- شهادتك على ورق البردى بــ 15 جنيها وهتفضل معاك مدى الحياة بدون تلف
- أهالى قرية القراموص يتعهدون بتصنيع مصحف من البردى وإهدائه للقدس
- الفتيات استطعن الزواج وتحمل تكاليف زواجهن من العمل بالبردى
- أهالى قرية القراموص ينتظرون الدعم لاستكمال زراعته بعد تقلص مساحته لـ"10 أفدنة"
- قرية القراموص نموذج للقرية المنتجة بسبب نبات البردى وتحولت المنازل إلى مصانع صغيرة
فى كل ركن بشوارعها الضيقة الأصيلة تستقر علامة لمهنة أتقنتها الأجيال عن الفراعنة، ففى الحقول تترعرع عيدان البردى الأنيقة المميزة المشعة خضارا، لمدة من 6 إلى 8 أشهر حتى ينمو ويأخذ قوامه، وبفضل صُناعه يتغير إلى اللون الذهبى الأصفر اللامع حتى تصبح بردية فى شكلها النهائى.
القرية تعيش على نبات البردى
أهم ما يميز القرية تمسك أهلها بالورقة العريقة، فلم يخلو منزل إلا وتزين جدرانها أحد المشاهد الفرعونية القديمة، وبعض الآيات القرآنية المكتوبة على البرديات، هذه الرقعة الزراعية التى تضم مئات المنازل، ويحيطها الحقول المزروعة بنبات البردى، ويعمل بها أهلها منذ عشرات السنين، وتفردوا بها، وحققت رخاء عظيما لأفراد القرية، الكبير والصغير والفتيات حتى ربات البيوت، استفدن منها، وبات يعملن فى منازلهن ويحققن دخلا كبيرا، ولكن بعد مرور الوقت توقف هذا المشروع جزيئا وهدأت معها الأحلام، وانقطعت معها الآمال وتدهورها بسبب قلة الدعم وتجاهل لمطالبهم.
رغم المعاناة الكبيرة التى تشهدها القرية تجاه الوضع المتدهور الذى وصلوا إليه، إلا أنهم فضلوا الاستمرار فى المهنة التاريخية التى تتفرد بها، على عكس باقى القرى التى تقوم بتبوير الأرض والبناء عليها، مما يهدد هذه المهنة بالاندثار والاختفاء، وذلك بسبب تقلص المساحات المزروعة، وعزوف البعض عن زراعته لما يتطلب من مياه كثيرة، بالإضافة إلى تكلفة السماد المرتفعة للغاية الذى يحتاجه النبات خلال مراحل زراعته، بحسب ما أكده عدد من الأهالى.
مبادرات الأهالى لإحياء ورقة البردى
مصاعب وتحديات محملة بالغيوم تواجه أهالى القرية واليد العاملة، التى عصفت بعدد كبير منهم، إلا أن المتبقين منهم، لازالوا يروا بصيصا من الأمل يهرولون ورائه، لم يمكثوا فى منازلهم كالآخرين أو البحث عن وظيفة بالعاصمة المكتظة، بل قرروا تقديم أفكار خارج الصندوق خدمة لبلدهم وفى نفس الوقت تحقق استفادة لشريحة كبيرة من العامة، فبادروا بتبنى عدد من الحملات والدعوات لإحياء ورقة البردى الفرعونية من جديد، أدلوا بها خلال حديثهم لليوم السابع وينتظرون دعما من الدولة كالتالى:
وأكدوا أن مبادرتهم للاستفادة من ورقة البردى بتصنيع التذاكر السياحية، ستكون تكلفتها رخصية للغاية، وستعم بالترويج السياحى والرخاء والخير، خاصة أن السائح الأجنبى يعشق هذه الورقة الفرعونية، ويتلهف على اقتنائها بأى ثمن خلال زيارته لمدينة شرم الشيخ، مما يجعله يحتفظ بالتذكرة معه مدى الحياة ويتداولها مع أقاربه، ويسهم ذلك فى تنشيط السياحة عالميا لمصر.
"شهادتك على ورق البردى بــ15 جنيها..وهتفضل معاك مدى الحياة"، هى مبادرة أخرى وعد بها أحد شباب القرية يدعى، أحمد عبد العال، صاحب مطبعة، الطلاب الجامعيين، بتصنيع شهادة التخرج من الورق الفرعونى، والبدء فى تنفيذها، والتى تجعل من الشهادة قيمة يفتخر بها الخريجين بعد انتهائهم من الدراسة للدخول فى سوق العمل، وستكون تكلفتها من البردى أرخص من الورقة العادية، بحيث لا تزيد عن عشرين جنيها.
وأكد "عبد العال" خلال تصريحه لــ«اليوم السابع»، أن الألوان تحتفظ برونقها لفترات طويلة دون أن تبهت، بالإضافة إلى استحالة قطعها أو تعرضها للتلف، بحيث تعفيه من استصدار بدل تالف التى تحدث للورقة العادية الحالية مع مرور الزمن، وكذلك هو الحال مع تذكرة الطيران.
