إذا تأملت تعقيدات الوضع الإقليمى من حولنا، ستعرف جيدًا حجم الجهد الخارق الذى تبذله مؤسسة الرئاسة، والرئيس عبدالفتاح السيسى، شخصيًا فى ضبط منظومة التوازن المصرية وسط كل المطبات السياسية والعسكرية فى الشرق الأوسط، وبين كل الخيوط المتشابكة فى المنطقة العربية.
تعقيدات الموقف فى سوريا مثلًا، بين القوى العالمية التى تريد سوريا بدون بشار، والقوى العالمية الأخرى التى تريد سوريا مع بشار فى باقة واحدة، وبين قوى عربية تنحاز لرحيل بشار مذهبيًا، أو لأنه أقرب لإيران الشيعية صاحبة المشروع الإمبراطورى العسكرى، وقوى عربية أخرى تريد بقاء بشار لأنها هى نفسها ضمن منظومة التحالف مع إيران، وكل هذه القوى المشتبكة قد تختلف مرة أخرى على الدور الذى تلعبه تركيا على الأراضى السورية، فالمؤيدون لحتمية خروج إيران، منقسمون حول خطط تركيا العسكرية فى الشمال السورى، ومن يرفضون خطط تركيا من زاوية الاستقلال السورى قد يؤيدون بقاء روسيا مع قوات عربية مشتركة.
عبث، ومتاهة، فى المواقف وفى التفاصيل، ولولا يقظة الدبلوماسية المصرية، والمتابعة الحكيمة، والتأنى فى اختيار عبارات البيانات المتعلقة بهذا الشأن لخسرت مصر كثيرًا من الأشقاء والأصدقاء، لكن الدبلوماسية المصرية فى عهد الرئيس السيسى تستلهم صراحة ووضوح الرئيس فى كل ما يتعلق بالمصلحة العليا للشعب المصرى، الرئيس لا يجامل أحدًا أيا من كان، أو قوة أيا ما بلغت على حساب مصالح الشعب المصرى، ومن ثم، وفى وسط هذه المتاهات السياسية والعسكرية لا تتردد الدبلوماسية الرئاسية فى توضيح مصالح مصر العليا مع كل قضية، ثم تخرج الصياغات الخاصة ببيانات مصر تعليقًا على ما يجرى فى كل بقعة فى الإقليم باحترافية ودقة تحافظ فيها مصر على علاقتها بالأطراف المختلفة، دون أن تخفى فى أى لحظة مصلحتها العليا الراسخة، واستقلال إرادتها الوطنية.
كانت القضايا السياسية فى الشرق الأوسط أسهل كثيرًا فى الماضى، كان العالم بين قوتين إما الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتى، ثم انهار الاتحاد وظلت أمريكا منفردة، وكانت القضايا أوضح، إما مع الحرب أو مع السلام العربى الإسرائيلى، إما مع اقتصاد السوق أو ضده، مع احتلال العراق للكويت أو ضد هذا العدوان، لكن الشرق الأوسط لم يعد بسيطًا كما كان، فالدولة الواحدة قد يكون لها المصلحة ونقيضها فى وقت واحد، وقد تتفق فى العلن وتفعل عكس هذا الاتفاق فى السر، قطر مثلًا، تقدم نفسها كشريك دولى فى الملف الليبى، وتخادع الفرنسيين وأوروبا فى مباحثات سلام هامشية وتسوق نفسها كراعية للمصالحة.. بينما كل سلاح فى درنة وراءه أموال قطرية، وكل إرهابى فى الغرب الليبى تم نقله بتنسيق تركى قطرى مشترك.. انظر إلى هذه العقدة.
فهل ترفض مصر المباحثات التى تجريها فرنسا رفضًا لقطر وتركيا؟ أم توافق على المباحثات حفاظًا على علاقتها مع فرنسا؟ وكيف يخرج البيان عند كل مرة يجتمع فيها حفتر والسراج فى باريس؟ مع من وضد من؟
مصر تواجه هذه المواقف الملغزة بثبات وباحترافية ووفق عقيدة تتلخص فى النقاط التالية :
• نحن دولة سلام، وندعم السلام فى أى نزاع فى العالم وبالتالى لا تكون بياناتنا أبدا مع الحرب، أو مع استمرار النزاع المسلح فى أى بقعة فى العالم.
• نحن دولة تحمى مصالحها العليا ومصالح شعبها أولا، وبالتالى لن نتردد فى أن يفهم العالم ما هى مصالحنا، وما الذى نقبله وما الذى لا يمكن أن نقبله عندما يتعلق الأمر بحاضر ومستقبل شعب مصر.
• نحن دولة تؤمن بوحدة التراب العربى، وبالتالى فإن أى قوة عسكرية مغتصبة للأرض العربية هى خصم لمبادئنا، فى الشمال أو فى الجنوب، فى الشرق أو فى الغرب، فى البر أو فى البحر أو فى الجزر.
• نحن دولة نحترم كرامتنا الوطنية وسيادتنا على أراضينا، وبالتالى نحترم سيادة الدول الأخرى على أراضيها، ولا نتدخل فى الشؤون الداخلية لأى من دول الإقليم، ولا نقبل أن تتدخل أى دول فى الشؤون الداخلية لنا أو لغيرنا.
• نحن دولة تؤمن بالتنمية والكفاح من أجل استقرار الدول اقتصاديًا وتحقيق رفاهية الشعوب، وبالتالى فإن أى دولة تساعدنا فى البناء فهى دولة صديقة، وأى دولة تحتاج إلينا لمساعدتها فى البناء سنمد إليها أيدينا على الفور، نحن احترمنا حاجة إثيوبيا للكهرباء مثلًا وفق هذه القاعدة، ولم تتأخر مصر عن المساعدة وإظهار حسن النية لتتحقق مصالح الشعبين، لا تتحقق مصلحة لشعب على حساب الآخر.
هذه هى العناصر الأساسية لعقيدة الدبلوماسية المصرية فى عهد الرئيس السيسى، وفق تقديرى، وحسب ما ألحظه من البيانات الرسمية الصادرة عن مصر فى القضايا الإقليمية والدولية، وفى الأوضاع الملغزة والملغمة فى الشرق الأوسط، هذه البصيرة المصرية هى التى مكنت مصر من أن تقول رأيها بصراحة، دون أن تجرح أحداً، أو تخسر أحداً، أو تفرط فى مصالحها العليا.
عقيدة الرئيس السيسى الدبلوماسية هى جزء من شخصية الرئيس نفسه، وضوحًا وبساطة، ورؤية واحترافية، والنتيجة هى احترام مصر لنفسها، واحترام العالم لبلادنا.
مصر من وراء القصد
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد مشعل
مقال ممتاز
أستاذ خالد ... نحن نعرف هذا جيدا ... لكن صغت العبارات بأسلوب أكاديمي صحفي متميز ... شكراً لقادة مصر علي عدم توريط مصر في صراعات ليس لنا فيها أي ناقة ولا جمل