بدأ قسم النشر بالجامعة الأمريكية الترجمات الإنجليزية لأعمال محفوظ منذ 1978 مع إصدار رواية ميرامار، وفى ديسمبر1985 بعد أن وقّع قسم النشر اتفاقية خاصّة مع محفوظ، بموجبها يصبح قسم النشر بالجامعة الأمريكية ناشر نصوصه الرئيسى باللغة الإنجليزى ووكيله العالمى للترجمات والحقوق وتراخص النشر الأخرى، وذلك قبل جائزة نوبل فى 1988، نشر القسم تسع روايات لمحفوظ باللغة الإنجليزية، مما جعل الناشرين الآخرين يدركون أهمية ترجمة نصوص محفوظ ومن ثم طلبوا ترجمتها إلى اللغات الأجنبية الأخرى، وقد كانت هذه الترجمات من بين الأسباب الأولى – أو ربما مَدعاة- لمنح الراحل الكبير نجيب محفوظ جائزة نوبل.
ويكمن ذكاء محفوظ فى أنه لم يعترض على فعل شكلى حدث لنصوصه التى –ربما لا يعرف العالم العربى كيف تُرجمت أو تغيرت عناوينها عند الإصدار.
نشرت رواية نجيب محفوظ الأولى "عبث الأقدار" فى عام 1938 وصدرت ترجمتها الإنجليزية تحت عنوان "حكمة خوفو" ترجمة رايموند ستوك.
ونشرت نصوص نجيب محفوظ، وأجيزت فى 53 لغة، وهناك أكثر من 100 طبعة نشرت فى الإنجليزية تجاوزت مبيعاتها مليون نسخة، وأكثر من 50 طبعة نشرت باللغات الأخرى-حسب بيان قسم النشر الذى يصدر مع اعلان جائزة محفوظ فى ديسمبر من كل عام- وتعد رواية "زقاق المدق " التى ترجمت تحت عنوان " ممر المداق" هى الأكثر انتشاراً فى نصوص محفوظ المترجمة حيث صدر عنها أكثر من 30 طبعة أجنبية فى 15 لغة.
يليها رواية "بين القصرين" وترجمها وليم هيتشنس واوليف كينى تحت عنوان "قصر السير" ضمن ما درجنا على أن نطلق عليه (الثلاثية) بينما دونت فى قسم النشر بالجامعة الأمريكية تحت عنوان "ثلاثية القاهرة" التى تضم "قصر الشوق" وترجمها أيضاً وليم هيتشنس واوليف كينى تحت عنوان "قصر الرغبة" و"السكرية" وترجمت تحت عنوان"شارع السكّر" وللثلاثية 25طبعة أجنبية فى 12 لغة من لغات العالم المختلفة.
هناك أيضاً رواية "كفاح طيبة" وهى من أولى الروايات التاريخية التى صدرت فى أوائل الأربعينيات للكاتب الكبير نجيب محفوظ، وهى من الروايات التى تقررها وزارة التربية والتعليم فى المرحلة الإعدادية، وقد ترجمت فى قسم النشر بالجامعة الأمريكية تحت عنوان "طيبة فى الحرب"، كما تم ترجمة رواية "الطريق" تحت عنوان "البحث" The Search". أما عن القصص القصيرة فقد قدمت بطريقة ذكية عبر الترجمة حيث تم اختيار أفضل القصص فى مجموعات محفوظ وصدرت كمختارات قصصية مع التنويه إلى كل قصة وموضعها فى عنوان كل مجمعة اختيرت منها – كل ذلك دون اعتراض من محفوظ الذى فضل ظهور قصصه وروايته للقارئ الغربى- ومن ذلك المجموعة القصصية التى صدرت تحت عنوان "أصوات من العالم الآخر" وترجمها ريمون ستوك، وهو المترجم نفسه الذى ترجم نصوص محفوظ القصصية الصادرة عن قسم النشر فى يوم ميلاد نجيب محفوظ فى 11-ديسمبر-2005 تحت عنوان السماء السابعة وتضم قصص "فوق السحاب" و"الغابة المسكونة" من مجموعة الفجر الكاذب، و"نذير من بعيد" وحديقة الورد" من مجموعة صدى النسيان"و "الحوادث المثيرة" والسماء السابعة"-المعنون بها المجموعة من مجموعة"الحب فوق هضبة الهرم"و"الحجرة رقم 12" من مجموعة الجريمة"و"الرجل الوحيد" و"الرجل القوى" والبهو"من مجموعة "القرار الأخير"و"ممر البستان" والنسيان" من مجموعة "التنظيم السرى"، ومعظمها قصص من نوع القصص الاجتماعى الذى تتجلى فيها أبرز الطرائق السردية من خلال عناصر متعددة منها: اللغة وتكاثر الأحداث واستفاضتها داخل كل أقصوصة وعلاقة السارد بتلك الأحداث، ومن ثم وقع تواجد تلك الشخصيات داخلها.
ويكمن الأمر الثانى لذكاء محفوظ فى مباركته لترجمة نصوصه فى بادئ الأمر دون مقابل مادى وهذا ما ذكره المترجم الكبير دينيس جونسون ديفيز فى مذكراته "ذاكرة من الترجمة" التى حملت مقدمة من محفوظ نفسه وصدرت عن قسم النشر بالجامعة الأمريكية عام 2006. يقول دينيس:
اخترت أن أترجم روايته القصيرة المعنونة بـ"رحلة ابن فطومة" المجسدة لجولات الرحالة المصرى، كانت الفكرة الأساسية جيدة، وعندما شرعت فى ترجمتها، وجدت فجأة أن اسم البطل قد تغير فى منتصف الرواية. لذا، اتصلت بمحفوظ لمناقشة ذلك فضحك بشدة لما اكتشفته، ثم أردف، إذن ما الاسم الذى يمكننى تسميته به؟ أجبت "اختر ما تفضله لهما" أجاب ضاحكا إنها مجرد بعض من التناقضات والأخطاء الطباعية التى تؤكد احتياج النشر العربى إلى محررين.
ثم يردف ديفيز "فى إحدى زياراتى المعتادة للقاهرة قرأت أن نجيب محفوظ قد أبرم عقدا مع مارك لينز مدير قسم النشر بالجامعة الأمريكية للحصول على حقوق نشر نصوص محفوظ للغة الإنجليزية، وعندما قابلت محفوظا بعد ذلك فى المقهى سألته عن ذلك فعبر عن أمله فى أن يكون قد حظى بفرصة تعاقد جيدة مع قسم النشر، وقد قرر لى أنه منحهم كل حقوق الترجمة دون تلقى أى مقدم مالى لضمان جدية التعاقد، وكذلك تضمن العقد لحقوق الترجمة لجميع اللغات الأخرى، اندهشت وتمنيت ذلك عندما قال:" على الأقل بذلك سأرى نصوصى ترجمت وطُبعت فى اللغة الإنجليزية واللغات الأخرى " عندئذٍ لم انطق ببنت شفه. وستتضح وتثبت حكمته وصواب رأيه فى إبرام اتفاقية الحقوق الأجنبية. عندما فجاة أصبح صاحب نوبل للآداب، والسبب الرئيسى فى ذلك أن تسع روايات من نصوصه قد صدرت ترجمتها عن قسم النشر بالجامعة الأمريكية عندما ظهر عنوان أو عنوانين فى سلسلة الكتاب العربى التى شرعت فى تقديمها مع الناشر البريطانى "مؤسسة هيمنى مان التثقيفية ".
وإذا كان علينا أن نتساءل الآن عن السبب وراء زخم الترجمات التى تمتعت بها نصوص محفوظ وكذلك فتح تلك الترجمات لباب الترجمة والانتشار أمام نصوص روائية وقصصية أخرى لكتاب عرب آخرين فينبغى الاعتراف بأنه لولا ذكاء محفوظ وتغاضيه عن الشكليات فى مجال ترجمات نصوصه وكذلك التنوع الكمى والثراء الكيفى لنصوص نجيب محفوظ لما ظهرت الترجمات بكثير من لغات العالم أولا للكاتب العظيم نجيب محفوظ ثم لغيره.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة