بشكل مفاجئ، استقالت نيكي هايلي سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ووصف الرئيس ترامب عملها خلال فترة تولي المنصب، والتي استمرت عامين، بأنه كان "رائعاً"، والحقيقة أن هايلي باتت واحدة من وجوه قلائل لا تزال باقية في إدارة الرئيس ترامب، وأكدت أنها لن تغادر منصبها استعداداً للترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، ولكنها فتحت الباب أمام وجودها في منصب آخر في إدارة ترامب عندما قال "أتمنى أن تعود (هايلي) في منصب آخر"، حيث ردت عليه قائلة "لك حق الاختيار".
لم يكن سبب استقالة هايلي مقنعاً سواء ذلك الذي أعلنه الرئيس ترامب حين قال إنها تحدثت معه قبل ستة أشهر عن حاجتها إلى "استراحة"، أو السبب الذي أشارت إليه هايلي نفسها حين أعربت اعتقادها بأنه من "“الأفضل أن يتناوب آخرون على المنصب لكي يضيفوا إليه من قوتهم". ورغم بعض التحليلات التي تتحدث عن خلافات بينها وبين بقية الفريق الرئاسي الأمريكي، فإن هذا السبب لا يبدو ضمن الأسباب الرئيسية، التي تقف وراء هذه الاستقالة، فهايلي التي شغلت سابقاً منصب حاكم ولاية ساوث كارولينا، وكانت من أشد معارضي الرئيس ترامب خلال حملته الانتخابية ثم تحولت لأشد داعميه، وباتت من بين قلائل يقفون تماماً على أرضية سياسية مشتركة معه، ولم يبرز أي خلاف بينهما منذ توليها منصبها، بل يبدو أنها من الشخصيات التي تحظى بدعم قوي منه وتعبر عن أفكاره بشكل واضح سواء بالنسبة للأمم المتحدة ودورها وميزانيتها، أو على صعيد دعم إسرائيل، وهو ملف بالغ الأهمية بالنسبة للرئيس ترامب، ويكفي أنها دافعت بضراوة عن موقفه بشأن الانسحاب من اتفاقية باريس للتغير المناخي، وكذلك انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الانسان رداً على انتقادات مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الانسان زيد رعد بن الحسين للمواقف والسياسات الأمريكية.
ربما انتقدت هايلي بشكل هادئ تصريحات الرئيس ترامب حول العلاقات مع دول العالم، حيث اعتبرت أن تصريحاته ربما تشعل حرباً عالمية، وهي أيضاً من بين كثيرين تعاطفوا مع النساء اللاتي اتهمن الرئيس الأمريكي بالتحرش الجنسي، حيث دعت إلى "الاستماع إليهن" من دون إبداء إشارات ثقة تضفي صدقية على هذه الاتهامات.
بشكل عام، هايلي تبدو من بين الشخصيات السياسية التي يراهن عليها الجمهوريون في سباق التنافس الشرس مع الحزب الديمقراطي خلال السنوات القلائل المقبلة، في مختلف المناصب، ورغم أنها نفت تماماً فرص الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة وأعلنت دعمها للرئيس ترامب في الفوز بولاية رئاسية ثانية، فإنها لم تنفى الفكرة ذاتها، بمعنى أنها يمكن أن تستعد بشكل أفضل لانتخابات 2012، وخلال تلك الفترة يمكن أن تتولى مناصب مهمة مثل وزارة الخارجية الأمريكية أو غير ذلك، لاسيما أن هايلي لا يزال أمامها الكثير من العطاء في السياسة الامريكية، فهي تبلغ من العمر 46 عاماً فقط، أي أن الباب مفتوح امامها للترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية 2024 في بدايات العقد الخامس من عمرها، وحينئذ ستكون فرص فوزها أقوى بل مؤكدة في ظل الدعم الجمهوري القوى لها.
الملاحظ أن هناك نوع من الندرة في الشخصيات السياسية الكفؤة، صاحبة الكاريزما القيادية، التي يفرزها الحزبان الجمهوري والديمقراطي على حد سواء في السنوات الأخيرة، وهنا تبدو فرص شخصيات مثل هايلي في الصعود السياسي لأعلى درجات السلم قوية إن لم تكن شبه مضمونة، ويكفي هذه الإشادات الكبيرة التي حظيت بها من أوساط الجمهوريين عقب إعلانها عن استقالتها، فالكل يجمع على جدارتها وكفاءتها السياسية، وقال عنها بول ريان رئيس مجلس النواب الأمريكي "تحدت هايلي الصديق والعدو لتكون الأفضل"، بينما قال السيناتور الجمهوري البارز لينزي غراهام إنها كانت "مندوباً حقيقياً للإصلاح" في الأمم المتحدة.
إسرائيل طبعاً هي أكثر من استفاد من فترة وجود هايلي في منصبها طيلة عامين، فقد كرست موقفاً أمريكياً جديداً تماماً لجهة الدعم الأمريكي لإسرائيل في المنظمة الدولية، على الأقل على مستوى الخطاب السياسي، فقد كانت أكثر من عبر مواقف حادة تجاه الفلسطينيين خلال فترة وجودها، ودعت بقوة وشراسة إلى ضرورة قطع جميع المساعدات الأمريكية عنهم، ولاسيما وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، ولعبت دوراً مؤثراً في نقل السفارة الأمريكية للقدس في مايو الماضي، لدرجة أن البعض يسميها بـ"محامية إسرائيل"، بينما قال الكاتب الإسرائيلي المعروف جدعون ليفي في مقال له خلال شهر أبريل الماضي إنها "سفيرة إسرائيل في الأمم المتحدة"، وأنها "إسرائيلية أكثر من اليمين المتشدد في إسرائيل"! ربما يمكن فهم هذه الادراكات في ضوء مواقف هايلي التي قالت في مؤتمر أمام اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للعلاقات العامة "ايباك" أن "أيام توجيه التهم والادانات لإسرائيل قد انتهت، وعلى كل من يقول إنك تستطيع تحقيق شيء في الأمم المتحدة معرفة أن هناك شرطياً جديداً في المدينة، وكانت تقصد وجودها في منصبها! والأهم أنها قالت "أنا انتعل حذاء بكعب عال ليس من أجل الموضة ولكن لركل أي شخص يرتكب خطأ في المرة القادمة ضد إسرائيل".
هذه هي هايلي التي رحلت بعد أن حققت الكثير في مشوارها السياسي عبر الأمم المتحدة، ويبقى أن ننتظر لنراها في البيت الأبيض خلال مرحلة مابعد ترامب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة