فى شوارع مدينة السليمانية، العاصمة الثقافية لإقليم كردستان العراق، حيث الفن والشعر والموسيقى، والسياسة أيضا، تلك التى تبعد عن الحدود الإيرانية مسافة ساعتين بالسيارة، تبدو الحياة هادئة رائقة، مفعمة بالسكينة وراحة البال، حتى فى أشد أوقات الذروة، حين يذهب الناس لأشغالهم، أو حتى حين يعودون إلى منازلهم بعد انقضاء النهار.
إعلانات كردية بعملة عراقية
معالم فى الطريق
لا يشعر الناس بالتعب ولا بالإرهاق فى السليمانية؛ بالرغم من ارتفاع درجة حرارتها ومعدلات الرطوبة الكبيرة، فالشوارع شديدة الاتساع ولا وجود لإشارات مرور إلا فيما ندر، ولا يضطر الأهالى إلى الوقوف لساعات فى شوارع مزدحمة ولا فى تقاطعات الطرق، كل شىء سهل وسلس ومتاح، فإذا كنت من سكان تلك المدينة فبإمكانك العثور على مكان لركن سيارتك فى لمح البصر، وبإمكانك الذهاب إلى أى مكان وقضاء حاجتك والعودة إلى منزلك فى أقل من نصف ساعة.
البائعة الريفية تدخن السجائر
الانطباع الأول الذى يتشكل داخلك إذا كنت ضيفا زائرا بالسلمانية، أنه لا فرق بين الناس، فأصحاب الملاليم كأصحاب الملايين، وقائدى السيارات الإيطالية المتواضعة مثل أصحاب السيارات الأمريكية الفارهة ذات الدفع الرباعى، ولا تكاد تشعر بتفاوت فى سيكولوجيا الناس، بالرغم من ظهور الاحترام كسمة غالبة فى التعاملات من أدنى الطبقات إلى أعلاها.
البائعون الجائلون فى السوق القديمة
وعلى جانبى الشوارع، تصطف عربات بائعى الخضراوات والأسماك، وللأسماك حكاية طريفة فى تلك المدينة، نظرا لأنها مدينة بلا بحار أو بحيرات، فأغلب الثروة السمكية منبعها المزارع التى ينشئها صغار المستثمرين، ولأن الحياة هادئة بما يكفى؛ فإن بائعى السمك يصطفون بسياراتهم ربع النقل ويملؤنها بالماء ويضعون فيه السمك ويضخون الماء عن طريق مضخة متوسطة الحجم إلى العربة فتشعر للوهلة الأولى أنك أمام طلمبة مياه فى حقل زراعى صغير.
الجوافة والقثاء
رأينا هذا المشهد فاندهشنا وسألنا مرافقينا فى الجولة فقالوا لنا إن الأسماك تباع هنا على هذا النحو، إذ يذهب المواطن إلى البائع فيستخرج له السمك من باطن الماء وكأنه اصطاده توا من أعماق البحر، وغالبا ما يذهب البائع بالسمكة صغيرة فى أول النهار ويبيعها كبيرة إلى الزبون فى وقت لاحق، بعد أن تكون قد تغذت على ما يلقيه لها من طعام فى حوض السيارة الخلفى.
الحد الأقصى لارتفاع المبانى السكنية طابق أرضى وطابقين علويين
السليمانية يسودها الود والألفة والحب، كما رأيناه فى سلوك الناس، وكما لمسناه من خلال طباعهم، ففى الرابع عشر من نوفمبر 1784م، وضع الأمير الكردى إبراهيم باشا بابان، اللبنات الأولى للمدينة، ولأنه كان يجل أباه ويحبه؛ فقد أطلق اسمه عليها، أما والده فهو سليمان باشا أحد أمراء سلالة بابان، تلك التى حكمت مناطق جغرافية محيطة بالمدينة خلال القرن الثامن عشر.
الزميل محمد محسن أبو النور في الطريق إلى وسط المدينة وفى الخلفية قاضي قضاة كردستان رزكار محمد أمين
وضع إبراهيم باشا بذرة الحب فى الأرض فنمت وأنبتت عشقا فى قلوب أهلها، ولذلك ترى المودة والألفة فى تعاملات أهلها فيما بينهم ولطفهم الشديد إذا عرفوا أنك زائر عابر، فسائق التاكسى لا يريد أن يأخذ أجرته؛ إلا بعد أن تصر وتضغط عليه، والبائعون فى المحال يقابلونك بوجههم الأبيض البشوش حتى لو لم تشتر شيئا، وكثير منهم من يجبرك على الحصول على هدية من متجره إذا أحس أنك سائح زائر تتأمل معالم البشر والحجر فى الشوارع وبين جنبات الطريق.
تقع السليمانية فى الشمال الشرقى من جمهورية العراق على الحدود العراقية ـ الإيرانية وتتبع إقليم كردستان، ذى الحكم المستقل، على ارتفاع 2895 قدم عن سطح البحر إذ تسود الطبيعة الجبلية فى المحافظة وتزداد كلما اتجهت نحو الحدود الشرقية مع الجمهورية الإيرانية الإسلامية.
السوق ليلا وقد أغلقت معظم المحال
تبعد السليمانية عن كركوك شرقا 140 كيلو مترا، ويقع سد دوكان على نهر الزاب الصغير، بعد ستين كيلو مترًا من شمالى غرب المدينة، ويقدر عدد سكان المدينة حاليًا بقرابة 700 ألف نسمة غالبيتهم من الكرد المسلمين السنة، كما توجد أقلية مسيحية وأقليات أخرى من اليهود والسريانيين والأيزيديين.
العملات السعودية والإيرانية جنبا إلى جنب
مام جلال
إذا كنت فى السليمانية فإنه يتعين عليك التعامل باحترام بالغ مع اسم السياسى الكردى ذائع الصيت، جلال طالبانى، الزعيم التاريخى لحزب الاتحاد الوطنى الكردستانى ورئيس العراق من 7 أبريل 2005 – 24 يوليو 2014، والرجل الذى استقبله الزعيم المصرى الراحل جمال عبد الناصر وفتح له مكتب تمثيل سياسى فى القاهرة.
المتاجر التركية تغزو المدينة
ففى السليمانية لا ينطق الناس اسم جلال إلا مشفوعا بلقب "مام" وهى لفظة كردية تعنى "العم"، لكن الكرد الذين يتحدثون العربية يلقبون جلال بـ"الإمام"، وفى الطريق من الفندق الذى أقمنا فيه إلى المدينة مررنا على منزله المحصن، الذى تحيطه أسوار ورجال حراسات، وقبالة الباب الرئيسى قال لنا مرافقنا الكردى، وهو شخص بارز جدا فى الأوساط الكردية: "هنا يعيش الإمام جلال ما تبقى له فى حياته بعد أن أصبح مريضا إثر رحلة كفاح طويلة فى خدمة الأمة الكردية".
المكسرات الإيرانية حاضرة بقوة
أما سائق التاكسى الذى يعرف قليلا من العربية، والذى أوصلنا إلى السليمانية القديمة، فقد تحدث بإجلال عن الرئيس العراقى السابق، جلال طالبانى، وكادت عيناه تذرفان الدمع عندما قال: "هذا الرجل هو الذى ضحّى بنفسه من أجل شعبه ومن أجل وطنه نحن هنا نحبه لأنه يحبنا ويفضلنا عن نفسه.. أنا أحب طالبانى وأتمنى أن يشفيه الله من الأمراض العضال التى ألمت به".
بائع جوافة
تلاحظ صورة "العم" جلال طالبانى فى كل مكان بالمدينة، فى كل الشوارع والميادين، وعند مفترقات الطرق، وعلى جانبى الطريق السريع من السليمانية إلى باقى المدن الكردية، حتى فى محال بيع أعلام إقليم كردستان العراق تجد صورته كعلامة بارزة، وعلم على الوطنية والفداء من أجل الكرد.
منافسة تركية ـ إيرانية
لدى البائعين الكرد وسائل طريفة فى فنون البيع، كما يمتلكون طبعًا كريمًا فى كل الأحوال، وإذا تجولت فى الشوارع والمجمعات التجارية، وحتى فى الأسواق الشعبية ستلاحظ منافسة حادة بين البضائع التركية والإيرانية، حتى فى تلك الأشياء التى اشتهرت بها كردستان، ومنها على سبيل المثال: عسل النحل.
بطيخ وخضراوات فى شوارع المدينة
"مزورى" شاب كردى يمتلك محلا لبيع العطارة والمكسرات، وفى متجره الصغير بالسوق القديمة، فى وسط السليمانية، يعرض منتجات إيران ومنتجات كردستان ومنتجات تركيا جنبا إلى جنب، وبالرغم من شهرة إيران فى مجال المكسرات وسمعتها العالمية؛ إلا إنها لا تستطيع منافسة بضائع كردستانية أخرى مثل عسل النحل والتوابل والعطور واللبان (العلكة) الخام.
جانب من السوق في السليمانية القديمة
فقد أخبرنا البائع الذى يتحدث قليلا من العربية بأن "العسل الإيرانى صفر، بينما العسل التركى متوسط، لكن العسل الكردى ممتاز"، بالرغم من أن العسل التركى والإيرانى أغلى كثيرا من العسل الكردستانى، ومن مصلحة البائع أن يبيع المنتجات الأغلى المحمولة برا عبر الحدود الإيرانية من محافظتى سنندج وكرمنشاه.
جانب من الشوارع
وفى قارعة السوق يجلس البائعون والبائعات ـ خاصة الريفيون منهم ـ بأجولة فيها مكسرات إيران أو يقفون خلف عربات دفع يدوية عليها ما طاب من الخضراوات والفاكهة، المزروعة إما فى كردستان أو التى يتم استيرادها من إيران وتركيا، لكن المنتجات الإيرانية فى هذا الجانب هى الرابحة بلا منافسة.
حركة المجتمع في شوارع السليمانية
مدينة الشعر والموسيقى
بنظرة متفحصة فى "الوسق" تجد البضائع التركية لها الغلبة فى مناطق عمليات تجارية أخرى، خاصة فى تلك المتاجر المتخصصة فى مواد البناء والديكورات، وهو أمر يعكس الفارق الحضارى المعاصر بين الترك والفرس، فبينما تعتمد إيران على منتجاتها التاريخية التقليدية، تبدو تركيا دولة عصرية تطبق الحداثة فى مجالى الصناعة والتجارة.
سيدة كردية تبيع عين الجمل فى السليمانية القديمة
الوجود الإيرانى بارز أيضا من خلال تجار العملات الذين يفترشون الأرض، فإذا سرت فى شوارع السليمانية ستجدد العملات الإيرانية منتشرة بشدة، بحكم الوجود الإيرانى الكثيف إما عن طريق التجار أو الزوار والسائحين.
شارع بالسليمانية القديمة
على كل حال من الصعب الإلمام بالسليمانية وحصر ما فيها من حضارة وحركة، لكنها تبدو من الوهلة الأولى، كشجرة خوخ مثمرة أعلى الجبل، فيها من السحر والجمال، أكثر مما فيها من أى شىء آخر. مدينة آسرة، حباها الله بقدرة فائقة على الجذب، تلاحظه من خلال التأمل فى وجوه الكرد السوريين والعرب الأنباريين العاملين فيها، تملكك بقوتها الناعمة، تطوع روحك بالشعر والفن والموسيقى.
صورة جلال طالبانى فى كل مكان بالمدينة
مبانى توقف العمل بها بسبب الأزمة المالية
مبنى خرسانى لم يتم إكماله بسبب الأزمة المالية
متاجر أدوات العمارة وأمامها بائع قثاء
متاجر فى السوق القديمة
متجر لبيع الأعلام الكردية وصورة جلال طالبانى فى الواجهة
متجر لبيع الإكسسوارات
متجر لبيع الكتب والصحف وكلها بالكردية ولا وجود للعربية ولا الإنجليزية
متجر لبيع المشغولات اليدوية الكردية
متجر لبيع المكسرات والعطارة
متجر لبيع المكسرات
متجر لبيع مستلزمات التصوير
متجر ملابس حريمى
متجر ملابس في ماجيدي مول
مظاهر الحياة اليومية فى السوق
وجه الخمينى حاضرا عند تجار العملات بسبب كثيرة السياحة الإيرانية
يلقب أهالى السليمانية طالبانى بالإمام جلال