ست سنوات مرت على رحيل البابا شنودة الثالث البابا 117 للكنيسة القبطية تغير فيها الكثير داخل سور الكاتدرائية وفى فضاء المجتمع الواسع، منذ يوم الـ17 من مارس عام 2012 وهى التغيرات التى ظهرت فى بعض الصور.
مجددون وتقليديون.. الجدل مستمر
عرفت الكنيسة القبطية فى عصرها الحديث، أستاذين كبيرين من رهبان الصحراء الشباب، "أنطونيوس السرياني" الذى صار الأنبا شنودة أسقف التعليم ثم البابا شنودة الثالث، أما المعلم الثانى فهو القمص متى المسكين.
أوصل القدر الأنبا شنودة لسدة كرسى مارمرقس وصار بابا للكنيسة، فى حين ظل القمص متى المسكين كعلامة على مدرسة كنسية ورهبانية تقدمية لها تلاميذها ومريديها فى عصر البابا شنودة الذى اتسمت أفكاره بالتقليدية إذ يحلو لتلاميذه تسميته بحامى الإيمان أو الأسد المرقسى، وكان لهؤلاء التلاميذ من اللاهوتيين والإداريين الغلبة فى إدارة شئون الكنيسة بل وفى وضع لبنات إضافية فى عقيدة "التسليم والتسلم" التى تؤمن بها، وظل الوضع هكذا حتى رحل البابا، فانتقل تلاميذه من مواقع القيادة إلى مواقع أبعد نسبيًا فى هذه الآونة، كان تلاميذ القمص متى المسكين ومدرسته الرهبانية، عاكفين على الترجمة والنشر والكتابة فى ديرهم " أبو مقار ببرية شهيت"، ينتجون الكتب والترجمات ويعملون بالتنظير.
السنوات الأخيرة فى الكنيسة وبعد كل تلك التغيرات التى خلفتها وسائل التواصل الاجتماعى وثورة المعلومات، أبرزت النقاشات الدينية واللاهوتية بين أتباع المدرستين وأخرجتها للمجال العام وصارت تركة البابا شنودة من الكتب والمؤلفات عرضة للنقاش والأخذ والرد بعدما كانت فوق مستوى النقد ككتب الوحى.
قضية الأحوال الشخصية التى يتمسك فيها البابا شنودة بعبارة واحدة هى "لا طلاق إلا لعلة الزنا" كانت أحد تجليات هذا الجدل إذ انخرط كل فريق من التقليديين والمجددين يحاول أن يدافع عن وجهة نظره متسلحًا بما قرأ من كتابات وما فسر من إنجيل، حتى انتهت الأزمة بحل وسط يرضى المدرستين، الحل الذى اهتدى إليه المجمع المقدس للكنيسة منذ عامين يوسع أسباب الطلاق عند الأقباط ولا يلغى ما ذهب إليه البابا الراحل.
وأعادت الكنيسة تفسير القول "لا طلاق إلا لعلة الزنا" واعتبرت أن هجر الزوج أو الزوجة مثلًا من مسببات الزنا، ووضعت شروطًا أخرى لفسخ الزيجة كالإدمان والإلحاد وغيرها لتتجاوز أزمة كبيرة وقعت فيها الكنيسة منذ عام 2008 بعدما قرر البابا الراحل غلق باب الطلاق الذى كان مواربًا من قبل.
عظة البابا.. من العادة إلى التقليد
البابا شنودة هو أول بابا فى تاريخ الكنيسة يعتمد عظة الأربعاء كطقس كنسى متبع، حيث بدأها عام 1964 لما كان أسقفًا للتعليم وظهرت العظة كاجتماع صغير فى مطعم الكلية الإكليريكية وبمرور الوقت صار لأسقف التعليم، محبين ومريدين يرغبون فى الاستماع إلى محاضرته التى يمزج فيها بين السياسة والثقافة والروحانيات، بما كان يمتلكه من مهارات فى الخطابة ووعى كبير، ثم انتقلت العظة إلى الكنيسة الأسقفية بكلوت بك من أجل إفساح المجال لعدد أكبر من الحاضرين، ولما تم اختياره بطريركا نقلت العظة إلى القاعة الكبرى بالكاتدرائية عقب افتتاحها.
وتعد عظة البابا ليست تقليدًا كنسيًا راسخًا ولا تلزم أى بطريرك بها، فقد كان البابا كيرلس السادس الذى سبق البابا شنودة، لا يعظ ولا يتحدث مع شعبه، ويفضل قيادة صلوات القداس الإلهى كل صباح بديلًا عن العظة، وكانت الكاتدرائية مفتوحة أمام الشعب للصلاة خلف البطريرك، إلا أن اعتياد شعب الكنيسة على عظة البابا كل أربعاء دفعت البابا تواضروس لها وصارت عرفًا.
ونقل البابا تواضروس العظة لساحته، لا يجيب على أسئلة الشعب كما كان يفعل سلفه، ولكنه يكتفى بالوعظ الروحى والتأمل فى الكتاب المقدس واستخراج الدروس والعبر منه كطريقة خاصة للبابا الحالى لا تشبه طريقة البابا شنودة.
البابا وإعادة ترتيب البيت
كان البابا شنودة مشغولًا بالتوسع فى الداخل والخارج، يعمر أديرة ويبنى كنائس ويكتب الكتب، ويخرج التعاليم، وطوال 40 عامًا من وجوده كبابا للكنيسة اتسعت كنيسته ووصلت لما يقرب من 55 دولة فى العالم وتضاعف عدد السكان ومن ثم الأقباط فزادت أعباء الخدمة الكنسية.
البابا تواضروس
حين جاء البابا تواضروس، قرر إعادة ترتيب التركة، وهندستها من جديد، ورأى فى الإدارة الكنسية حلًا سحريًا لمشاكل كثيرة واجهته، وأدخل الكمبيوتر إلى قواعد بيانات الكنيسة فلقبه الأنبا موسى مازحًا بـبابا الأنترنت
البابا تواضروس، الذى كان يدرس الإدارة بإنجلترا استغل مهاراته فى بناء مؤسسة الكنيسة، العصر الجديد لا يسمح بالتعامل مع صيغ الماضى، فأسس لها مركزًا إعلاميًا وأعاد تقسيم الإيبراشيات لتتوازى مع الزيادة الضخمة فى عدد السكان.
ترتيب الكنيسة مرة أخرى غير شكلها وهيكلها لكنه لم يغير جوهرها إلا بما تطلبه العصر الجديد من متغيرات فرضت نفسها وحاولت المؤسسة التقليدية اللحاق بها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة