تبدو الأزمة فى جمهورية فنزويلا اللاتينية أشبه بجولة من الحرب الباردة، لكن بمعطيات جديدة، تختلف فى الشكل والمضمون عن حرب القطبين قبل تفكك الاتحاد السوفيتى، حيث كان يمكن لفنزويلا أن تجد فى القطبية السياسية مساحات للمناورة، حيث كان التهديد المتبادل يمنح الدول قدرا من الحماية المباشرة، بينما الوضع الحالى يجعل ردود فعل دول مثل روسيا والصين اقرب للمواجهات فى مجلس الأمن، منها إلى التهديد مثلما كان طوال نصف قرن.
وبالرغم من أن روسيا استعادت بعض النفوذ، فإنها والصين أقل قدرة على المساندة المباشرة، ولهذا فإن موسكو وبكين لم تتدخلا لإنقاذ فنزويلا من ازمتها الاقتصادية الطاحنة خلال السنوات الخمس الماضية.
وعندما أعلن زعيم المعارضة خوان جوايدو رئيس البرلمان نفسه رئيسا مؤقتا ودعا إلى انتخابات جديدة، حصل بعدها بدقائق على اعتراف واشنطن به، بينما قوبل بالرفض من روسيا والصين ودول أخرى ساندت الرئيس نيكولاس مادورو الذى اعتبر إعلان جوايدو انقلابا ضده.
وفى أعقاب إعلان جوايدو اجتاحت المظاهرات العاصمة الفنزويلية كاركاس، ومدن أخرى، من قبل مؤيدى جوايدو ممن يراهنون على على إمكانية إنهاء الصراع مع الولايات المتحدة واستعادة الاستثمارات التى هربت على خلفية الصدام أمريكا، وأنصار الرئيس مادورو الذين يحملون أمريكا مسؤولية ما يجرى، لكن الاحتجاجات الداخلية الضخمة تجاوزت الانصار للنظام والمعارضة، ووجدت عوامل للاشتعال من ملايين الجائعين والعاطلين وضحايا الأزمة الاقتصادية.
وتشير تقارير البرلمان الفنزويلى إلى أن نسبة التضخم فى البلاد بلغت نحو 1.7 مليون بالمئة فى عام 2018، ووفقدت العملة الوطنية قيمتها. وبسبب الأزمة والجوع والفقر هاجر أكثر من 3 ملايين شخص من البلاد، خلال السنوات الخمس الأخيرة حسب تقارير للأمم المتحدة.
وفى حين يتمسك الرئيس مادوروا بتفسيره أن الحصار الأمريكى وراء الأزمة ترى المعارضة أن سياسات مادورو الفاشلة وقبلها سياسات هوجو تشافيز هى التى طردت الاستثمارات وأفشلت التنمية فى الدولة النفطية الكبرى.
رئيس البرلمان المعارض خوان جوايدو رفض دعوة مادورو للحوار ودعا المواطنين للتظاهر.
وفى مجلس الأمن ظهر الصراع البارد حول فنزويلا، وطلبت الولايات المتحدة غقد جلسة لبحث أزمة فنزويلا، وبدا موقف بريطانيا وفرنسا واسبانيا مع الموقف الأمريكى فى حين صوتت روسيا ضد جدول الأعمال الأمريكى، ودعت إلى عدم التدخل فى شؤون فنزويلا.
حمل وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو الرئيس الفنزويلى مادورو المسؤولية عن الأزمة فى بلاده ودعا المجتمع الدولى إلى دعم «حكومة ديمقراطية جديدة» برئاسة رئيس البرلمان خوان جوايدو، وأيدت بريطانيا الموقف الأمريكى فى حين أعلنت مندوبة فرنسا أن باريس ستعترف أيضا بجوايدو رئيسا مؤقتا للدولة إذا لم يعلن مادورو خلال 8 أيام عن تنظيم انتخابات رئاسية جديدة.
بينما انتقد مندوب روسيا فاسيلى نيبينزيا السياسات الأمريكية، واتهم الإدارة الأمريكية بـ«جر مجلس الأمن إلى ألعابها القذرة بعد تدبير انقلاب فى فنزويلا ضد مادورو وأعلن نيبينزيا عن وجود أدلة على أن واشنطن ضغطت على المرشحين المعارضين كى ينسحبوا من انتخابات الرئاسة فى فنزويلا 2018، بهدف نسف مصداقية العملية الانتخابية والتشكيك بمؤسسات الحكم فى البلاد، وأن هذا كان مقدمة لما جرى.
وخاطب نيبينزيا دول أمريكا اللاتينية المؤيدة لأمريكا: «هل تدركون أن تأييدكم لهذه التصرفات يهدد بأن تكون كل دولة فى المنطقة محل فنزويلا؟».
واتخذت الصين موقفا مقاربا لروسيا وأعرب المندوب الصينى عن دعم بكين لجهود حكومة كاراكاس الرامية إلى الحفاظ على الاستقلال والسيادة والاستقرار، داعيا لاحترام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولى، خاصة مبدأ عدم التدخل فى شؤون دول أخرى، مؤكدا أن الأزمة الفنزويلية داخلية وليست دولية، وأن لدى الشعب الفنزويلى وحده الحق فى تقرير مصيره.
بدوره، أشار وزير الخارجية الفنزويلى خورخى أرياس، إلى أن اعتراف بعض الدول بجاويدو يخالف الدستور والقانون الدولى، وقال إن واشنطن «فى مقدمة من وقفوا وراء محاولة الانقلاب، وأن أمريكا وكولومبيا وتشيلى وبعض الدول الأوروبية رفضت نتائج الانتخابات قبل حدوثها، بما يعنى تبييت النية.
وقال وزير الخارجية الفنزويلى، إن حكومة فنزويلا كانت وستبقى مؤيدة لإقامة حوار مع الإدارة الأمريكية، فيما يبدو أنه محاولة لتخفيف ضغوط واشنطن، بحثا عن إنقاذ اقتصادى يأتى أولا، وبالرغم من مساندة روسيا والصين لفنزويلا دبلوماسيا تبقى الأزمة الاقتصادية قائمة وبحاجة لدعم اقتصادى عاجل يمكن مادورو من علاج الانهيار المالى والاقتصادى، وهو ما يبدو بعيدا عما كان فى ظل الحرب الباردة قبل ثلاثين عاما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة