كانت القوات البريطانية والفرنسية تواصل أعمالها الوحشية فى مدينة بورسعيد، فى يوم 6 نوفمبر - مثل هذا اليوم، 1956 وهو اليوم التاسع من أيام العدوان الثلاثى على مصر الذى بدأت غاراته يوم 29 أكتوبر 1956، غير أن المقاومة البطولية لهذا العدوان كانت تكتب أعمالها بحروف من نور أثناء هذه الملحمة الوطنية التى عاشتها مصر، وكان يوم 6 نوفمبر من هذه الأيام.. يذكر عبد الفتاح أبو الفضل فى كتابه «كنت نائبا لرئيس المخابرات»: «انتشر جنود العدو فى أنحاء مدينة بورسعيد وكانت تقابلهم جموع الشعبية المسلحة إلى أن وصلوا داخل الشوارع، فكانت المعارك العنيفة مع الشعب الرابض فى كمائن فوق الأسطح وفوق أشجار الحدائق وخلف البواكى ومن داخل المنازل، وكانت معركة رهيبة ولكن غير متكافئة، حيث تمكن العدو من هدم كثير من المنازل بواسطة مدافع الدبابات وكانت هناك بطولات كثيرة».
كان عبد الفتاح أبو الفضل هو قائد المقاومة السرية فى مدن القناة، وتشكلت بقرار جمال عبد الناصر.. يتذكر إحدى بطولات يوم 6 نوفمبر، ومنها «عملية الأشجار» التى قام فيها بعض الفدائيين بالانتشار فوق أشجار حديقة البلدية «حديقة الباشا» وانتظروا مرور إحدى دبابات العدو وخلفها عدد من الجنود المترجلين، وفجأة فتحوا عليهم النيران من فوق الأشجار فقضوا على جميع المترجلين من العدو، وقبل أن توجه مدافع الدبابات إليهم النيران تمكنوا من النزول والهروب.
يضيف «أبو الفضل»: «عند تقاطع شارع محمد على بالقرب من شارع الحميدى أمام كنيسة الأقباط كانت هناك دبابة بريطانية مفتوحة البرج، ويقف به ضابط يراقب المنطقة وخلفه دبابة أخرى، وفجأة خرج الفدائى عبد الله إبراهيم، وبيده قنبلة يدوية واندفع بسرعة فائقة بجانب الدبابة وقبل أن يأخذ الضابط حذره ألقى الفدائى بالقنبلة داخل فتحة الدبابة وأصيب الضابط، وحدث انفجار داخل الدبابة أوقفها، وأطلقت الدبابة الثانية النيران على البطل واستشهد الفدائى عبد الله إبراهيم».
كان الدكتور يحيى الشاعر من قيادات هذه المقاومة، وهو يعيش الآن فى ألمانيا.. «يتذكر فى كتابه «الوجه الآخر للميدالية – حرب السويس 1956 – أسرار المقاومة السرية فى بورسعيد»، أن المقاومة قامت بعمل الخط الدفاعى التعطيلى الأول ويقع على الشاطئ مباشرة ويمتد إلى الخلف، واستعمل بعض المدافعين الكبائن كساتر لهم للاختفاء، بل نصبت تحت بعضهم مدافع مضادة للطائرات «رشاشة عيار 20 ملم» فى مواجهة «سور ميناء الصيد» و«طابية السلام» بالقرب من عمارة حمزة، وتواجد تحت الكابينة الخشبية، وفى الغرف المبنية من الطوب الموجودة أسفل بعضهم، بعض جنود المشاة، وجنود الجيش، والعدد الكبير من أفراد الحرس الوطنى مواطنو المدينة الذين كانوا يعلمون كيفية استعمال السلاح، ولما قامت الطائرات منذ صباح يوم الأحد 4 نوفمبر 1956 بمهاجمة الشاطئ بالمدافع الرشاشة، رفعت حدتها يوم الاثنين باستعمال قنابل النابلم الحارقة.. دعم البعض كمائنهم تحت الكبائن التى هوجمت يوم الاثنين وأحرق العديد منهم، غير أن البعض قد تبقى وأصبح نقاط مقاومة شرسة انتظارا للإنزال البرمائى المتوقع.
يتذكر الشاعر: «عندما بدأ الإنزال البرمائى فى الصباح المبكر» الساعة السادسة وأربعون دقيقة، يوم الثلاثاء 6 نوفمبر، كانت نقاط القناصة كمينا قاتلا، وقتل العديد من جنود الكتيبة 40 والكتيبة 42 «كـوماندو رويال مارين» البريطانية. ولما كانت الدبابات.. والدبابات البرمائية حاملات الجنود من طراز «بافالو» غير محصنة، وكانت الدبابات السنتورين ماركة 4 قد بدأت تنزل فى المنطقة سييرا الخضراء، أمام كازينو البحر، طلب كل من قادة جنود الكتيبة 40
والكتيبة 42 «كـوماندو رويال مارين» مساعدة الدبابات البريطانية لحـــصـــد وتحطيم الكبائن وإسكات من فيهم من مقاومون، وعلى ذلك بدأوا بتحطيم وحرق الكبائن الخشبية على الشاطئ».. يقترح «الشاعر» تسمية هذا الشارع «شارع المقاومة» تكريما لهؤلاء الذين استشهدوا فيه.
فى أحداث يوم 6 نوفمبر أيضًا تظهر بطولة اليونانيين المصريين المقيمين فى بورسعيد، حيث انضموا إلى المقاومة السرية، وحسب كتاب «الأطلس التاريخى لبطولات شعب بورسعيد 1956»، إعداد ضياء الدين حسن القاضى، فإن تشكيلات المقاومة ضمت تشكيلا اسمه «المجموعة اليونانية، وتكون من 9 أعضاء يونانيين برئاسة «الباملاكسوس»، وأبرز أعضائه «بنيوتى ماضرومانيس»، و«جورج قسطنطين».. يؤكد: «فى يوم 6 نوفمبر حوصرت مجموعة من الفدائيين أثناء انسحابهم من تنفيذ بعض العمليات، وذلك أمام المطافئ بشارع صفية زغلول حيث احتلال الإنجليز أسطح المنازل المحيطة وهبطوا فوقها بالمظلات، فقام «بنايوتى مافروماتس» عضو هذه المجموعة بالصعود على سطح المنزل المقابل لجامع الرحمة، وفتح نيران مدفعه الرشاش على تلك القوات فوفق الفدائيون فى الانسحاب إلا أن رصاص الإنجليز أصابه.. ولم يسمح للمحال التجارية بفتح أبوابها وعدم التعامل مع الأعداء إلا أنه تم السماح لعضو تلك المجموعة «ألباملاكسوس» بفتح محله لبيع بضائعه لهم حتى يتمكن الفدائيون من اصطياد الإنجليز داخله، بالإضافة لحضور بعض أفراد منظمة «أيوكا القبرصية» الذين حضروا مع القوات الإنجليزية لإعطاء الأخبار عن القوات البريطانية وينقلها «مالاكسوس» للفدائيين».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة