سوف يظل التوثيق والتسجيل واحدا من أهم النقاط المفصلية فيما يتعلق بالأحداث الكبرى، سواء فى السياسة أو الحروب، والتى تظهر موسميا وتذكرنا بأننا نفتقد للكثير من التفاصيل التى تخدم عمليات التأريخ والرصد السياسى، ويلفت النظر أن الكثير من الكتب والأفلام الوثائقية حول حرب أكتوبر أو غيرها من الأحداث، من مصادر إسرائيلية أو أمريكية، وقد جرت العادة أن الخارجية الأمريكية والبريطانية تفرج عن مجموعات من الوثائق والأوراق بموجب قوانين تحكم حرية تداول ونشر المعلومات، سواء بعد عشرين أو ثلاثين عاما. ومنها وثائق تتعلق بأحداث الشرق الأوسط أو المباحثات السياسية والعسكرية، وبالطبع فإن هذه الروايات تكون من زوايا ومصالح هذه الجهات، وتمثل وجهة نظر واحدة.
ويلفت النظر أن أغلب الكتب التى صدرت عن الحرب والسلام تعتمد على وثائق أمريكية أو إسرائيلية مما يجعلها عرضة للنقص والتحريف، ولا يمكن أن نبقى بعد 45 عاما على حرب أكتوبر مختلفين حول تفاصيل صغيرة، ولا يتعلق الخلاف حول عظمة هذه الحرب وبطولات الضباط والجنود لكنه غالبا ما يكون اختلافا سياسيا ينعكس على الحدث نفسه، وهى سمة من سمات التاريخ بشكل عام والفترات الحادة والخلافات الكبيرة، ولكل هذا تأتى أهمية التوثيق وتقديم الشهادات والأوراق والقرارات الأساسية كمادة خام محايدة وفى وجود التوثيق تتوقف التكهنات أو الافتراضات ومحاولات التلاعب.
وبالنسبة لحرب أكتوبر فإن كثيرا من البطولات المعروفة لجنود وضباط تم تسجيلها باجتهادات خاصة وليس بشكل منهجى وبالطبع ضاعت الكثير من الوقائع طوال سنوات، ونعرف أنه كان هناك مشروع لتسجيل شهادات القادة والجنود بشكل توثيقى، لكن هذا المشروع أصبح، ضمن أعمال أخرى، غير معروف المصير، وهناك بالطبع شهادات ومذكرات لقادة الحرب صدر بعضها فى أوقات متفرقة مثل كتاب الفريق الشاذلى والمشير الجمسى والفريق كمال حسن على، وركز كل منهم على الأحداث والقرارات الكبرى ضمن ما سمح به وقتها، وسجلت الصحافة الكثير من الشهادات والبطولات لأبطال مثل عبد العاطى وغيره، وفى بعض الكتب والمجلات محدودة التوزيع التى ظهرت يمكن العثور على قصص ووقائع متفرقة، لكن كل هذا يمكن أن يشكل جزءا بسيطا مما جرى ولكنه لا يقدم الصورة كاملة.
وخلال السنوات الأخيرة سعى بعض المجتهدين لنشر شهادات على شبكة الإنترنت أو مواقع التواصل الاجتماعى، لكن هذه الشهادت بقيت إما ناقصة أو من دون مصدر وتعرضت لعمليات نقل وقص ولصق مثل الكثير مما يجرى على الإنترنت.
ومن جانب آخر فإن بعض المناقشات الموسمية التى يديرها البعض عن أكتوبر أو حتى دور الشخصيات التاريخية مثل الرئيس جمال عبدالناصر أو أنور السادات، تدور بطريقة الألتراس، وحسب مدى انحياز الأشخاص لطرف أو آخر.
ويضاف لذلك أننا فى عصر السوشيال ميديا نرى سجالات حول وجهات نظر القادة فى حرب أكتوبر، ونكتشف أن السجال يدور بشهادات منتزعة من سياقها أو ناقصة، وتبدو بعض هذه المناقشات عبثية لكون من يمارسونها يستخدمون أجزاء منتزعة من شهادة هنا أو كتاب هناك. ونكتشف أن الخلافات السياسية تظلم التوثيق الحقيقى للحرب والانتصار وتضيع فرصة للمعرفة والتحليل بعيدا عن الانحيازات.
وكل هذا اللغط يعيدنا إلى النقطة الرئيسية وهى أهمية أن تنشر الجهات المعتمدة الأوراق والشهادت الأساسية خدمةً للتاريخ ولبطولات قواتنا بعيدا عن أى استقطاب سياسى، ويتم إطلاق الوثائق والأوراق حتى لا تبقى الشهادات الأساسية مكتوبة بأيدى العدو.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة