الكل يبحث عن المستقبل المضمون لأبنائه، والشباب طوال الوقت يحاولون تحديد نقطة انطلاق بعد الثانوية العامة تضمن له مكانا فى المستقبل. فى الماضى كان الشباب يختارون المضمون كليات الطب والصيدلة والهندسة لأنها مضمونة، وهى اختيارات لم تعد كافية. ولا توجد وصفة للاختيار تحسم المستقبل، وبالتالى لم يعد كافيا أن يراهن المصريون على التعليم أو التفوق. ولا نهاية مطاف لرحلة تعليم يدفع فيها المصريون أموالا طائلة فى التعليم والدروس الخصوصية ليضمنوا التفوق لأبنائهم، ويرتاحون بعدها. يظل البيت كله مشدودا حتى يجتاز الطالب الثانوية العامة، ولا يعد هذا نهاية المطاف بل يحتار فى اختيار الجامعة أو الكلية، ثم يحتار فى اختيار التخصص.
وبعد كل هذا فإن الكثير من الخريجين لا يجدون عملا ويضيعون وسط الزحام ونقص الوظائف، هناك تخصصات حديثة ربما تكون أكثر حظا لكن الأوضاع تتغير خلال السنوات الأربع التى يقضيها الطالب فى الجامعة.
الحال اليوم أصبح أكثر تعقيدا، بجانب الجامعات العامة جامعات خاصة تحاول كل منها تقديم مهارات إضافية لخريجيها، اللغات والتخصصات الدقيقة قد تسهل للخريج الحصول على وظيفة.
خيارات كليات القمة كالطب والصيدلة والهندسة لم تعد كافية لضمان مستقبل مستقر لأصحابها بالرغم من أنهم يبذلون جهدا كبيرا. وهذه الظاهرة ليست وليدة اليوم، لكنها نتاج تراكمات عقود جعلت من الصعب الخروج على التيار الغالب فى التنسيق، وأن يختار الطالب الحاصل على مجموع كبير كلية الطب أو الصيدلة ثم يكتشف أنه ضيع عمره فيما لا طائل منه، وأنه بحاجة للمزيد من الدراسة والإنفاق ليمكنه المنافسة فى سوق عمل معقد. وحتى المثل الأعلى للنجاح لم يعد محسوما لصالح التفوق، التحقق والنجومية والثراء هى من نصيب لاعبى الكرة، والنجوم الكبار والأثرياء المعدودين وكل هؤلاء ليس من بينهم من تفوق فى دراسته أو تخرج من كليات القمة أو حصل على مجموع كبير فى الثانوية. وهى حالة تسبب ارتباكا داخل نفسيات الشباب، وهى أيضا أوضاع تحكمها الحظوظ وليس الدراسة، وهو أمر له ظل فى العالم بيل جيتس، أو مارك زوكربيرج، ليسا من الحاصلين على شهادات عليا، ومع هذا حقق كل منهما نسبة من الثراء والتحقق تفوق أمثالهما، ولا توجد وصفات جاهزة للأعمال والثراء، فكبار الأثرياء ونجوم الفن ليسوا غالبا من خريجى الجامعات الكبرى بينما العلماء والباحثون ليسوا على قوائم الثراء والتحقق.
فى أوروبا والدول المتقدمة لا يربط عمل الشخص بالتخصص عموما ويمكن لأى شخص أن يختار العمل بتخصصه، أو يغير مساره للبحث عن طريق أفضل. وهذه المجتمعات توفر إمكانيات تغيير المسار.
ولا يعرف الغرب مكاتب التنسيق أو المجاميع، وإنما يجتاز الطالب اختبارات فى كل مرة يفكر فى اجتياز مرحلة تعليمية أو عملية وهى أمور تتم بسهولة ومن دون تعقيدات وإن كانت تحتاج إلى جهد دراسى ومعرفى وعملى. هناك جامعات تساعد طلابها على التدريب وتجهزهم للمستقبل من خلال برامج تدريبية مع الشركات والمراكز المختصة وبعض الجامعات فى بريطانيا، مثل ساوث بانك نجحت فى أن تحتل مكانا متقدما فى توظيف خريجيها.
ويظل مكتب التنسيق واقعا مختلفا لدينا فهو يوفر نوعا من المساواة وتكافؤ الفرص، لكنه لايضمن مستقبلا للمتفوق. والاقتراب منه يفترض أن يتم بحذر وفى سياق تغيير نظام تعليمى جامد لم يعد يناسب العصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة