الجواب الجامع لهذا السؤال هو أن ما أجمعت عليه الأمة الإسلامية من المعانى الثابتة المستنبطة من السيرة النبوية وعملت على تطبيقه هو ما يجب الأخذ به، وهو الحق الذى لا ريب فيه، وذلك مصداقًا لحديث النبى ﷺ الذى قال فيه: «إِنَّ الله لَا يَجْمَعُ أُمَّتِى - أَوْ قَالَ- أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ على ضلالةٍ، ويدُ الله مع الجماعةِ، ومَنْ شَذَّ شَذَّ إلى النَّارِ» والذى يوضح أن ما عليه عامة الأمة هو الصحيح.
وبناء على هذا فعلى المسلم ألا يستقل بالنظر إلى بعض أحداث السيرة النبوية ويقوم باستنباط الأحكام من تلقاء نفسه أو يبتدع مناهج بناء على فهمه.
ولا يفهم مما سبق أن بعض مراحل السيرة النبوية ليس لها تفعيل أو تطبيق بل يؤخذ بها ويعمل بما تقتضيه؛ على أن يكون هذا من خلال فتاوى أهل العلم المتخصصين فقط، ومثال ذلك التطبيق تلك الحالات التى يكون فيها المسلمون أقلية يعيشون ظروفًا صعبة توجب استدعاء بعض مراحل السيرة النبوية وإجراء أحكامها عليهم، حتى يستطيعوا المحافظة على دينهم وعقيدتهم، وقد مرَّ المسلمون بمثل هذا من قبل وذلك بعد سقوط الأندلس، حيث أرسل بعض علماء المغرب للمسلمين هناك فتوى يوضح لهم فيها الكيفية التى يتمكنون بها من إقامة شعائر دينهم فى ظل ظروف الاضطهاد والمطاردة والتخفى بدينهم.
وهكذا نجد أن الاستنباط من النماذج الحياتية فى السيرة النبوية كان على مدار التاريخ الإسلامى إنما يصدر من أهل العلم المتخصصين فى حدود معينة وفق الظروف التى يمر بها المسلمون.
بيد أن هناك فهمًا آخر للرسالة المحمدية وهو فهم المتشددين والمتنطعين والإرهابيين لسيرة وسنة المصطفى، صلى الله عليه وسلم، فهذه الفئات الضالة قد ارتكبت كل شر وكل خبيث باسم الإسلام وبزعم نصرة الإسلام وتحت دعوى إقامة الخلافة الإسلامية والتمكين لدين الله ودينُ الله منهم برىء كل البراءة، فلقد شوهوا سمعة الإسلام وأصبحوا أكبرَ سببٍ وأعظمَ عاملٍ من عوامل التشكيكِ فى الإسلامِ وصدِّ الناسِ عن سبيل الله.
وقد خدعت هذه الجماعات والتيارات الضالة جموعًا من الشباب فأوهمتهم أنهم يعملون فى إطارهم الحركى من خلال معانى السنة النبوية المطهرة ومراحلها، وأنهم بذلك على هدى النبى ﷺ، والأمثلة على ذلك الانحراف الشرعى الفكرى كثيرة ومتنوعة؛ فقد ابتدعت هذه الجماعات مصطلحات كثيرة ألبستها ثوب الشرعية، وانحرفت بمصطلحات شرعية عن معانيها الصحيحة، فمن ذلك مصطلح الجماعة المؤمنة أو جماعة المؤمنين وما يلحق به من مسميات كالملتزمين وما شابهه، والتى يتوهمون من خلالها أنهم ممثلون لجماعة المسلمين وسط مجتمع الكفار أو مجتمع الجاهلية، ظنًّا منهم أنهم يطبقون المرحلة المكية من السيرة النبوية، والتى تقتضى بحسب زعمهم السرية والتخفى والانضمام إلى تجمعات خاصة منعزلة عن المجتمع ماديًا أو معنويًّا، تعمل من خلال آليات معينة على تحصيل ما يسمى بالتمكين، والذى هو فى الحقيقة وواقع الأمر تمكين لجماعتهم يحققون تحت ستار الدعوة والدين مصالحهم الدنيوية.
والمضحك فى الأمر أنهم يشبهون عملهم السرى واجتماعاتهم هذه بتجمع المسلمين فى دار الأرقم بن أبى الأرقم فى مكة، وأنهم يمثلون بذلك مرحلة سرية الدعوة، والتى يتم فيها تكوين الطائفة المؤمنة التى سوف تنطلق بعد ذلك لتحقيق التمكين للدين.
وقد صاحب هذا التوهم العديد من الأفكار التكفيرية من القول بجاهلية المجتمع وعدم تحقيق الناس للتوحيد، والقول بالعزلة عن المجتمع والتحضير للمفاصلة معه، وتحريف مفهوم الولاء والبراء وشيوع التقية واستحلال الكذب، بل إن بعضهم لا يرى وجوب صلاة الجمعة ولا مشروعية صلاة الجماعة تحت زعم أنه يعيش فى مرحلة الدعوة المكية، وبذلك حرفوا المعانى العظيمة من سيرة النبى ﷺ فى المرحلة المكية، وحولوا الدين وتطبيقه إلى عمل سرى باطنى حركى ظاهره مخالف لباطنه.
وإذا انتقلنا إلى وجه آخر من وجوه ضلال هذه الجماعات فى فهمهم وتطبيقهم للسيرة النبوية وتوصيفهم لها وجدناهم يقولون بوجوب الهجرة والتجمع فى مناطق خاصة بهم، وتكوين القوة التى تمكن للدين عن طريق الصدام والقتال المسلح مع مجتمعات المسلمين، والتى يهدفون من ورائها إلى قيام الدولة الإسلامية فى زعمهم، ويظهر ذلك جليًا فى الجماعات التى تدعى أنها تقوم بالجهاد فى سبيل الله، فدمرت الأوطان وخربت بلاد المسلمين، واستحلت دماء الأبرياء، وهى تحسب أنها تطبق المرحلة المدنية من السيرة النبوية التى شرع فيها الجهاد وقتال الكفار وللحديث بقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة