خرجت من لجنة الامتحان بكرسى متحرك تعلو وجهها الابتسامة، ولوحت بيد معلقة بها "الكانيولا" التى يختبئ وراءها الكثير من الأمل فى مواجهة التعب، فهذه المرة الأولى لها فى امتحانات الثانوية العامة التى تحضرها بين زملائها فى اللجنة الخاصة بمستشفى 57357، حيث إنها أدت الامتحانات السابقة وحيدة داخل الرعاية المركزة وأخيرًا تمكنت من الانتقال عبر طوابق المستشفى ونهضت من سريرها الذى ملت من الاستلقاء عليه خلال يومها بعد تشجيع زملائها لها بالمشاركة داخل اللجنة تحت إشراف طبى حال شعرت بأى تعب.
هكذا كان مشهد خلود حسن المحاربة الصغيرة لمرض السرطان أمام اللجنة، واحدًا من بين عشرات المشاهد الأخرى التى لا تقل فى قوتها وتحملها لآلام جلسات الكيماوى فى مقابل حلم دخول الكلية والبحث عن مستقبل مشرق يمحو كآبة المرض، حيث جاء بعضهم من السفر لأداء الامتحان وأسرعوا بعد فتح أبواب اللجنة للحاق بموعد القطار فهى لجنة للطلاب من 27 محافظة بالجمهورية، حيث إن مستشفى 57357 والمعهد القومى للأورام هما المكانان الوحيدان لمرضى السرطان لكى يؤدوا امتحانات الثانوية العامة.
طلاب الثانوية داخل اللجان الخاصة
ورصدت "اليوم السابع" قصص كفاح 65 طالبًا ثانوية عامة من مرضى السرطان يؤدون الامتحان داخل لجان خاصة مجهزة بكل الإمكانيات الطبية بين مراقبين مدربين على التعامل الجيد مع طبيعة الحالات الخاصة للطلاب، حيث شملت لجان الثانوية العامة على لجنتين بنين وبنات وبلغ عدد لجنة البنين 27 طالبًا والبنات 38 طالبة، كان وجودهم فى المستشفى لدواعٍ علاجية مثل استكمال كورس العلاج الكيماوى وتلقى الرعاية من خلال الحجز داخل غرف بالمستشفى.
عايشنا قصص عدد من الطلاب وتابعنا مشوار الأمل الذى بدأوه للقضاء على أى عوائق كانت فى سبيل الوصول لأحلامهم، حيث أكدت الطالبة خلود أن طريقها بدأ من الصف الأول الثانوى حيث المرة الأولى لها لأداء الامتحانات داخل إحدى اللجان الخاصة بالمستشفى، عندما اكتشفت فى بداية هذا العام إصابتها بسرطان الدم، وظلت تتلقى العلاج وتذاكر داخل غرفتها، حيث تقول: "بحاول أذاكر على قد ما اقدر.. بذاكر فى أى وقت أفوق فيه".
وتتابع خلود علاجها من خلال عدد من العلاجات التى تؤثر على تركيزها وتسبب نسيان لها بشكل دائم ولكنها تتغلب على هذه المشكلة بمزيد من المراجعة، وتعبر عن حالتها خلال الامتحان قائلة: "فى رأفة موجودة دايما داخل اللجنة وكنت بمتحن فى الرعاية لكن النهاردة امتحنت بين زمايلي وحلمى أكون مدرسة بعد ما أخلص علاجى".
طلاب الثانوية من مرضى السرطان
سارة تتحدى جلسات الإشعاع والكيماوى وزرع النخاع
سارة ياسر.. قصة أخرى من بين قصص كفاح السرطان فى مواجهة الحياة، حيث تقول: "بدأت العلاج فى مرحلة متقدمة للمرض كان فى الدم والنخاع وكانت نسبته 85% لكن خدت جرعات كيماوى وإشعاع وعملت عملية زرع نخاع بعد ما اتبرع لى أخويا".
حالة سارة حاليًا مستقرة ولا تواجه أى مشكلة فى الحركة أو الكلام، بل وتمتحن بين زملائها فى اللجنة الخاصة المخصصة للثانوية الأزهرية، وتقسم يومها كما يتناسب معها، فتذاكر ليلاً وتنام نهارًا ليتوافق ذلك مع كورس العلاج الذى تتابع عليه، وقد مر عليها 5 سنوات فى المستشفى تتلقى العلاج وتحضر امتحاناتها باللجان الخاصة، حيث مرت عليها سنوات كانت لا تقوى على الامتحان خارج غرفتها بالرعاية بسبب جلسات الكيماوى فى نفس الفترة، وتقول: "كنت بخلص الجلسات وبعدها أذاكر ويكون معى كتب طول الوقت وأول ما أقدر أركز أقراها".
محمود ورحلة السفر بمفصل صناعى
يسافر محمود المغربى من بلدته دمياط إلى القاهرة حيث المستشفى فى ساعتين ونصف عند كل امتحان لتلقى العلم والعلاج معًا، واللافت فى الأمر أن مرض محمود يستهدف عظامه حيث أجرى عدة عمليات فى المفصل لتركيب مفصل صناعى ويستكمل بجلسات الكيماوى.
يقول محمود: "بسافر مخصوص عشان امتحن وأخد العلاج وأتابع لحد ما أخف، أنا هنا فى المستشفى من 3 سنين، وعايز أجيب مجموع كلية حقوق عشان بحب دراستها واشتغل كمان بعدها".
محمود خلال تأدية الامتحان
حلم منة تبقى فنانة وترسم الحياة
منه الله عاطف ليست من القاهرة مثل محمود فهى من محافظة السويس، ولكنها تعيش مع أخوها فى القاهرة خلال الامتحانات، فهذه ليست المرة الأولى لها فى اللجان الخاصة حيث إنها تتعالج من السرطان منذ 3 سنوات.
تقول منه: "خلال هذه الفترة كنت باخد جلسات إشعاع ووقفتها شوية خلال فترة الامتحانات عشان اقدر أوازن بين مستقبلى وتعبى"، وعند سؤالها عن حلمها أجابت: "أنا دخلت علم رياضة عشان محددة قسم معين فى كلية فنون جميلة أدخله وأحقق حلمى أنى أكون فنانة".
مصطفى عايز يعلم الناس إنجليزى
حلم مصطفى سمير أن ينهى امتحاناته ويلتحق بكلية الألسن تخصص اللغة الإنجليزية لحبه الكبير لها، وأن يصبح بعد ذلك محاضرًا يعلم غيره قواعد اللغة وطريقة نطقها، ويسعى لحلمه من خلال المذاكرة فى كل وقت بشكل يتناسب مع متابعته للعلاج، فيقول: "عملت 4 جداول والجدول الأخير كان الأفضل لأن كنت بذاكر 3 ساعات وبعدها أخد راحة وأنام على الظهر واصحى المغرب أروح الدرس وأرجع أكمل".
أما عن العلاج فكان يضبط مواعيده مع النوم والاستيقاظ خاصة فى حالة كان يتناول دواء يساعد على النوم، ويرى مصطفى أن حلمه سيتحقق بمزيد من الأمل ويتعدى كونه محاضرا ليتعين ويترقى فى مركز مرموق بكلية الألسن.
الطالب مصطفى سمير بعد أداء امتحان التاريخ
شيماء: "حتى لما كنت بحس بتعب مكنتش بسيب المذاكرة"
قصة كفاح شيماء محمود مع المذاكرة نموذج يدرس لكل طالب، فهى فتاة من محافظة الشرقية، اغتربت فى القاهرة لتتلقى العلم وتتابع العلاج، والتى تقسم يومها ما بين تلقى دروسها ثم تنام ثم تخصص ساعات المذاكرة التى تفضلها وقت الفجر خاصة فهو الأفضل لها.
