يستيقظون فى الصباح الباكر والمياه تملأ حجراتهم الواسعة، حتى تصل إلى فرش أسرتهم، و"الكنبة" الكبيرة المخصصة للضيوف، والمطبخ المبعثرة أوانيه على الأرض دون ترتيب، والمكان المخصص لماشيتهم، حتى بات طقسهم الصباحى اليومى، الاستيقاظ على كسح وشفط المياه كل حسب مقدرته، فهناك من يستخدم الموتور الصغير، وهناك من يعتمد على الوسائل التقليدية "حلة أو جردل بلاستيك"، ليتحول مجهوده الرئيسى على مدار ساعتين أو ثلاثة لإفراغ المنزل من الماء، ليتمكن من ممارسة نشاطه وحياته الطبيعية مرة أخرى، وينتهى يومه بنفس السيناريو قبل النوم، ففى قريتنا "طرشوب" يتجرعون الهم والمرارة كما الدواء صباحا ومساء، دون أن يخفف عنهم أحد أو يسمع بهم مسئول.
الهواتف لا تتوقف من الأهل والأصدقاء، فقراء كانوا أو متوسطى الحال، فالمياه الجوفية التى تخرج عليهم لا تفرق بين هذا وذاك، بل تجتاح المنازل فى هذا التوقيت من العام ولا أحد يعرف السبب، يتركون أعمالهم وزرعهم وحصادهم، حتى يفرغوا الماء من منازلهم، فمواطنو قرية طرشوب مركز ببا محافظة بنى سويف، لا يسمع نداءهم أحد، حتى الإعلام بمختلف صوره وأشكاله لا يعرف الطريق إليهم، ولم يعاونهم على حل مشكلتهم حتى تتكرر للعام الثالث على التوالى دون حل.
ظاهرة نشع المياه من أرضيات المنازل فى قرية طرشوب تظهر فى البيوت المبنية بالمناطق المنخفضة فى القرية، وبعضها مجاور للأراضى الزراعية، وقد أتصور – وهذا مجرد اعتقاد – أن الأمر مرتبط بشبكة الصرف الزراعى فى القرية التى باتت متهالكة، بحيث تصرف نواتجها ناحية منازل الأهالى، إلا أن اللغز الذى لا أفهمه لماذا تظهر المياه فى هذا التوقيت من العام دون غيره؟! وهل لها علاقة بنشاط الترع والمصارف ومنسوب المياه فيها؟!
كأحد أبناء هذه القرية القديمة لم نكن نشاهد تسرب المياه للمنازل من قبل، ولم أرها طول سنوات الطفولة والشباب، وقد كنا نسمع أن المياه كانت تغرق القرية بأكملها قبل بناء السد العالى وفى أوقات الفيضان منذ نحو 60 عاما، إلا أن المشكلة لم يعاصرها أبناء السبعينيات أو الثمانينيات، إلا أنه على كل حال هناك مشكلة كبيرة يتضرر منها شريحة كبيرة من المواطنين قد يشكلون نصف سكان القرية، وهم آلاف، وقد تكون موجودة فى قرى مجاورة، وهذا يدعونا إلى ضرورة معرفة سبب هذه المياه ومصدرها، حتى نتمكن من حل المشكلة قبل سقوط منازل الأهالى فوق رؤوسهم، فلولا أن المنازل بسيطة، ومكونة من طابق واحد أو طابقين على الأكثر لكانت كارثة.
أدعو وزيرى الرى والتنمية المحلية، ومحافظ بنى سويف، وكل من هم فى أجهزة المحليات لديه، أن يزيلوا شكوى هؤلاء المواطنين البسطاء، فبعضهم بالكاد يجد قوت يومه، ولا يعرف أحدهم كيف يصل إلى المسئول، وزيرا كان أو محافظا أو رئيس مدينة أو حتى رئيس وحدة محلية أو مجلس قروى، فهؤلاء لهم حقوق علينا جميعا، والدولة المصرية الجديدة لا تسمع إلا صوت المواطن، وتحرص على إزالة شكواه وحلها بصورة جذرية، وأنا على ثقة فى أن هذه الحكومة لا يوجد بها مسئول واحد يرى شكوى عامة دون أن يتعامل معها ويسعى لحلها.