من المسلم به من الناحية العملية أن العقار يُعد بمثابة ثروة هامة فى حياة الشعوب خاصة والدول عامة، وهو فى حقيقة الأمر يدخل ضمن سيادة الدولة على أراضيها، مما يدفع بالدول إلى إيجاد تقنيات فعالة لحماية هذه الثروة من خلال سنها وإدراجها في قوانينها المعمول بها.
وبهدف صيانة المنفعة العامة كان لابد على الدولة أن تصدر قانوناَ وثيقاَ لتنظيم الملكية العقارية وما يرد عليها من حقوق عينية والحفاظ على استقرارها وبهدف ضمان الأمن للتصرفات العقارية المبرمة بين الأشخاص حتى تكون حجة على الكافة بمجرد تسجيلها، ولحماية الثروة العقارية سعت الدولة المصرية لإيجاد آليات من ورائها تحفظ هذه الثروة وتضمن استقرارها.
وبشأن تنظيم الملكية العقارية يجهل الكثيرين الإجراءات القانونية الواجب إتباعها للحفاظ على حقوقهم فى عملية بيع وشراء العقارات ونقل ملكيتها، وكيفية الحصول أو كسب تلك الملكية، أو تأكيد للمراكز القانونية الجديدة عقب عملية البيع والشراء، وذلك من خلال شهر الدعاوى أمام الشهر العقارى، وذلك بغرض منع الاحتيال والتلاعب إعمالا لمقولة: "إن الجهل بالقانون لا يعفى من المسئولية".
فى التقرير التالى "اليوم السابع" يلقى الضوء على إشكالية يقع فيها الكثير من المواطنين على سبيل الخطأ الشائع أن العريضة المشهرة تُعد "سند ملكية"، لأنها تتخذ شكل المحررات المشهرة، وسوف نستعرض ماهية شهر العريضة، والأثر المترتب على إغفال هذا الشهر، وكيف يستغلها البعض كأداة للاحتيال والنصب على أصحاب الحقوق العينية، وكيف تصدى المشرع لذلك الاحتيال - بحسب الخبير القانونى شريف الجعار، رئيس لجنة الدفاع عن حقوق "مستأجري مصر".
أولاً: تعريف شهر عريضة الدعوى
المشرع المصرى يشترط لقبول الدعاوى المتعلقة بالحقوق العقارية شهر صحيفتها، وذلك طبقاً للمادة "65" من قانون المرافعات، والمقصود بتسجيل وشهر صحيفة الدعوى بالشهر العقاري، هو التأشير ببيانات العريضة "المتضمنة كشف التحديد المساحي" على هامش المحرر المشهر سند ملكية المالك الأصلي، وبمعني آخر هو توثيق كشف التحديد المساحي الذي تضمنته هذه الصحيفة، وكشف التحديد عبارة عن تصوير للعين من واقع الطبيعة وإبراز حدود ومعالم العقار.
ثانياً: الهدف من شهر العريضة
شهر العريضة يعتبر شرط لقبول الدعاوى المتعلقة بالحقوق العقارية، وهذا من حيث الشكل، ومن حيث المضمون فإن الغاية من شهر صحيفة الدعوى بالشهر العقارى هو تمكين القاضى من تحديد معالم العقار محل العقد تحديداً نافياً للجهالة، وتلك الغاية الأولى المبتغاة من توثيق كشف التحديد المساحى بالعريضة المشهرة.
الهدف الثانية: إعلام للغير حسن النية بوجود دعوى ضد "صاحب الحق العينى الأصلى أو الغير" قد يسفر عنها انتقال الملكية أو ترتيب حق عينى آخر على هذا العقار مثل الرهن، ويُفهم ذلك من اشتراط التأشير ببيانات العريضة على هامش العقد المسجل، فإذا ما تقدم مشترى آخر لتسجيل مشتراه من نفس المالك بالعقد المسجل فسوف يتبين له من هامش العقد وجود منازعة تتعلق بالحقوق العينية لذات العقار فينتبه لما هو مقدم عليه من التعامل على عقار متنازع حول ملكيته.
مما سبق نلاحظ أن العريضة المشهرة ليست سنداً للملكية ولا تكشف لأى شخص حقوق على العين محل التعامل، وليس لها أثر فى تحديد صاحب الملك، وذلك طبقاَ لنص فتوى مجلس الدولة رقم 1322/1993، ولكنها شرط لقبول الدعوى العينية، وننتقل للسؤال التالي: ما هو الأثر المترتب على شهر العريضة ؟
ثالثاً: الآثار المترتبة على شهر عريضة الدعوى
تاريخ شهر عريضة الدعوى يعطى أسبقية للطالب وله أثر رجعى فى ثبوت الملكية، فإذا تم الحصول على حكم نهائى فى الدعوى المرفوعة بموجب تلك العريضة، وحال تسجيل هذا الحكم ثبتت ملكية الصادر لصالحه الحكم من تاريخ شهر عريضة الدعوى وليس من تاريخ صدور الحكم أو تسجيله، وبناء على أسبقية للصادر لصالحه الحكم فإذا ما ظهرت طلبات تسجيل تتعلق بذات العقار فى الفترة من تاريخ شهر العريضة حتى تاريخ تسجيل الحكم تكون لصاحب العريضة المشهرة الأسبقية فى التسجيل طبقًا لنص المادة "17" من قانون الشهر العقارى بشرط تسجيل هذا الحكم خلال خمس سنوات من صيرورته نهائيًا وإلا سقطت أسبقيته.
وإذا سُجلت طلبات فى هذه الفترة تسحب الملكية وتؤول للصادر لصالحه الحكم، ومفاد ذلك أن التأشير أو تسجيل العريضة يعطى للحكم أثر رجعى فى الاحتجاج به على الغير من تاريخ شهر العريضة اذا تم تسجيله والتأشير به خلال خمس سنوات من وقت صيرورة الحكم نهائى.
ثالثاً: ثغرات شائعة يستغلها المحتالون كأثر لشهر عريضة الدعوى
بعض المحتالين وعصابات النصب يلجأون إلى شهر عرائض دعاوى ضد بعضهم البعض باستعمال البيانات المساحية لعقارات الغير، ويؤشر بتلك العرائض على هامش المحررات المسجلة، ويحصلون على أحكام تنتهى صلحاً فيما بينهم، ومن ثم يقومون بابتزاز المشترى الذى لم يقم بتسجيل عقده بالشهر العقارى مقابل التنازل عن تلك الدعاوى.
رابعاً: كيف واجه المشرع تلك الثغرات
ولمواجهة عصابات النصب واغتصاب العقارات فقد اختط المشرع خطة قائمة على دعامتين الدعامة الأولى: إضافة فقرة أخيرة إلى المادة "23" من قانون الشهر العقارى مقتضاها عدم الاعتداد فى بحث الملكية أو الحقوق العينية بالمحررات المشهرة، إذا كانت تتعارض مع مستندات المالك الحقيقى أو صاحب الحق ذلك أنه لا يكفى فى نظام التسجيل الشخصى أن يكون المحرر مشهراً حتى ينتقل الحق الوارد به، وإنما يجب أن يكون التصرف صادراً من صاحب الحق لأن الإشهار لا يصحح التصرف الباطل.
ومعنى تلك الإضافة أنه أصبح لمصلحة الشهر العقارى المفاضلة بين المحررات والاعتداد بالمحرر الصادر من صاحب الحق الحقيقى دون غيره من المحررات ولو كانت مشهرة. وهنا تفقد العريضة المشهرة والحكم الصادر بموجبها قيمتهما طالما لم يتم اختصام المالك الأصلى بالعقد المسجل، وذلك حماية للملاك وغيرهم من أصحاب الحقوق العينية من عصابات اغتصاب الأراضى التى توصلت إلى شهر المحررات على الرغم من صدورها من غير أصحاب الحقوق.
وتطبيقًا لذلك قضت محكمة النقض بأنه: "من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه لا يقبل فيما يتعلق بإثبات أصل الملكية أو الحق العينى إلإ المحررات التى سبق شهرها، فإذا توصل المشترى إلى تسجيل عقده أو تسجيل الحكم الصادر بصحته ونفاذه رغماً عن أن سند البائع لم يكن قد تم شهره، فإنه لا يكون من شأن التسجيل على هذه الصورة اعتبار المشترى مالكاً، إذ من غير الممكن أن يكون له من الحقوق أكثر مما هو للبائع له الذى لم ينتقل إليه الملكية بسبب عدم تسجيل سنده طبقا للطعن 317 لسنة 47 مكتب فنى 31 ص فى 18-11-1980.
ومن الجدير بالذكر أن الحكم المنتهى صلحاً، ليس له من حجية الأحكام سوى الشكل فهو ليس ملزم لمصلحة الشهر العقارى ولا تنتقل به الملكية طالما لم يصدر فى مواجهة المالك الأصلى، وتطبيقًا لذلك قضت محكمة النقض: "أن تصديق القاضى على الصلح أساسه سلطته الولائية مؤدى ذلك ما حصل أمامه من اتفاق وتوثيقه ليس له حجية الشئ المحكوم فيه وإن أعطى شكل الأحكام عند إثباته - نقض 29/12/1996 طعن رقم 3075 لسنة 60 ق.
الدعامة الثانية: إعطاء مكنة قانونية لكل من تعرض لمثل تلك الحيل تتمثل فى أداتين
وتتمثل الأداة الأولى فى إعطاء ذوى الشأن مكنة محو التأشير الذى تم على خلاف سند المالك الأصلى فحسب نص المادة 18 فقرة/2 من قانون الشهر العقاري: " لكل ذى شأن أن يطلب إلى قاضى الأمور المستعجلة، أن يطلب إلى القاضى محو التأشير أو التسجيل المشار إليه فى المادة الخامسة عشرة فيأمر به القاضى إذا تبين له أن الدعوى التى تأشر بها أو التى سجلت لم ترفع إلا لغرض كيدى محض.
أما الأداة الثانية: فهى تأثيم تلك الأفعال بموجب المادة 36 مكرراً من ذات القانون التى تنص على: "كل من توصل أو شارك فى شهر محرر بقصد سلب ملكية عقار مملوك للغير، أو ترتيب حق عينى عليه يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه وذلك مع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد يقضى بها قانون آخر، ويعاقب على الشروع فى هذه الجريمة بما لا يجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة