يبدو أن الدبلوماسية الأمريكية شهدت قفزات كبيرة فى أجندات الناخبين فى الولايات المتحدة، خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يبدو بوضوح، ليس فقط فى الحملات الانتخابية سواء للرئيس دونالد ترامب، والذى سيخوض الانتخابات الرئاسية العام القادم، أو منافسيه الديمقراطيين، ولكن أيضا فى طبيعة التحركات التى يتخذها كل طرف لحصد نقاط إضافية لدى الناخب الأمريكى، فى المرحلة المقبلة، على عكس الخطابات الانتخابية فى الماضى القريب، والتى كان ينصب فيها تركيز المرشحين على قضايا الداخل، وعلى رأسها الاقتصاد، والتأمين الصحى، وغيرها.
ولعل الاهتمام بالسياسة الخارجية فى الولايات المتحدة، قد برز بصورة كبيرة، فى انتخابات الرئاسة الأخيرة، والتى فاز بها الرئيس ترامب على حساب غريمته الديمقراطية آنذاك هيلارى كلينتون، وهو ما يرجع بصورة كبيرة إلى العديد من العوامل، أهمها ارتباط السياسات الخارجية بالتهديدات التى أثارت فزع الأمريكيين بالداخل، وعلى رأسها الإرهاب، وكذلك إنفاق الملايين لخدمة أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، بالإضافة إلى أن وجود كلينتون فى منصب وزيرة الخارجية الأمريكية خلال ولاية أوباما الأولى، ساهم فى فرض أجندة أمريكا الدولية كأولوية فى خطاب ترامب آنذاك، حيث استخدم خطايا منافسته الدبلوماسية لتحميلها مسئولية ليس فقط التراجع الأمريكى على المستوى الدولى، ولكن أيضا التهديدات التى باتت قريبة من المواطن مباشرة فى الداخل.
إلا أن استخدام ورقة الدبلوماسية الأمريكية ربما يشهد توسعا كبيرا فى الانتخابات المقبلة، والمقررة فى نوفمبر 2020، يبدو متفاقما، ربما عبر الكشف عن سقطات الساسة، على غرار ما أثير حول ضغط الرئيس الأمريكى على أوكرانيا للكشف عن أعمال مشبوهة مرتبطة بنجل نائب الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن، والذى يعد المرشح الأوفر حظا فى مواجهة ترامب فى الجولة النهائية، أو حتى فى تحركات الديمقراطيين التى تهدف إلى تقويض جهود الإدارة الحالية، عبر فك الارتباط بينها وبين حلفائها.
فلو نظرنا إلى الاتهامات التى كالتها سيدة الأعمال الأمريكية جينيفر أركورى مؤخرا لرئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، والذى يعد أبرز حلفاء ترامب فى أوروبا فى الوقت الحالى، والتى دارت حول علاقتها به، نجد أنها ليست بعيدة فى أهدافها عن الانتخابات الأمريكية، خاصة وأن ثمة تشابه بين مثل هذه الاتهامات، والحملات التى استهدفت تشويه ترامب أمام الرأى العام الأمريكى منذ تنصيبه فى البيت الأبيض فى يناير 2017.
ويمثل اختيار التوقيت، قبل أسابيع قليلة من الانتخابات المبكرة فى لندن، دليلا دامغا على البعد السياسى، والمتمثل فى محاولة إسقاط جونسون، وبالتالى تجريد إدارة ترامب، من أحد أهم حلفائها فى أوروبا، والذى سيعتمد عليه الرئيس الأمريكى فى المستقبل لتنفيذ رؤيته فى القارة العجوز، فى إطار رغبته فى إعادة هيكلة التحالفات الأمريكية بحيث تكون مناسبة لطبيعة المرحلة الحالية.
وهنا يمكننا القول بأن السياسة الخارجية الأمريكية أصبحت بمثابة الورقة الرابحة للمرشحين فى الانتخابات المقبلة، وهو ما يبدو واضحا فى حرص ترامب الشديد ليس فقط على تحقيق الانتصارات الدبلوماسية، ولكن أيضا على استخدام حلفاءه وخصومه الدوليين فى صراعه الداخلى المحموم، وهو ما يبدو فى ترحيبه الضمنى بإهانة منافسه الانتخابى المحتمل جو بايدن، من قبل كوريا الشمالية، والتى وصفته بـ"الكلب المسعور".