اليوم، السبت 6 أكتوبر، الذكرى العطرة، لأكبر وأهم انتصار للعسكرية المصرية، وهدم أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر.
وعبقرية الانتصار العظيم، لا تكمن فى قهر وتحطيم أنف الإدارة الإسرائيلية، وجيشها، بعد إصابتهم بأقصى درجات الغرور، ولا تكمن أيضا فى أنها غيرت المناهج فى الأكاديميات العسكرية، وإنما تكمن فى قهر «المستحيل المركب».. نعم.. «المستحيل المركب» الذى يشمل الخداع الاستراتيجى، من ميعاد بدء شرارة المعركة وسريته الشديدة، وعبور حاجز مائى ملغم، خلفه أصعب حاجز ترابى شهدته تاريخ الحروب العسكرية، خط بارليف، والذى أجمع حينها، كل خبراء العسكرية فى العالم، على أن نسفه يحتاج قنبلة نووية، ثم والأهم، أن أبطال الجيش المصرى كانوا «صائمين» رمضان وهى عوامل، تشكل المستحيلات المركبة..!!
من هنا يكتسب انتصار أكتوبر 1973 أهمية بالغة، وعلامة بارزة وفارقة فى تاريخ الحروب التقليدية، ورغم ذلك، فإنه لا يعد عبورا وحيدا فقط عبرته مصر، وإنما هناك عبور أخطر، متمثل فى عبور مصر لإعصار ثورات «الخريف العبرى» فى يناير 2011 المدمر والهادف إلى إزالة البلاد من فوق الخريطة الجغرافية.
العبور الثانى، خطورته، متمثل فى عدد الأعداء والخونة فى الخارج والداخل المتخفيين مثل الأشباح، لا تبصرهم العيون المجردة، ونوع الأسلحة المستخدمة، عكس المعارك التقليدية، وأبطالها أعداء واضحين ومعلومين بالضرورة.
ووفقا لما سطره التاريخ فى عصوره المختلفة، أن معظم حروب مصر التقليدية التى خاضتها كانت على أرض سيناء، وأن ترابها معبق بدماء المصريين منذ الأسرة الفرعونية الأولى، وحتى الحرب الشاملة 2018 التى تدور رحاها حاليا على أرض الفيروز، لتطهيرها من «كلاب أهل النار».
سيناء، بجانب موقعها الجغرافى المهم، كونها رابطا بين القارتين الأفريقية والآسيوية، فإنها تعد أرضا تعانق فيها الكفاح المسلح عبر عصور مصر المختلفة، مع نضال التبشير بالرسائل السماوية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلامية.
الجانب المسلح، اتضحت ملامحه منذ عهد الملك «سمرخت» سابع ملوك الأسرة الفرعونية الأولى، قبل 3200 قبل الميلاد، عندما قاد حملة عسكرية إلى وادى المغارة موطن مناجم الفيروز فى سيناء ضد البدو الرحل هناك، مسجلا أخبار حملته بنقش على قطعة من الصخر وعليها صورته، والتى تعد أقدم أثر فى أرض الفيروز، وتبعه ملوك تلك الأسرة بحملات ومعارك مشابهة ضد الطامعين والمعتدين.
لكن ظهر الكفاح المسلح بملامحه الحقيقية كان فى عهد الملك أحمس الأول، الذى قاد جيش مصر وتحرك من طيبة «الأقصر حاليا» متوجها إلى الدلتا، حيث «أواريس» عاصمة الهكسوس، وطاردهم، حتى سيناء، ثم تلتها معارك مفصلية دارت على أرض الفيروز وحددت شكل وملامح الكفاح المسلح الحقيقى للحفاظ على مقدرات مصر وأمنها القومى، وأيضا كدرع حامى لامتيها الإسلامية والعربية.
فعلى أرضها دارت معركتان فارقتان فى تاريخ الأمتين العربية والإسلامية، الأولى عندما قاد صلاح الدين الأيوبى جيشا قوامه من المصريين، وطارد الصليبيين، وانتصر عليهم فى معركة حطين عام 1187 ميلادية، والثانية، عندما قاد سيف الدين قطر، جيش مصر، لإيقاف توغل المغول بقيادة «كتبغا» والذين أحرقوا الأخضر واليابس فى البلاد الإسلامية، من العراق لسوريا، وقرر مواجهتهم فى سيناء وانتصر عليهم فى معركة عين جالوت فى 25 رمضان الموافق الثالث من سبتمبر عام 1260 ميلادية، وتصنف المعركتان كأبرز المعارك الفاصلة فى التاريخ الإسلامى!!
كما شهد عام 1956 العدوان الثلاثى على مصر واحتلال سيناء وفى عام 1967، وقعت النكسة أو ما يطلق عليها حرب الأيام الست، انتهت باحتلال إسرائيل لكل سيناء وفى العاشر من رمضان، الموافق 6 أكتوبر عام 1973 شهدت أرض سيناء العبور العظيم للجيش المصرى، وهدم أقوى مانع مائى فى التاريخ الحديث، واسترداد الأرض.
والملاحظ، أن الانتصارين المدويين قديما وحديثا اللذين حققهما الجيش المصرى على أرض سيناء، كانا فى شهر رمضان، الأول عندما انتصر عليهم فى معركة عين جالوت فى 25 رمضان الموافق الثالث من سبتمبر عام 1260 ميلادية، والثانى، 10 رمضان، الموافق 6 أكتوبر عام 1973 ميلادية، وكأنها رسائل أن أرض الفيروز المقدسة تلفظ كل أعدائها فى أكثر الأيام تقديسا وإجلالا عند الله سبحانه وتعالى.
وتأكيدا على طهارة سيناء أنه فى عام 1800 قبل الميلاد، تقريبا، دخل أبو الأنبياء إبراهيم، عليه السلام، مصر عبر سيناء، وسار على ترابها المقدس، وتزوج جارية مصرية من «الفرما» وهو المكان القريب من القنطرة حاليا وأنجب منها إسماعيل، كما تجلى الله سبحانه وتعالى على أراضيها، وكلم نبيه موسى، كما سار فوق رمالها أيضا السيد المسيح عندما كان طفلا برفقة والدته العذراء مريم، وباقى العائلة، ومن بوابتها دخل عمرو بن العاص قائدا لجيش الإسلام، فاتحا مصر، ومبشرا بالأسلام.
الغريب فى الأمر، ورغم عبق تراب ورمال أرض الفيروز، فإن سيناء يعتبرها اليهود «أرض الخراب» ويؤكدون أن سيناء وردت فى التوراة باسم «حوريب» أى «الخراب»، والأغرب أن اسمها ورد فى اللغة المصرية القديمة وكتبت بالخط الهيروغليفى «توشريت» أى أرض الجدب والخلاء.
ومع ذلك استمر أطماع اليهود فى سيناء حتى العدوان الثلاثى فى 31 أكتوبر عام 1956، واحتلت القوات الإسرائيلية سيناء، وفى 5 يونيو 1967، كانت النكسة باحتلال إسرائيل لكامل شبه جزيرة سيناء، وبعد حرب 1973 استردت مصر أراضيها، كما تم رفع العلم المصرى على طابا فى مارس 1989 وكانت آخر بقعة من الأرض التى تم استعادتها.
ولَك الله ثم جيش قوى وشعب صبور يا مصر...!!
عدد الردود 0
بواسطة:
فكرى
شكرا على موجزك التاريخى للعزيزة الغالية سيناء الحبيبة
شقيقى استشهد فى 1973 دفاعا عن سيناء وتحريرا لها ومازال جسده الطاهر تحت رمالها . تحية لابطال مصر الذين ما زالوا يحاربون ويطهرون ارض الفيروز من رجس الارهابيين .