تعيش دول شرق آسيا، وسط أجواء سياسية ودبلوماسية متوترة على مدار عقود ماضية، ورغم وجود ظروف عامة تجمع تلك الدول فى أسباب التوترات التى تشهدها المنطقة، إلا أن كل دولة كان لها شئ من الخصوصية أيضًا فى أسباب الاضطرابات التى تواجه قيادتها السياسية، سواء كانت على المستوى الداخلى للدولة أو خارجيًا فيما يتعلق بدول الجوار، وكذا العلاقات الدولية مع باقى دول العالم.
وبتسليط الضوء على أحدى القوى الاقتصادية الكبيرة فى منطقة شرق آسيا، وتحديدًا الإمبراطورية اليابانية، وهى الدولة الصناعية الكبرى الواقعة بين المحيط الهادئ وبحر اليابان، وشرق شبه الجزيرة الكورية، نجد ملفات شائكة تمثل عبئًا وثقلًا على رئيس الوزراء اليابانى شينزو آبى، الذى استمر لفترة ثانية فى زعامة بلاده بعد تمكن تحالفه المتمثل فى الحزب الليبرالى الديمقراطى، برئاسته، وحزب كوميتو، من حصد أغلبية مقاعد البرلمان فى الانتخابات التى أجريت فى أكتوبر الماضى، لتحافظ على بقاؤه فى قمة الهرم التنفيذى لسلطات بلاده.
غضب شعبى ضد "شينزو آبى" بسبب القاعدة الأمريكية فى أوكيناوا
ويواجه رئيس الوزراء اليابانى، ملفات شائكة عدة على المستويين الداخلى والخارجى، ولعل أكثر ما يؤرقه هو الملفات الداخلية، فبداية، تواجه حكومة "آبى" مظاهرات واحتجاجات تخرج بمشاركة عشرات آلاف المواطنين فى محافظة أوكيناوا، الواقعة جنوب اليابان، بسبب مساعى الحكومة لنقل قاعدة فوتينما الجوية التابعة لمشاة البحرية الأمريكية ضمن اطار المحافظة التى رفعت إدارتها دعوى قضائية ضد الحكومة المركزية، فى يوليو الماضى، للمطالبة بإيقاف أعمال التشييد وردم مياه البحر على طول الساحل فى حى هينوكو.
ومعارضة سكان المحافظة اليابانية لوجود القاعدة الأمريكية يعود إلى كثرة الحوادث المترتبة عليها التى يدفع فاتورتها المواطن اليابانى، وتنوعت أضرار الوجود العسكرى الأمريكى على الأراضى اليابانية والتى تثير مخاوف المواطنين على أرواحهم وسلامة أبنائهم، وتجسد ذلك فى سقوط نافذة مروحية أمريكية داخل مدرسة إتسوكو الابتدائية، منتصف شهر ديسمبر الماضى، إثر خطأ من الطيار، وكذا مقتل مواطن يابانى مسن خلال شهر نوفمبر الماضى، نتيجة حادث سير، حيث صدمه جندى مخمور من المارينز بسيارته، والذى كشفت الاختبارات الطبية أن نسبة الكحول داخل جسدة تبلغ 3 أضعاف النسبة المسموح بها قانونًا.
حوادث القوات الأمريكية المتكررة تهدد حياة اليابانيين فى وطنهم
وكان من بين حوادث القاعدة الأمريكية فى اليابان، التى تضم فى قوامها 50 ألف جندى، مقتل سيدة يابانية على يد موظف سابق بالقاعدة الجوية، الذى أصابها فى رأسها وطعنها فى الرقبة بسكين أثناء محاولة اغتصابها، وحوكم على خلفية جريمته بالسجن مدى الحياة ودفع تعويضًا لأسرة الضحية، ولم تكن قاعدة "فوتينما" مصدر الخطر الوحيد، بل كان لقاعدة "ميساوا" الجوية خطورتها أيضًا، وأخر حوادثها كانت، اليوم الثلاثاء، حيث اضطرت مقاتلة تابعة لسلاح الجو الأمريكى من طراز "اف 16"، إلى تفريغ خزانى وقود فى بحيرة "اوجوارا" شمال اليابان، عقب اندلاع النيران فى محركها، ولكن دون وقوع اصابات بسبب وقوع الحادث بعيدًا عن المناطق المأهولة بالسكان.
وكل هذه الحوادث الشنيعة سواء الناتجة عن أخطاء فنية أو الاعتداءات العمدية، كانت كفيلة فى مجملها لإثارة غضب المواطنين اليابانيين تجاه حكومتهم، معتبرين موقفها تخاذلًا وعدم اهتمام بسلامتهم، وفى المقابل، حاول رئيس الوزراء اليابانى، احتواء تلك الأزمة التى تفاقمت بشكل كبير، ولكن دون التراجع عن خطط نقل القاعدة العسكرية، فرغم تأكيده المضى قدمًا فى خطة نقل قاعدة فوتينما الجوية، من منطقة ذات كثافة سكانية عالية إلى مدينة ناجو فى شمال أوكيناوا، إلا أنه طلب فى الوقت ذاته من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أن يضمن اتخاذ إجراءات صارمة خاصة بمعايير السلامة للعمليات التى تجريها طائرات الجيش الأمريكى فى مقاطعة أوكيناوا اليابانية.
وفى اطار الجهود الرسمية المتضامنة مع الغضب الشعبى، تبنى مجلس مقاطعة (اوكيناوا) اليابانية، فى ديسمبر الماضى، قرارا بالإجماع يطالب بوقف الطلعات الجوية والمناورات الخاصة بالطائرات العسكرية الأمريكية فوق المدارس والمستشفيات، كما طالبت حكومة أوكيناوا، قوات المارينز الأمريكية، بعدم الطيران مجددًا باستخدام طائرات "أوسبرى"، التى وقعت على إثر تحليقها فى سماء اليابان، حوادث عديدة هددت حياة المواطنين.
شبهات التورط فى ملف فساد يلاحق رئيس الوزراء اليابانى
وعلى المستوى الداخلى أيضًا، يواجه "شينزو آبى"، غضبًا شعبيًا بسبب مزاعم تورطه فى شبهة محسوبية لصالح أصدقائه القدامى، حيث تشهد المدن اليابانية مظاهرات متتالية بسبب شبهات تشير إلى تورط رئيس وزراء اليابان فى ملف فساد متعلق بإنشاء مدرسة لرياض الأطفال لأحد أقاربه، لذا يطالب المتظاهرون الغاضبون الحكومة بعدم التستر على مثل هذه الشبهات.
وفى مواجهة الاتهامات التى تلاحقه، أكد رئيس الوزراء اليابانى، ومساعدوه، أكثر من مرة، عدم تدخلهم لمساعدة مؤسسة كاكى التعليمية للحصول على موافقة لإنشاء مدرسة للطب البيطرى فى منطقة اقتصادية خاصة، وتعود تلك الأزمة إلى أن مدير هذه المؤسسة كوتارو كاكى، صديق لـ"شينزو آبى".
كوريا الشمالية ملف يثير قلق المسئولين اليابانيين
ويأتى على قمة الملفات المؤرقة لرئيس الوزراء اليابانى، القضية النووية فى شبه الجزيرة الكورية، حيث تعتبر كوريا الشمالية - النشطة نوويًا رغم الرفض الدولى - طوكيو أحد ألد أعدائها فى المنطقة، وذلك بسبب قربها الشديد من الولايات المتحدة، وإنشائها قواعد للقوات الأمريكية على أرضها، ورغم أن كوريا الجنوبية هى الأخرى تستضيف قوات أمريكية وأنظمة دفاع صاروخية مثيرة للجدل على أراضيها، إلا أن وطأة الخلاف بين بيونج يانج، وطوكيو، أشد بكثير بما لا يسمح بوجود أى مجال للحوار بين البلدين، على عكس الشطر الشمالى، وسول، والصين، الذين تجرى بينهم نقاشات وتواصل دبلوماسى ضعيف بين الحين والآخر.
وفى هذا الصدد، ترفع اليابان من مستوى التعاون العسكرى مع الولايات المتحدة، فخلال الأسبوع الماضى، أعلنت وزارة الدفاع اليابانية، أن قواتها ستجرى بالتعاون مع القوات الأمريكية، مناورات محاكاة على نطاق واسع للدفاع الصاروخى الباليستى فى آخر عرض للوحدة ضد تهديدات كوريا الشمالية، وتهدف تلك المناورات السنوية بين البلدين إلى تعزيز المهارات التكتيكية للدفاع الصاروخى الباليستى، والتى أجرتها قبل ذلك البحرية اليابانية والأمريكية، خاصة وأن معظم التجارب الصاورخية لكوريا الشمالية، تسقط على مقربة من الشواطئ اليابانية.
وفى إطار التصعيد اليابانى فى مقابل التحدى الكورى الشمالى لكافة الاعتراضات الدولية على تطوير برامجها النووية وصواريخها الباليستية، أكد رئيس الوزراء اليابانى شينزو آبى، منتصف الشهر الجارى، إن بلاده ستواصل ممارسة المزيد من الضغوط على كوريا الشمالية، على الرغم من دعوتها لعقد قمة ثنائية مع جارتها الجنوبية.
وأضاف آبى - وفقا لهيئة الإذاعة اليابانية، حينذاك - إنه سيواصل التشاور مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، من أجل التأكيد على تعاون طوكيو وواشنطن بشكل وثيق فى القضية الكورية الشمالية، مشيرًا إلى أن بيونج يانج تواصل تطوير أسلحة نووية وصاروخية، مشددًا على الحاجة إلى زيادة الضغوط ضدها من أجل دفعها إلى طاولة المفاوضات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة