تشهد تركيا فى الفترة الحالية موجة جديدة من الهجرة إلى خارج البلاد، حيث يزداد أصحاب الخبرات يأسا من وطنهم منذ عام 2015، لأسباب عدة.
وبدأت موجات الهجرة، بعد الانتخابات المبكرة التى أجريت فى نوفمبر عام 2015، حين حقق الديكتاتور رجب طيب أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية" أغلبية كبيرة فى الانتخابات البرلمانية بعد وقت قصير من فقدان تلك الأغلبية فى انتخابات سبقت ذلك بأشهر معدودة.
كما ازدادت وتيرة الرحيل عن تركيا فى أعقاب تحركات الجيش للسيطرة على السلطة فى الخامس عشر من يوليو عام 2016.
وهناك ما لا يقل عن 10 آلاف مواطن تركى سعوا للجوء إلى اليونان منذ ديسمبر 2017، وفقا لتقرير شبكة "NBR" الأمريكية العامة.
فيما قال موقع "أحوال" التركى المتخصص فى كشف فساد نظام أردوغان، أن اليوم يخرج مزيد من الأتراك من خلفيات اجتماعية وسياسية مختلفة فى هجرة أخرى مماثلة لموجات الخروج التى أعقبت آخر انقلاب عسكرى حقيقى شهدته البلاد عام 1980.
فبينما زادت طلبات اللجوء من مواطنين أتراك إلى دول أعضاء فى الاتحاد الأوروبى، فإن من الصعب الإشارة إلى حجم الخسارة التى تتعرض لها الصناعات التركية، خاصة فى قطاع التعليم العالى.
وهناك أكثر من 6 آلاف أستاذ جامعى فصلوا من أعمالهم فى الجامعات العامة بموجب مراسم صدرت فى ظل حالة الطوارئ منذ محاولة الانقلاب الفاشلة، مثلما نشر معهد جيتستون قبل أيام.
كما قال المعهد أيضا إن عشرات من الأساتذة الجامعيين فى الجامعات الخاصة كانوا عرضة لعمليات استهداف.
وقول فاهيرى بيلن وهو أخصائى فى العلاج الطبيعى رحل عن تركيا بسبب اتهامه فى قضية جنائية "لكم كنت أتمنى أن أبقى وأن أكون عونا للناس فى بلدى".
أما سيرهات سيزجين، الذى أجبر على الشيئ نفسه ليتمكن من ممارسة مهنة الطب، فيقول إن المشكلة تكمن فى السلطة التى تقود البلاد.
ويضيف سيزجين: "لقد غضت الحكومة الطرف، فى هذه المرحلة، تركيا تخسر، فنحن نذهب إلى أوروبا ونحن مستعدون. نحن مؤهلون بما يكفى لاستيفاء الشروط المطلوبة فى أوروبا."
وقال الموقع الإخبارى الإلكترونى "ذا كونفيرسيشن" فى تحليل نُشر فى فبراير الماضى "فى كل مرّة من المرات العديدة التى كانت تركيا تشهد فيها انقلابا عسكريا، كان الصراع يسفر عن مثل هذه الهجرة، وهذه أشياء لا تزال تحدث اليوم منذ محاولة الانقلاب فى 2016".
وأضاف: "لكن فى هذه المرة، فإن كثيرا من حالات الهجرة من تركيا سبقت محاولة السيطرة على السلطة من قبل بعض قيادات الجيش".
ويبحث هذا التحليل المشار إليه بالأعلى فى أسباب ما يوصف بأنه "نزيف عقول" فى تركيا.
وهناك العديد من الدوافع التى جعلت الكثيرين يتخذون قرار الرحيل.
ويقول بيلن، وهو رجل كردى رحل عن تركيا قاصدا السويد بسبب عقوبة جنائية فُرضت عليه إنه لم يشعر أبدا بالاندماج فى المجتمع التركي.
ويضيف "حاولت أن أندمج فى البلد الذى ولدت به، ولو نحيت جانبا ماضيك وتاريخك وهويتك، سيكون بإمكانك الاندماج بشكل تام. ستكون شخصا كرديا صالحا".
وقال أيضا: "ولأنى لم أفعل أيا من تلك الأشياء، فلم أكن كرديا صالحا، وجدت نفسى مجبرا على الرحيل عن البلاد".
بدوره رحل السياسى والمؤلف الكردى الناشط لسنوات طويلة، حسن هايرى آتيش، عن تركيا مع رفيقته بسبب العقوبات الجنائية التى صدرت بحقه.
وأشار آتيش إلى أن عائلته رحلت أيضا بسبب السياسات التى تمارسها الدولة التركية.
وقال آتيش: "لقد جربت عائلتى النفى من الوطن بسبب سياسة التطهير العرقى التى مورست عام 1938. لقد أجبروا على البقاء فى منففى فى باليكسير لعشر سنوات".
وأضاف أن سياسات الدولة التركية حيال الأقلية من السكان الأكراد – الذين يشكلون نحو 15 بالمئة من الشعب التركى – قد دفعت الأكراد للهجرة على مر التاريخ.
وتابع "اليوم نعيش المنفى بطريقة أصعب كثيرا."
وبدأت قصة خروج المعلمة شيرمين بينجول من تركيا بطريقة مثيرة من خلال قصة نشرت فى صحيفة ينى شفق الموالية للحكومة الإسلامية فى تركيا.
فلقد خرجت صحيفة ينى شفق بعنوان يقول "فى هذه المدرسة الثانوية، لا توجد حصص دينية، بل هناك دعاية لحزب العمال الكردستاني."
وتشير الصحيفة إلى المجموعة المسلحة التى تحارب فى تركيا منذ ثلاثة عقود وتصنفها أنقرة باعتبارها تنظيما إرهابيا.
وكتبت هذه القصة كلمة النهاية لمسيرة بينجول التى امتدت على مدى ثلاثة عشر عاما. فلقد رحلت المعلمة إلى ألمانيا.
وقالت بينجول: "فى الواقع لقد كانت المدرسة هى المستهدفة، لقد تركت وحيدة وأجبرت على الرحيل".
وأضافت أنها لم تجد من تلجأ إليه بعد أن بدأت تصلها تهديدات مع انتشار المزاعم.
وتابعت بالقول "لم يكن هناك ما يمكننى القيام به".
وتذكر بينجول كيف أقدمت على إحراق مجموعة من كتبها داخل منزلها خشية أن تكون هدفا لحملة القمع التى تشنها الحكومة على المجموعات الكردية فى أعقاب محاولة الانقلاب العسكرى الفاشلة عام 2016.