سنوات طويلة كان التعامل فيها مع الأعراض الناتجة عن الإرهاب كرد فعل له من خلال توجيه بعض الضربات الأمنية لمنفذى عملية إرهابية هنا أو هناك، أو القبض على بعض الإرهابيين أو المشتبه بهم من دون أن تتوصل التحقيقات غالبًا إلى ما يشفى الغليل، حيث إن مَن يقعون فى قبضة رجال الجيش والشرطة أو مَن يلقون حتفهم بفعل الضربات الأمنية والعسكرية الموجعة التى توجَّه لهؤلاء المفسدين فى الأرض، ليسوا هم مَن يفكرون ويخططون ويديرون العمليات الإرهابية التى تحدث بين الفينة والأخرى، وإنما هم الحلقة الأخيرة–وربما الأضعف–فى هذه العمليات؛ حيث ينفذون ما يكلفون به ولا يعرفون كثيرًا عمن كلفهم، فهم فى الغالب إما أغراهم المال أو غيره من شهوات الدنيا، أو دلس عليهم هؤلاء الذين يقودونهم ويفكرون لهم بأن ما يقومون به من جرائم هو جهاد فى سبيل الله! وهؤلاء المغرر بهم لا يدلون عند سؤالهم بأقوال تكشف حقيقة المدبرين والمخططين والممولين، فيستمر هذا الإرهاب الأسود بعناصر جديدة تُلتقط من هنا وهناك.
والقضاء على الإرهاب فى الحقيقة لن يتم بشكل جذرى فى ظل التعامل مع العرض الناتج عنه مهما كان هذا التعامل قويًّا وموجعًا، وإنما يكون من خلال المواجهة الحقيقية لأصل المرض على المستويات الأمنية والعسكرية والفكرية وغيرها، ولذا فإن المواجهة الحقيقية–وربما تكون الوحيدة–التى تستهدف أصل الداء عسكريًّا وفكريًّا فى الوقت ذاته هى المواجهة المصرية الشاملة لهذا الإرهاب الأسود، فهى تعمل منذ سنين على محورين: الأول: المواجهة الفكرية التى يقودها الأزهر الشريف بالتعاون والتنسيق مع الجهات المعنية داخل مصر وخارجها، وذلك من خلال تصحيح المفاهيم وتفتيت فكر الجماعات الإرهابية المتطرفة الذى هو من وجهة نظرى فكر مصطنع، وليس فهمًا خاطئًا أو اعتقادًا حقيقيا، فما هذا الفكر الذى أُريدَ له أن يكون هكذا إلا ذريعة لتحقيق مآرب مَن يديرون هذا الإرهاب الأسود من وراء البحار، لكنها مع الأسف الشديد أُعدت بإحكام لتجنيد الشباب واستقطابهم إلى صفوفهم ليكونوا الأدوات التى ينفذون بها مخططاتهم.
وقد تحدثت عن تلك المواجهة الفكرية فى مقالات سابقة، وبينت أنها تقوم على تفنيد شبهات هؤلاء المتطرفين، وتفتيت فكرهم، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التى دلستها هذه الجماعات وحرفتها عن معانيها الصحيحة، كالخلافة والدولة الإسلامية والجهاد، وغيرها من المفاهيم. وهنا أقرر أن الأزهر الشريف يقود جهود تفنيد وتفتيت هذا الفكر المتطرف ليس لإقناع هؤلاء الإرهابيين ولا أملًا فى هدايتهم، وإنما لصنع حائط صد منيع بينهم وبين الشباب حتى لا يقع مزيد من الشباب فى براثنهم.
أما المحور الثانى فهو المواجهة المسلحة، وهى الجهود الأمنية والعسكرية التى تقوم بها قوات الجيش والشرطة فى مختلف أنحاء البلاد، ولعل أضخم هذه الجهود وأشملها (عملية سيناء 2018م)، تلك العملية المباركة التى ذكرتنا بحرب العزة والكرامة التى شنتها قواتنا المسلحة فى السادس من أكتوبر عام 1973م. وربما تكون هذه العملية من وجهة نظرى أعقد من عمليات أكتوبر المجيدة، فحرب أكتوبر وغيرها من حروب المواجهة مع العدو الخارجى كانت حرب جيوش نظامية، وفى مكان محدد، ولمدة زمنية معينة غالبًا ما تكون قصيرة، بخلاف الحرب على الإرهاب، فهى حرب أشبه ما تكون بحرب العصابات، وتكون فى بؤر متفرقة على مساحات شاسعة وفى أماكن مختلفة، وغالبًا ما تكون طويلة المدى، ومما يزيد من صعوبتها أن بعض هذه البؤر تكون قريبة من المدنيين وربما تكون بينهم، مما يجعل عمليات الاستهداف تحتاج إلى دقة بالغة ومعلومات غاية فى الدقة حتى لا يؤذى المدنيون.
وهذه المواجهات الفكرية والأمنية والعسكرية تستهدف أصل الداء، وهو اقتلاع جذور الإرهاب واستئصال شأفته من مصرنا الحبيبة، وهو ما سيحدث بإذن الله، لتعود مصر إلى ما أراده ربنا لها، وهو ما عبر عنه فى كتابه بقوله: «ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ». وما من شك لدينا فى أن هذه الجهود المباركة ستحقق أهدافها بفضل الله تعالى وتوفيقه ليصبح الإرهاب فى بلادنا جزءًا من الماضى، لكن الحذر كل الحذر أن يبقى لهذا الإرهاب ذيول وأذناب فى دول أخرى تفتقد الإرادة والقدرة على التصدى لجماعات الشر بها، وأن يبقى الإرهاب سلاحًا تستخدمه دول كبرى لتحقيق أهداف استعمارية دون تحريك جيوشها من خلال عناصر محلية تعانى بعض المشكلات فى المجتمعات المستهدفة أو عناصر أجنبية مستأجرة!
ومن المهم فى سياق المواجهة الشاملة للإرهاب أن تستمر المواجهة الفكرية من أجل تحصين الأجيال الناشئة من خطر الوقوع فى براثن أسلافهم الذين نواجههم الآن، وأن يستمر التعاون والتنسيق مع الجهات الفكرية المعنية لتوحيد الرؤى والأهداف وإن اختلفت الوسائل فى هذا الشأن.
ومن المهم أن يستمر إحكام السيطرة على حدودنا ومنافذنا البرية والبحرية حتى لا يبقى خطر الإرهاب العابر للحدود شبحًا يهدد أمننا، ولمنع محاولات تسلل هؤلاء المتربصين بنا، مع اتخاذ تدابير صارمة وعقوبات رادعة لكل مَن تسول له نفسه التواصل مع هؤلاء المجرمين أو التعاون معهم، فتجفيف منابع الإرهاب وقطع الصلة بين صناعه ومنفذيه لا يقل أهمية عن القضاء على المباشرين له.
ومن المهم كذلك كشف الأسباب الحقيقية للإرهاب، وفضح صناعه وداعميه والمنظرين له من خارج الحدود، وعلينا ألا نبقى فى الدائرة التى ندور فيها الآن من رد الإرهاب إلى جماعات محلية فقط نتيجة خلل فى المناهج الدراسية كما يحلو لكثير من الناس الدوران فى فلك هذه التهمة دون التطرق للأسباب الحقيقية لهذا الإرهاب الأسود الذى صنعه صانعوه وصدروه إلى بلادنا كسلاح فتاك للإجهاز على أمتنا وتدمير دولنا واستنزاف ثرواتها والقضاء على مستقبل أفضل لشبابها.
ومن المهم فى هذا السياق أيضًا أن تتضافر الجهود لحل مشاكل الشباب كالبطالة والفقر والجهل والمرض، حتى لا يكونوا صيدًا سهلًا للباحثين عن منفذين لخططهم الإرهابية، ومن الضرورى كذلك العمل الحثيث على تعزيز مفهوم وقيمة حب الوطن والانتماء إليه فى نفوس الناشئة والشباب من خلال أنشطة وبرامج عملية، فإننا إذا فعلنا ذلك استدام الأمن والاستقرار فى بلادنا وإن استمر خارج حدودنا. حمى الله مصرنا الحبيبة وسائر بلاد العرب والمسلمين، ورد كيد المتربصين والمغرضين فى نحورهم وجعل تدميرهم فى تدبيرهم.
عدد الردود 0
بواسطة:
سيساوي حتي النخاع
لسه فاكر يا موﻻنا
المفروض المقال ده كان يبقى قبل اللى فات ومن المهم يا موﻻنا ان الغربال يشتغل فى اﻻزهر ليطهره من خبثه ومن المهم يا موﻻنا ان تنورا الناس وتبصرونهم بئمور دينهم بخطط مدروسه شوف عدوك بيفكر ازاى فى هدم دينك وبﻻدك وضع خطط محكمه لصد هزا الفكر اﻻسود متنموش فى ميه البطيخ وتصحوا بعد فوات اﻻوان ضﻻل اﻻفكار اخطر من تسمم الطعام اتقوا الله فى الشعوب واﻻوطان وبينوا الناس قبل مايحدث المصائب والخراب