وأعلن صاحب المطبعة استعداد الأهالى فى العمل بالمشروع، وتنفيذها كمرحلة أولى على طلاب كلية الآثار وتعميمها على باقى الكليات فى حال نجاحها، مؤكدا أن العمل سيتم بنجاح خاصة أنه سيساهم فى إعادة تشغيل مئات الأسر مرة أخرى وعودة الرخاء بالقرية، وتوظيف ربات البيوت والعمل من داخل منازلهم، متسائلا "هل تستيجب وزارة التعليم العالى أو الأثار؟".
نبات البردى مشروع لكل بيت بالقرية وقودها ربات البيوت
شاركن عدد من ربات البيوت والفتيات بالحديث عن همومهن وطموحاتهن، أدلوا فى بداية حديثهن أن العمل فى نبات البردى بمثابة نموذج للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغير التى تحث عليها الدولة، حيث يعمل فيها الفلاح ويستفاد من زراعته، ليتم توريدها إليهن إلى المنازل والتى وصفوها بمثابة مرحلة الصناعة البدائية، للعمل عليها وتجهيزها إلى رقاق بأدوات بدائية رخصية، حتى الوصول إلى المرحلة النهائية وهى الرسم والطباعة، مشيرين إلى أن كل مرحلة من مراحل ورق البردى ينتفع منها كثيرين، خاصة أنها تشترك فيها الزراعة والصناعة والتجارة.
وناشدت ربات البيوت، الحكومة بمزيد من الدعم والاهتمام، وتفويض الجهات المختصة تتمثل فى "وزارة الزراعة والرى والتعليم العالى ومحافظة الشرقية"، لتذليل العقبات لديهم والتعاون معهم للحفاظ على نبات البردى، ومساعدة الأهالى ليدب الأمل من فيهن من جديد، وذلك بعد تقلص المساحات المزروعة من ٤٠٠ فدان إلى خمسة عشرة فدانًا فقط، مؤكدين أن الأفراد كانوا يفضلون زراعة البردى فى الفترات السابقة، ولكنهم أمتنعوا عن زراعتها فى الوقت الحالى.
مشاكل تواجه النبات والصناعة
أحد المشاكل التى تواجه القرية، هى نقص المياه لرى النبات، حيث يتطلب ريه أسبوعيا، حيث أكد حسام طرخان، أحد العاملين، أن نبات البردى يحتاج إلى التشبع بالمياه ليترعرع وينمو سريعا، حيث يتم ريه مرتين أسبوعيا حتى يأخذ عود البردى طولا وعرضا كبيرا، لافتا إلى أن الأهالى باتوا يعتمدون على مضخات المياه المنصوبة فى الأراضى، كأحد المقترحات لمواجهة الجفاف، باستخدام المياه الجوفية.
وأوضح أن حل المشكلة بشكل مؤقت يتلخص فى الاستفادة من مياه الصرف الصحى عبر المصرف الذى يمر على القرية، وتخصيص المناطق المحيطة به لزراعة البردى واقتصارها عليه فقط بعمل وحدة معالجة للمياه، حيث يستطيع النبات التأقلم مع هذه المياه ومنع رى الزراعات الأخرى التى تنتج المواد الغذائية كالقمح والذرة والأرز والبرسيم، كأحد الحلول والبدائل للتغلب على مشكلة المياه، مطالبا وزارة الزراعة والرى بضخ كميات كبيرة من المياه العذبة للقرية لرى الأراضى.
وأشار إلى أن هذه المشكلة جعلت الأهالى فى الوقت الحالى، ينتجون أعمالا محدودة بالطلب، ويكتفون بإصدار كميات صغيرة من البرديات، وذلك بسبب التهميش وقلة الرعاية، حيث لا يتم صرف أسمدة من الجمعية الزراعية للنبات، ويقتصر على المنتجات والمحاصيل الأخرى، وعند طلب السماد أو الملح يشتريه الفلاح بسعر مبالغ فيه بدون دعم لا يقدر على ثمنه، تبلغ سعر الشيكارة 300 جنيه لا تكفى لقيراطان.
تكلفة الشحن العالية أحد الأسباب، التى عزفت المواطنين عن العمل بالبردى، حيث أن بإماكنهم تجهيز نحو الالآف القطع من البرديات فى مدة لا تتجاوز شهرا، ولكن عوائق التكلفة العالية للشحن والضرائب المعقدة والرسوم الباهظة، بالإضافة إلى الإجراءات الروتينية لإرسالها للخارج، والتكلفة العالية فى التصدير تشكل عبئا كبيرا عليهم، موضحين أن تنفيذ وتجهيز 300 كيلو من البرديات، يتم دفع أكثر من 55 ألف جنيها ضرائب ومصاريف للشحن، مما يسبب خسائر للأهالى وعدم تحقيق أى هامش ربح، فى حين المنتجات الصينية معافاة من الضرائب تماما وتضارب ضد السوق المصرى.
المنافسة مع المنتج الصينى ومخاوف اكتساح المقلد
وفيما يتعلق بالغزو الصينى ومنافسة المنتج المحلى، أكدوا أن هناك اختلاف شاسع بين ورق البردى الأصلى المصرى والصينى فى ملمس الورقة، ورغم ذلك يحظى المنتج الصينى بالتسويق والترويج داخليا وخارجيا، مما يؤثر على المنتج المصرى الأصيل، والذى يحارب الأهالى الذين يعملون بالمهنة.
وأضاف أن الاهالى نجحوا فى تصدير عدد من الصفقات السنوات الماضية لدول أوروبية، عبارة عن كراسات للرسم مصنوعة من الورق البردى بمواصفات محددة، لافتا إلى ضرورة تطبيقها فى المدارس لتعليم الأطفال فنون الرسم على البرديات، مشيرا إلى أن العاملات كان يصنعن قمصانا وأزياء من ورق البردى، بالإضافة إلى أشكال أخرى ونماذج مختلفة لا تخطر على بال القارئ كــ"الكرفتات، ونتائج السنة، والمحفظة ومجسمات للجمال والأحصنة وبرج إيفل والأهرامات".
وطالبوا بتحجيم استيراد أوراق البردى الصينية، ودعم المنتج المصرى، خاصة أن البرديات متعلقة بالتاريخ المصرى القديم، وذلك على غرار منع استيراد الفانوس الصينى، وترك صناعة التاريخ الفرعونى القديم لأهلها.
وأضاف وجدى محمد، أن أحد رجال الأعمال عاشقا لورقة البردى، طالب أهالى القرية بتصنيع نحو مليون قطعة البرديات لأشكال الحضارة الفرعونية، نتيجة حبه للتاريخ المصرى القديم، حيث رغب فى تصديرها للخارج للتعريف بالحضارة الفرعونية، إلا أن الصفقة لم تتم وتوقفت وفشلت، بسبب تكلفة الشحن الباهظة وخاصة الضرائب المعقدة من الجهات المتداخلة.
توفير العملة الصعبة للدولة
تصدير ورق البردى للخارج خاصة البلدان الأوروبية، صفة تميزت بها القرية وحققت انتعاشا كبيرا خلال السنوات الماضية، نتيجة توفيرها العملة الصعبة، وتشغيل العمالة والترويج سياحيا لمصر، بالإضافة إلى إسهامها فى استعراض عظمة الحضارة الفرعونية القديمة على البرديات.
جاءت مطالب الأهالى ومناشدت موجهة للحكومة بعمل معارض خارجية فى السفارات المصرية بالدول الأوروبية على غرار تنظيم معارض المستنسخات الفرعونية والأصلية برعاية وزارة الأثار، والتى حققت نجاحا هائلا فى الفترة الماضية.
وحول اطلاق إشارة البدء للانتاج إذا ما توافرت الإمكانات، أكدوا أنه فى خلال الفترة من 6 أشهر حتى سنة كاملة يمكنهم تحقيق مبالغ هائلة للوطن بنحو 50 مليون دولار، وتتحول إلى قرية منتجة من جديد، وتصبح نموذجا لباقى القرى عاملة بدلا من أن تكون مستهلكة فقط وتشكل عبئا على الدولة، وذلك فى فى حال تذليل العقبات ودعم الفلاح فى زراعته، والعمالة اليومية وإعادة زرع الأفدنة التى أمتنع الفلاحين عن زراعتها بعد تعرضهم للخسائر بسبب المعاناة المستمرة.
واختتم قولهم أن ما أحزنهم كثيرا هو هدم أول مصنع لورق البردى الذى تم إنشاؤه منذ السبعينييات، وبيع قطعة الأرض، التى كانت ملكا للدكتور الراحل أنس مصطفى أستاذ الفنون الجميلة، الذى أحيا الحضارة الفرعونية من جديد، وذلك لكونه أول من قام باستحضار نبات البردى إلى القرية لزراعته وتركه بين أبناء القراموص، كما ساهم فى إرسال وفود وأفواج سياحية إلى القرية لمتابعة مراحل التصنيع ومشاهدة النبات، ويجتهد الأهالى فى الحفاظ على المهنة العريقة حتى الوقت الحالى.
كانت آخر كلمات الأهالى هى عزمهم عمل مصحف شريف مُصنع كامل من الورق البردى، بحجم كبير، ومطالبين بدعم وإشراف من مشيخة الأزهر على تنفيذ المصحف، مبدين ترحيبهم بأى بمشاركات الخطاطين المهوبين فى العمل الدينى الانسانى، حيث يعتزموا إهداء هذا المصحف إلى المسجد الأقصى، تضامنا مع الفلسطينيين، ورفضا لقرار ترامب بتهويد القدس على خلفية وعده بنقل السفارة الأمريكية إلى المدينة المحتلة مايو المقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة