأسر والعوائل فى البيوت، والتهديد بالاعتقالات، والمداهمة الفعلية لحرمة البيوت، واعتقال بعض الأشخاص من المساجد.
معاناة آل غفران
وفى عام 2005 أصدر النظام قرارًا تعسفيًا ومخالف لقوانين الدولة، حيث نزعت الجنسية بشكل جماعى عنهم وعن أولادهم بل وعن آبائهم وأجدادهم المتوفين بأثر رجعى، وذلك ضمن إجراءات يتعرض لها أبناء تلك القبيلة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التى قام بها أمير قطر السابق الشيخ خليفة بن حمد آل ثانى لاستعادة الحكم من ابنه، إذ اتهم عدد من أفراد تلك القبيلة من العاملين فى الشرطة والجيش بالمشاركة فى ذلك الانقلاب.
وطالت قرارات نزع الجنسية التى تعرضت لها "آل الغفران" - وهى أحد فروع قبيلة "آل مرة" التى تستوطن قطر تاريخيا منذ عام 972 - جميع أفراد عائلاتهم بالتبعية والبالغ عددهم 5266 فردا هم عدد أبناء "آل الغفران" بأكملها، وتبع تلك القرارات إجراءات حكومية بفصلهم من أعمالهم ومطالبتهم بتسليم المساكن التى يقيمون فيها كمواطنين وحرمانهم من جميع امتيازات المواطنة من علاج وتعليم وكهرباء وماء وأعمال تجارية، ومطالبتهم عن طريق الجهات الأمنية المختلفة بتصحيح أوضاعهم كمواطنين غير قطريين.
وقد بررت السلطات القطرية هذا القرار حينها بأن تلك القبيلة تنحدر من الدولة السعودية وأنهم ما زالوا يحتفظون بالجنسية السعودية، كما قامت منذ صدور ذلك القرار بتكرار الاتصال بالأسر والعوائل فى البيوت، حيث هددتهم بالاعتقال، وقامت قوات الأمن بمداهمات فعلية للمنازل واعتقال بعض الأشخاص من المساجد والمنازل.
الشيخ-بن-سحيم
صرخة ضد الظلم
وكان قد طالب محمد جلال المرى، من قبيلة آل غفران، خلال مؤتمر المعارضة القطرية الأخير فى لندن، وضع مأساتهم الإنسانية فى الحسبان، مؤكداً أنه جاء إلى المملكة المتحدة لعرض قضيته الإنسانية، لافتاً إلى أنه يطالب بريطانيا أن تنظر إلى وضع قبيلته، وكذلك منظمات حقوق الإنسان، ويجب على دولة قطر أن تحل ذلك الوضع، مناشداً الملك سلمان بن عبد العزيز، وحكام دول الخليج أن يتدخلون بوضع مشكلتهم فى قائمة المطالب، قائلا: "نحن أبنائهم ويجب أن ينظروا إلينا بعين العطف".
وأضاف "المرى"، أنه فى عام 1996 تم سجن العديد من المظلومين، وعام 2001 تم سحب جنسية عائلته، وكذلك عام 2005 تم سحب جنسية آل غفران بالكامل وعددهم 6 آلاف شخص، والآن تم سحب جنسيات أخرى، من عائلة آل مرة، مطالبا منظمات حقوق الإنسان أن تنصف قضيتهم، وتحل القضية لأنها قضية إنسانية بحتة، قائلا: "هناك أشخاص بالمستشفيات يعانون من أمراض عديدة منها القلب والسرطان، وكذلك عدد منهم بالمستشفيات النفسية".
شكوى آل غفران للأمم المتحدة
وفى السياق نفسه، سلمت الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان عن طريق رئيسها الدكتور أحمد الهاملى شكوى قبيلة آل غفران بشأن الانتهاكات القطرية بحق أفرادها إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، وأبدت المفوضية اهتماما بالشكوى، الت تسلمها رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى المفوضية محمد على النسور، خلال لقاءعقد بمكتب الأخير بمقر الأمم المتحدة فى جنيف.
وخلال اللقاء، الذى استمر ساعة، قال النسور إن المفوضية مهتمة بقضية سحب الجنسيات من قطر.
وأشارت الشكوى إلى أنه "فى عام، قامت السلطات القطرية بتوقيف واعتقال الكثير من أفراد قبيلة الغفران آل مرة ومارست معهم أقسى طرق التعذيب بصورة وحشية أدت فى بعض الحالات إلى فقدان الذاكرة واعتلالات نفسية رافقت المتضررين حتى وفاتهم".
وأضافت أنه "فى عام 2000 بدأت الحكومة القطرية باسقاط الجنسية القطرية من بعضهم اللذين ثبتت لدى السلطات القطرية براءتهم و من ثم تهجيرهم الى الدول المجاورة ومنعهم من العودة الى وطنهم، و فى عام 2005 أصدرت السلطات القطرية أمرا باسقاط الجنسية القطرية عن 6000 فرد من قبيلة الغفران بطريقة عنصرية واضحة، حيث طالت الأطفال والنساء والعجزة والموتى.
وفى الشكوى، عبر أبناء قبيلة الغفران عن حزنهم لما يعانونه خلال السنوات الماضية وقالوا: "عانى أفراد قبيلة الغفران أقسى أصناف الظلم و القهر من حكومة قطر وعاشوا مشتتين فى دول الخليج العربى لا يملكون مسكنا ولا مصدر عيش لهم ولأبنائهم ولا وثائق تعرف بشخصيتهم".
تميم
تصعيد قضية آل مرة
وأعربت الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان عن أسفها الشديد لقيام حكومة دولة قطر بإسقاط الجنسية عن شيخ قبيلة آل مرة طالب بن محمد بن لاهوم بن شريم، وعائلته المكونة من 54 شخصًا من بينهم أطفال ونساء ومصادرة أموالهم دون وجود مسوغات قانونية وبشكل تعسفى.
وأكدت أن هذا العقاب الجماعى بنزع جنسية 55 من قبيلة آل مرة يعد تعسفا واضحا من قبل الحكومة القطرية ضد مواطنيها، ويعتبر خروجا صارخا عن مبادئ حقوق الإنسان، وانتهاكا مباشرا لنصوص القوانين الدولية التى تنظم عمليات منح الجنسية وسحبها، وفق آليات وضوابط معينة، خصوصًا أن قرار الحكومة القطرية جاء بشكل مفاجئ ودون أية مبررات أو مسوغات قانونية، ولم يكن مبنيا على أية أحكام قضائية أو محاكمات عادلة.