منذ توليه حكم البلاد فى عام 2003 وهو يحلم بهذه اللحظة الفارقة فى تاريخ الدولة التركية من أجل تحويلها لإقطاعية خاصة به ويكون ديكتاتورا وحاكما عليها إلى الأبد بلا معارض ولا منافس، ونجح فى ذلك عقب إجبار الشعب التركى على استفتاء غير من خلاله الدستور ليعطى لنفسه صلاحيات واسعة تمكنه من الاستمرار فى الحكم لأجل غير مسمى.
فقد دخلت تركيا بعد فوز رئيسها رجب طيب أردوغان بفارق ضئيل فى الاستفتاء الدستورى الذى رسخ سلطته فى حكم البلاد منعطفا جديدا وخطيرا، حيث سعى أردوغان بشكل جاد بعد محاولة الانقلاب العسكرى الفاشل فى يوليو 2016، إلى إقصاء جميع الخصوم والمعارضين، بالإضافة إلى تصعيد الخلافات والتوترات مع بعض الدول العربية والأوروبية، لانتقادها سياستها التخريبية فى المنطقة وتدخله فى شئون دول الشرق الأوسط ودعمه للجماعات المتطرفة فيها.
وطرحت التعديلات على الدستور للاستفتاء الشعبى لإقراره بشكل نهانى فى 16 إبريل الماضى، لتصبح نافذة بعد تخطيها نسبة الـ50% ما مهد الطريق إلى أردوغان أن يظل فى الحكم حتى عام 2028.
ومهدت خطوة تعديل الدستور فى تركيا بعد خداع الأتراك بأن مصلحتهم فى الموافقة على التعديلات، لحكم استبدادى من قبل أردوغان، بل تحولت إلى استيلائه على مقاليد الحكم، فقد منحت التعديلات للرئيس أن يعيين مباشرة كبار مسئولى الدولة بمن فيهم الوزراء، وتعين نائبا أو عدة نواب للرئيس، وإلغاء منصب رئيس الوزراء الذى شغله بن على يلدريم مؤخرا.
كما يحق للديكتاتور العثمانى أن يتدخل فى القضاء الذى يتهمه بالخضوع لنفوذ رجل الدين فتح الله جولن الذى حُمِّل مسئولية الانقلاب العسكرى الذى شهدته تركيا فى شهر يوليو عام 2016 لكنه نفى التورط فى الانقلاب.
وخدع أردوغان، الشعب التركى بأن التعديلات ستعطى الحكومة مزيدا من الاستقرار فى حربها ضد الأكراد وعناصر تنظيم "داعش" داخل تركيا وخارجها، من أجل النزول بكثافة إلى صناديق الاستفتاء لإقرارها.
وكان البرلمان التركى قد وافق بأغلبية على مشروع القانون فى يناير الماضى على مشروع قانون لتعديل الدستور، ووافق على مسودة مشروع القانون 339 عضوا فى البرلمان من مجموع 550 عضوا.
وعمق الاستفتاء على الدستور النقسامات داخل تركيا التى تحولت الى معسكرين بعد 15 عاما من حكم اردوغان الذى رفضه نصف الاتراك، لكن هذا الامر لم يعيق خطط وتطلعات الرئيس التركى الذى اصبح يمتلك صلاحيات واسعة لم يتمتع بها اى رئيس منذ تأسيس مصطفى كمال اتاتورك للجمهورية التركية.
ويسعى أردوغان ترك بصمته فى تاريخ بلاده على غرار مؤسس الجمهورية التركية الحديثة مصطفى كمال اتاتورك، كمن أجل إشباع غرزره، خاصة أن تعديلات الدستور الأخيرة تمنحه البقاء فى السلطة حتى 2029 على الأقل وهو ما قد يمكنه من فعل الكثير من أجل ترسيخ حكمه والسيطرة على كافة سلطات البلاد بما فيها السلطة القضائية.
وعقب الاستفتاء على الدستور أصدرت السلطات التركية وامر باعتقال أكثر من 1000 شخص فى عمليات نفذتها فى مختلف أنحاء البلاد استهدفت شبكة رجل الدين المقيم فى الولايات المتحدة فتح الله جولن.
وقالت قناة "N TV" و "CNN" فى نسختها التركية آنذاك إن تركيا أصدرت أوامر باعتقال 3224 شخصا فيما يتعلق بصلات مزعومة برجل الدين المقيم فى الولايات المتحدة فتح الله جولن وذلك فى واحدة من كبرى العمليات منذ شهور ضد حركة الخدمة التى تتهمها أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب.
وتنفذ تركيا حملة اعتقالات واسعة منذ الانقلاب الفاشل استهدفت مختلف القطاعات وطالت الآلاف من المدنيين والعسكريين.
وأدى نجاح أردوغان فى تمرير التعديلات الدستورية، منح السلطات التركية فى تطبيق حالة الطوارئ وشن حملات جديدة تستهدف كل الأصوات التى ستعارض الرئيس التركى تمهيدا لدكتاتورية صارمة.
وكانت السلطات التركية قد اعتقلت 16 ناشطا يساريا مما أعربوا عن رفضهم لنتيجة الاستفتاء فى مظاهرات جابت اسطنبول، حيث قال حزب الحرية والتضامن اليسارى والذى لا يتمتع بتمثيل واسع داخل البرلمان بأن الشرطة اعتقلت زعيمه ميسوت عيجيل فى اسطنبول بتهمة تحريض العامة من خلال اقراره بأن التصويت بـ"نعم" فى الاستفتاء غير شرعي.
وتخشى المعارضة التركية وأوروبا من أن تتجه تركيا نحو المزيد من الاستبداد فى ظل النزعة السلطوية لاردوغان خاصة بعد التعديلات الدستورية التى تتيح له صلاحيات تنفيذية واسعة.
وفى حملة أمنية تلت محاولة الانقلاب أمرت تركيا بسجن نحو 40 ألف شخص فى انتظار محاكمتهم كما أوقفت عن العمل أو فصلت حوالى 125 ألفا آخرين من الجيش والقضاء والدوائر المدنية، كم أغلقت السلطات التركية نحو 158 وسيلة إعلامية وصحيفة وقناة تلفزيونية وإذاعة ووكالة أنباء، ووضعت 151 صحفيا فى السجن.