وتذاكر اليوم بيومه بمعدل ثابت ويزيد تدريجيًا حيث بدأت بـ4 ساعات قى اليوم إلى أن وصلت إلى 16 ساعة وقت الامتحانات، وتوصف مذاكرتها قائلة: "حتى لما كنت بحس بتعب مكنتش بسيب المذاكرة عشان عايزة أنجح وادخل كلية من كليات القمة".
عبد الرحمن نفسه يبقى ممثل
موهبة عبد الرحمن سعد هى ما تدفعه إلى الأمام، فهو يحب التمثيل من صغره، ويحارب المرض الذى اكتشف إصابته به منذ عامين بحلمه فى أن يصبح ممثلا، ويخصص خلال يومه ساعات للمذاكرة وللجلوس مع أهله وللتنزه وكذلك، بينما يتلقى علاجه الطبيعى الذى يساعده على استرجاع حركته بشكل طبيعى مرة أخرى.
يقول عبد الرحمن: "إذا حسيت بتعب بقول للملاحظين أنى تعبان وبيجي الممرضات والدكاترة يكشفوا عليه" وعن الفنانين الذي يحبهم كثيرا فذكر تعلقه بمحمد رمضان ومى عز الدين وزينة ومتابعته لبعض مسلسلاتهم.
طلاب الثانوية بعد انتهاء اللجنة مع أولياء أمورهم
محمد لم يوقفه كورس العلاج المشدد وعمليات المخ
معاناة محمد أشرف شديدة ولكن مكافحته أكبر وأمل فى تحقيق ذاته، فقد بدأ طريقه مع المرض فى عام 2015 وأخذ يتردد على المستشفى حيث أجرى 3 عمليات فى المخ ويتابع حاليًا بأدوية مخ ونفسية.
ويقول محمد: "متابع على 7 أنواع علاج خلال امتحانات الثانوبة العامة وعايز أكمل كل حاجة بدأتها خاصة التعليم".
بسمة بتمتحن فى لجان خاصة من الإعدادية
ليست المرة الأولى لها فمنذ الإعدادية وهى تؤدى امتحاناتها باللجان المستشفى الخاصة، إنها بسمة غريب خضرى التى تتمنى أن تنهى مرحلة المدرسة لتنتقل للمرحلة الجامعية وتصبح معلمة الأجيال فى المستقبل.
وطالت مدة إصابتها بالمرض الذى كان فى مراحل متقدمة حيث استهدف الطحال وتقول بسمة حول علاجها: "أجريت عملية وخدت 10 جلسات كيماوى و22 جلسة إشعاعى إلى الآن ومازلت أتلقى العلاج ولدى أمل كبير فى الشفاء والحصول على المستقبل الذى أتمناه".
على.. 7 سنوات من التعايش مع المرض
على محمد من بين أكثر الطلاب تعايشًا مع المرض، حيث مرت عليه 7 سنوات بمستشفى 57357 يتابع ويتلقى العلاج المناسب، وإن رأيته لم تتوقع للحظة أنه يعانى من أى شىء فهو مرح ومفعم بالحيوية والأمل وحب الحياة، على ملتحق بشعبة علم رياضة لأنه يريد دخول كلية الحاسبات والمعلومات لحبه فى التكنولوجيا.
ويروى لنا على يوم مذاكرته قائلاً: "أقسم مذاكرتى خلال اليوم وكنت بخصص 6 ساعات فى رمضان بذاكر من النهار للفطار بعدها برتاح وأنام وباخد علاجى وأتابع.. أنا مريت فى الأول بفترة صعبة خدت فيها 18 جلسة كيماوى عشان المرض عندى فى العظام لكن دلوقتى أنا أحسن".
طارق محمد
الجندى المجهول.. طارق 10 سنوات تطوع فى تنسيق الامتحانات بالمستشفى
هذه القصص يجب أن يكون وراءها جنود مجهولة تساعد الطلاب فى وصولهم لما يريدون وما يحلمون، ولعل طارق محمد المتطوع فى مستشفى 57357 منذ 10 سنوات ليقوم بتنسيق الامتحان هو أحد أهم الجنود المجهولة، فهو حلقة الوصل بين إدارة السيدة زينب ومستشفى 57357.
أوضح لنا طارق كل ما يخص الامتحانات وتمكن الطلاب من إجرائها فى اللجان الخاصة للمستشفى، فإن المشوار يبدأ بالمستشفى ويتم اختيار الطلاب من خلال لجنة يشكلها وزير التربية والتعليم تبحث التقارير الطبية المقدمة من الطلاب لمراجعة الأوراق، وبناء عليه يتحدد إذا كان له الحق فى أداء الامتحان باللجان الخاصة، إنما إذا كان غير ذلك من المرضى الحاليين فيتم اختيارهم للمشاركة فى اللجان.
وأكد طارق أن الامتحانات جزء مهم جدًا من علاج الطلاب وليس عبئا كما يتخيل البعض، فمنهم من يكون لديه طموح أن يتعافى ويصبح طبيبا وآخر يريد أن يكون مهندسا ليبنى مستشفى للأورام، فالجميع يفكر فى حل مشاكل من مثلهم من المرضى بالطرق التى يحبوها ويميلون لها علميًا.
وعبر عن سعادته قائلاً إن طلاب الثانوية العامة فى السنوات السابقة منهم من حصلوا على مجموع عالى ودخلوا كليات كبيرة مثل الهندسة والصيدلة ويعمل بعضهم بالفعل داخل مستشفى 57357 بعد عزيمة ورحلة من الانتصار على المرض والوصول للأحلام، موجهًا رسالة للجميع أن التطوع أمر مهم من أجل تذكير المريض دائمًا أنه موجود وغير منسى وهو عمل سهل ويحتاج فقط لبعض الوقت.
محررة اليوم السابع مع رئيس إحدى لجان 57357 الخاصة
كيف يواجه رؤساء اللجان والمراقبون مشكلات المرضى الصحية؟
هنا تقول نادية عبد الغنى سليمان رئيس إحدى اللجان الخاصة بمستشفى 57357، إن الطلاب الذين يؤدون الامتحانات يكون لهم رعاية خاصة بسبب التعب فى اللجنة الذى يحدث كثيرًا ودون سابق إنذار، وقد يحتاج المريض لشخص يكتب له ولم يكن لديه مرافق من البداية، فيوفر رئيس اللجنة شخصا يكتب له وكذلك يحتاجون للهدوء من أجل استجماع التركيز.
وأوضحت رئيس اللجنة، أنه يجب معهم الرحمة والرأفة بسبب الظروف الصحية التى يمرون بها، مؤكدة أنها حاولت صنع ابتسامة وهدوء حتى لا يعم أى حالة من الإحباط، وتمر اللجنة بانتظام والتزام والشروط الأساسية لها عدم دخول موبايل أو أى شىء من الأهالى لأبنائهم خلال أداء الامتحان.
وأشارت نادية عبد الغنى، إلى أنه يوجد طلاب يؤدون الامتحانات داخل غرف الرعاية المركزة لأن حالتهم لا تسمح بالحركة، وفى حالة امتحان الطالب فى الرعاية المركزة يكون معه اثنين ملاحظين ومرافق يكتب له ولكن يجب أن يكون سنه وتعليمه أقل منها.
أما عن المراقبين، فلفتت نادية عبد الغنى إلى أن هناك اجتماعا دوريا مع المراقبين لتعليمهم كيفية التعامل مع المرضى فى الالتزام بالرحمة والطريقة الصحيحة من خلال عدم التلفظ بأى كلمة قد تجرح مشاعرهم وتسبب الأذى لنفسيتهم، وتدارج أى مواقف تعوقهم أو تحدث بسبب مشكلات الآثار الجانبية للأدوية أو المرض نفسه، فكل شىء وراد خاصة فى 3 ساعات مدة امتحان لا يتحملونها فى كثير من الأحيان، واختمت حديثها: "طول ما أنتِ حاسة إنهم ولادك هتديهم وتساعديهم يحققوا أحلامهم".