صراع أمريكى روسى لقيادة العالم عبر "الخطاب المسيحى".. الرئيس الأمريكى يدعم تدريس الدين فى المدارس لدحض حملات خصومه لتشويه صورته.. ويسعى إلى استلهام التجربة الروسية فى استخدام الدين لتحقيق أهدافه بالداخل والخارج

الأربعاء، 30 يناير 2019 06:00 ص
صراع أمريكى روسى لقيادة العالم عبر "الخطاب المسيحى".. الرئيس الأمريكى يدعم تدريس الدين فى المدارس لدحض حملات خصومه لتشويه صورته.. ويسعى إلى استلهام التجربة الروسية فى استخدام الدين لتحقيق أهدافه بالداخل والخارج ترامب وبوتين
كتب - بيشوى رمزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"عظيم أن نجد العديد من الولايات الأمريكية تقدم دروسا لمحو الأمية الإنجيلية، لتمنح الطلاب خيارا بدراسة الكتاب المقدس".. هكذا قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى تغريدة له على حسابه بموقع التواصل الاجتماعى "تويتر" أمس الاثنين، فى امتداد لمحاولاته المتواصلة للتودد إلى القطاع المسيحى المتدين فى الداخل الأمريكى، والذى يمثل أحد الكتل الصلبة فى قاعدته الشعبية، والتى لعبت الدور الأبرز فى فوزه بالانتخابات الرئاسية قبل أكثر من عامين، على حساب غريمته الديمقراطية هيلارى كلينتون.

ولعل استخدام ما يمكننا تسميته بـ"الخطاب المسيحى" فى الولايات المتحدة ليس بالأمر الجديد فى الداخل الأمريكى، فى ظل الصراع السياسى بين الإدارة الحالية وخصومها الديمقراطيين، حيث سبق للحزب الديمقراطى استخدام نفس السلاح لتشويه صورة الرئيس ترامب، إبان جنازة الرئيس الأسبق جورج بوش الأب، حيث سعوا إلى التشكيك فى "الديانة المسيحية" للرئيس بسبب صمته وزوجته ميلانيا أثناء تلاوة قانون الإيمان، بينما كان يردده كافة الرؤساء السابقين الذين كانوا يقفون بجواره، وعلى رأسهم الرئيس السابق باراك أوباما، والذى واجه حملات كبيرة للتشكيك فى ديانته بسبب أصوله المسلمة.

 

 

تغريدة ترامب
تغريدة ترامب

خطة ممنهجة.. هل يضع ترامب نفسه قائدا للعالم "المسيحى"؟

وهنا تصبح إشادة الرئيس ترامب بمسألة دراسة الدين فى المدارس الأمريكية جزءا من خطة ممنهجة، تحمل فى طياتها تكثيف حالة من الخلط بين الدين والسياسة فى المرحلة المقبلة، وهو ما يهدف فى جزء منه إلى دحض التداعيات المترتبة على حملات التشكيك التى واجهها فى أعقاب جنازة بوش من جانب، بالإضافة إلى تطوير الخطاب الدينى للرئيس ليصبح بمثابة أحد أدوات السياسة الخارجية الأمريكية، وهو الأمر الذى حاول ترامب القيام به منذ بداية حقبته الرئاسية.

ترامب فى حديث مع بابا الفاتيكان
ترامب فى حديث مع بابا الفاتيكان

فلو نظرنا إلى الجولة الخارجية الأولى التى قام بها الرئيس ترامب بعد شهور قليلة من صعوده إلى البيت الأبيض فى مايو 2017، نجد أنها اقتصرت على ثلاثة محطات، وهى المملكة العربية السعودية، وإسرائيل، بالإضافة إلى الفاتيكان، وهى الدول التى تمثل مهد الديانات الإبراهيمية الثلاثة، حيث سعى عبر زيارته للسعودية الترويج لنفسه باعتباره القائد المسيحى الداعم للتحالف مع "العالم الإسلامى" فى حربه ضد الإرهاب، وهو ما بدا واضحا فى خطابه أمام القمة "الأمريكية الإسلامية"، بينما قام بزيارة إسرائيل، وحرص على زيارة حائط المبكى فى مغازلة صريحة للوبى الصهيونى الأمريكى، فى حين اختتم جولته بزيارة إلى الفاتيكان، والتى تمثل قلب المسيحية فى الغرب، ربما ليحصل على مباركة البابا فى قيادة "العالم المسيحى"

تبريكات البابا لا تكفى.. ترامب يصطدم بطموحات بوتين

إلا أن تبريكات بابا الفاتيكان ربما ليست كافية ليحصل ترامب على صك "القيادة" المسيحية فى العالم، ليس فقط بسبب الحرب الداخلية التى يواجهها من قبل خصومه الديمقراطيين، أو حتى حالة التمرد بين حلفائه التاريخيين فى أوروبا بسبب سياساته الأحادية تجاه العديد من القضايا الدولية، ولكن أيضا بسبب اصطدامه بطموحات الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، والذى سعى منذ بداية بزوغ نجمه على الساحة السياسية إلى استخدام خطابا دينيا، عبر الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، يستطيع من خلاله فرض نفوذه على محيطه الجغرافى، بالإضافة كذلك إلى وضع موسكو فى صورة المدافع عن القيم المسيحية على عكس الغرب المتشدق بالمبادىء العلمانية.

المسعى الروسى فى استخدام الدين كوسيلة لتحقيق النفوذ السياسى بدا واضحا فى العديد من التحركات التى قام بها الرئيس بوتين فى السنوات الماضية، سواء فى الداخل أو فى إدارة علاقاته الدولية، ففى عام 2013، صدق الرئيس الروسى على قانون مثير للجدل يقضى بتجريم مشاعر المتدينين فى البلاد، وهو القانون الذى أثار ضجة ليس فقط فى روسيا، ولكن فى العديد من الدول الأخرى سواء فى الولايات المتحدة أو أوروبا الغربية.

بوتين مع بطريرك موسكو
بوتين مع بطريرك موسكو

ولم يقتصر استخدام الخطاب المسيحى فى روسيا على مجرد الداخل، كما لم يتوقف نطاقه على المحيط الجغرافى، وإنما امتد إلى ما هو أبعد من ذلك عبر استخدام بعض المصطلحات الدينية، على غرار "الجنة" و"التوبة" عند الحديث عن بعض القضايا الدولية الشائكة، ففى تعليقه على الانسحاب الأمريكى من معاهدة القوى النووية، قال بوتين "على المعتدى أن يفهم أن العقاب آت لا محالة وسيتعرض للتدمير. أما نحن كضحايا أى اعتداء محتمل، فمكاننا الجنة بما أننا شهداء. أما هم فسيفنون بكل بساطة، ولن يكون أمامهم وقت للتوبة."

دعم أمريكى.. استقلال كنيسة أوكرانيا صفعة ترامب لموسكو

يبدو أن الدعم الذى قدمته إدارة ترامب مؤخرا للخطوة التى اتخذتها الكنيسة الروسية فى الشهر الماضى، بالاستقلال عن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية يمثل جزءا من الصراع الجديد بين واشنطن وموسكو فى السنوات الأخيرة للوصول إلى قيادة العالم المسيحى، خاصة وأن مثل هذه الخطوة تقوض السلطان الروحى الذى تفرضه روسيا على محيطها الجغرافى عبر الكنيسة، والتى تبدو أحد أهم أدوات الدبلوماسية الروسية التى يسعى بوتين إلى استخدامها فى السنوات الماضية.

أثناء تنصيب بطريرك الكنيسة الأوكرانية بحضور الرئيس الأوكرانى
أثناء تنصيب بطريرك الكنيسة الأوكرانية بحضور الرئيس الأوكرانى

ويعد استقلال الكنيسة الأوكرانية بمثابة صفعة قوية لروسيا، خاصة وأن الهيمنة الأرثوذكسية للكنيسة الروسية تمثل أحد أدواتها الناعمة لتعميق نفوذها، سواء فى منطقتها، فى ظل سلطانها الروحى على المؤمنين التابعين لها فى الدول الواقعة فى المحيط الجغرافى لموسكو، أو حتى فى مناطق أخرى فى العالم، فى ظل استخدامها من قبل السلطة السياسية كوسيلة لتصدير نموذج قيمى وأخلاقى يبدو مختلفا عن المسيحية فى أوروبا، والتى لا تلعب فيها المؤسسة الدينية دورا كبيرا فى ضوء التزام دول "المعسكر الغربى" بالقيم الليبرالية.

 










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة