ماجد منير

لا تبكوا على الدعم المحروق

السبت، 02 يونيو 2018 04:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
 ماذا يعني حرق الدعم في خزانات الوقود ورش المياه في الشوارع؟
 
لا تتعجب - عزيزي القارئ - من طرح هذا السؤال، ولا من توقيت طرحه، فهذا هو الوقت المناسب الذي يجب أن نفيق فيه ونصارح أنفسنا - بصوت عال - بما التبس علينا فهمه طوال السنوات الماضية في هذه الملفات الحرجة والشائكة.
 
الحقيقة أنه لا فرق بين حرق الدعم في خزانات الوقود، ورش المياه في الشوارع وإهدارها في غسيل السيارات، وغيرها من السلوكيات التي لم تعد مقبولة في ظل زيادة سكانية رهيبة وتناقص واضح للموارد.. فكلا التصرفين جريمة في حق الشعوب الطامحة إلى الخروج من عنق الزجاجة يجب وقفها فورًا، والبحث عن طرق ووسائل لتقنينها وتحصينها من الخطر الذي حتما يهدد الجميع في وطن يلتمس النور في عتمة أخطاء الماضي، وينقب عن المستحيل في أكوام من إرث ثقيل يكاد يقصم ظهره، من فرط الأعباء التي يتكبدها في صرف مليارات الجنيهات على بنود وأبواب تحت مسمى الدعم - الذي يعلم الله وحده من يستفيد منه ومن في مصلحته أن يبقى بابا مفتوحا على مصاريعه لإهدار مقدراتنا - في وقت يحتاج فيه المواطن إلى خدمة طبية حقيقية في مستشفى حكومي، ومقعد لائق في فصل دراسي، ومعاش يليق باستراحة محارب قضى عمره في شقاء الوظيفة وطاحونة أكل العيش.
 
ونحن - كغيرنا من دول العالم- نعاني من الفقر المائي، ورغم ذلك ما زلنا نتعامل مع المياه بإسراف شديد كغيرها من الخدمات والسلع بمبدأ "احييني النهاردة وموتني بكرا" كما سبق وذكرت في مقال الأسبوع الماضي، وبالمثل يبقى دعم المنتجات البترولية محل تساؤل يصل إلى حد "اللغز"!! .. إذ لا يزال أكثر من 40% ممن يحصلون على هذا الدعم هم من ميسوري الحال الذين لا يحتاجونه ويستطيعون الاستغناء عنه، ولذلك فإن تصحيح تسعير المنتجات البترولية أصبح ضرورة ملحة لأن هذا الدعم المحروق محسوب على المواطن البسيط، والمليارات - التي تحترق في هذا الدعم الذي يرهق الموازنة - من الأولى أن يتم استثمارها في مستقبل المواطن الذي هو في الأساس من يستحق هذا الدعم.. فكيف يحدث ذلك؟!
 
لا ينكر أحد أن الدولة جعلت التعليم والصحة على رأس أولويات الإصلاح، ولذلك ليس من المنطقي أن يكون هناك إصلاح لهذين الملفين في ظل الأرقام المبالغ فيها التي يستنزفها دعم المنتجات البترولية.. وبنظرة سريعة إلى حال المستشفيات والمدارس وما تحتاج إليه من أرقام فلكية للتطوير نجد أنه من حق المواطن أن تؤمن له الدولة مستقبله ومستقبل أولاده وأحفاده في تعليم وصحة بمعايير عالمية، ولكنهما يحتاجان إلى موازنات ضخمة للصرف على برامج وخطط تطوير القطاعين.. هذا الصرف بالطبع سيمكث في الأرض وينفع المواطنين أكثر من المليارات التي تتتبخر مع عوادم البنزين والسولار ويستفيد منها من لا يحتاجها - في زمرة من يحصلون على الدعم - وبالمثل يمكن القياس على ذلك في قطاعات أخرى خدمية كالنقل والتشغيل، إضافة إلى النهوض بالاقتصاد من خلال الاستثمارات بكل أنواعها ومستوياتها.
 
إن ترشيد دعم الطاقة أو بالأحرى تصحيح تسعير المنتجات البترولية من شأنه أن يضع الأمور في نصابها الصحيح، وبالتبعية يضع برنامج الإصلاح على مساره المأمول ويحقق نتائجه المرجوة، ذلك أن إعادة توجيه تلك الأموال المحروقة إلى استثمارات "آمنة ودائمة" سيجلب "العيشة" المبتغاة والخدمات التي يحتاج إليها المصريون في مستشفيات بلا عجز في الأسرة، وفي مدارس بدون مشكلات في فرص الالتحاق، أو معوقات في تنفيذ خطة التطوير التي تتبناها الدولة لإعداد جيل متطور قادر على اللحاق بركب التقدم السريع، والتطورات المذهلة التي تفرضها العولمة الجديدة المدعومة بتقنيات وتكنولوجيا لن تنتظر من لا يقفز فوق العقبات وإرث الزمن الفائت.
 
ومن الإنصاف ألا نعفي الحكومة من واجبها في أن تفي بحقنا الأصيل – كمواطنين -  في أن ترفع سقف الحماية الاجتماعية وتكفل مظلات آمنة من احتمالات استغلال تلك القرارات في مزيد من إرهاق الشعب، وتحميله أعباء إضافية دون أن يقابلها برامج موازية تحصنه ضد أي أضرار قد تطوله .. صحيح أن هناك برامج اجتماعية تساعد على حماية محدودي الدخل تجاوزت 85 مليار جنيه في الموازنة السابقة، ومن المقرر أن ترتفع في الموازنة الجديدة، لكن هذا ليس المأمول من الحكومة، ولا يجب أن نكف عن مساءلتها دوما .. وهنا يطرح السؤال المهم نفسه: ماذا ستفعل الحكومة من أجل المواطن؟ ومتى ستنفذ تكليفات الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن يكون المواطن في مأمن من تبعات قرارات الإصلاح؟  
 
وحتى تجيب الحكومة وتقدم أطروحاتها ويقتنع بها المواطن.. لن نتوقف عن التنبيه والتنويه والتنوير والتأكيد لأبناء شعبنا الوفي أن البناء مستمر .. والعزيمة موجودة .. والمسار صحيح، وإن بدا في القرارات مرارة، فهذه هي طبيعة الدواء التي نقاومها بطبيعتنا المصرية الوطنية الصبورة الواعية .. فلا تبكوا على الدعم المحروق، وتفاءلوا بمستقبل زاهر لأجيال جديدة لن تذكرنا بالخير إذا ما استسلمنا لليأس والإحباط، وتمسكنا بمنهج "المسكنات" في مواجهة الأزمات الطاحنة التي لم يكن ينفع معها إلا "مشرط"  جراح ماهر.
 
                                     رئيس تحرير الأهرام المسائى









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة